ثقافة

البيت المهجور

 
حسين عجيب
 
ورقة يابسة ظننتها هدهدا.
سررت. طرت من الفرح. انتشيت. أوقفت تمريناتي الصباحية, وضعت النظارة, ورأيت.
ورقة توت يابسة, ما تزال عالقة بالغصن ويهزها الهواء. لا يوجد هدهد من الأصل.
قبل ثلاثة أيام في وادي حلبكو وحرف متور. رأيته بوضوح يطير ويغط ويتوقف على شجرة جوز كبيرة وعتيقة. هدهد مع ألوان زاهية وعرف وردة و…. على جناحيه سلام.
في أحد مستويات العاطفة ما أزال طفلا, تحركه الرغبات والقناعات وحتى الأفكار الملتقطة تلك الأيام _التي تكثفت في صيغ وتعبيرات : عاطفية_ لغوية_ صورية
أعتقد أن تفسير التناقض العاطفي يوجد في ذالك الحيز من حياة المرء: سن, قيم, أفكار, ممارسة,ويزيدها غموضا اختلاط الحاجات الجسدية بالعاطفية بالروحية_ المحمولة في الذاكرة.
إذن يفسر الغموض والتناقض الشخصيين, تعدد أنماط الاستجابة لمؤثرات العيش. ودورانها بين نقيضين يفصل بينهما أكثر من عصر وطور حضاري! كيف يحتمل ذلك؟
بيت مهجور. ورقة يابسة. كهل تنفلت سبل الحياة من يديه, بسرعة
فليكن: عودة إلى الحلول العصابية.
أحلام يقظة يجري تنشيطها بالديزل,
جرجرة رغبات وأحلام ومخاوف.
_ لا بأس عليك يا أخي
” الرغبة مصبغة حقيقية للذات”
*
هامش الربح الضئيل_ محاولة حجز موقعين منفصلين بنفس اللحظة وفي مكانين مختلفين.
هي رغبات صبيانية. أضغاث أحلام . أقصر طريق لتضييع الحياة وهدرها_ الأقرب للشقاء
*
ما تزال أحلامي الصبيانية: أرى ورقة يابسة وأظنها هدهدا…..وأطير فرحا
وفي اليوم التالي أصحو على صخور الواقع وحفره ومستنقعاته
_ هل تعود للشكوى والندب يا…..عالم النفس
لعنتي الكبرى أنني عالم نفس وشاعر بنفس الدرجة_ ولا أقدر على التخلي عن أحد الموقعين
وأدهى والأكثر مرارة
أنني عاشق
ومن أسوأ صنف_الذي اختبره الرجال وفروا منه على مر العصور وفي مختلف الثقافات
العاشق الصادق_ يريد الاحتفاظ بالشغف والجنس معا ومع نفس المرأة دائما
نموذجه غالا سلفادور دالي وإيلزا أراغون…لا ليلا ولا لبنى ولا قيس الأهبل
*
أكثر فكرة استوقفتني في السنوات الأخيرة: حاجة الإنسان المستمرة للاهتمام_ للاعتراف
تودوروف يقترح حلا ظريفا ” تدوير الدور” ويقوم على الصبر والإرجاء, كما يشترط لنجاحه احترام النفس والآخر. ( حياتنا المشتركة_ هذه دعوة لقراءة الكتاب)
لا أحد يقوى على تحمل الإهمال طويلا_ أصعب خيارات البشر
هي هوية الشيخوخة وماهيتها_ المضي وحيدا في ذلك الطريق المظلم, البارد والمخيف
ولا أحد يعود أبدا, أبدا
ربما يفسر هوس الشهرة, الذعر من موقف الصمت _ مجالسة النفس بلا تشويش
ذلك الخوف المتأصل ,الذي يتزايد مع التطور العلمي والمعرفي, من مصادقة النفس وصحبتها.
*
المقدرة على الجلوس مع النفس _ نصف ساعة؟
بدون تدخين أو شراب أو طعام أو أحلام يقظة وأفكار…., لوحدك
فقط الجلوس وانفتاح الحواس على عالم الداخل, بصمت, بهدوء, بسلام
أغلب البشر لا يحتملون أنفسهم خمس دقائق!
المتذمرون, الغاضبون, المتنمرون, الذين يعتقدون حلول مشاكلهم عند غيرهم وخارجهم
( من لا يستطيعون أن يحبوا أنفسهم وشخصهم الفعلي, كيف ينتظرون أن يحبهم آخر)!
لقد غادرت تلك الحظيرة بلا أسف.
لكنني دائم الحنين للعودة, لماذا الكذب_ لا توجد الإثارة إلا في المجهول
*
ورق الورد يحرك الهواء والعواصف
” يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به/ وهن أضعف خلق الله إنسانا”
_ من تريد/ يريد, الوصول إلى هناك_غدا, حيث الحب والسعادة يلزم أولا: مغادرة هنا_ الآن
وهذا أصعب ما في الأمر_ مغادرة حظيرة الأبوين, لا يمكن الوصول إلى الحرية والشباب مع الاحتفاظ بالطفولة والاتكالية. تلك أوهام فلاسفة أو مجانين أو شعراء أو عشاق من عصر انتهى
” معجزة أن يحب إنسان إنسانا”
*
لو كان الأمر بيدي
لاخترت صحبة لطيفة ,مقبولة, لا انتظار الأحلام ومستقبل لا يأتي أبدا
أختار صداقة حقيقية بصدق ووضوح ولا علاقة عاطفية غامضة وغائمة وقلقة
أسوأ شيء على الإطلاق: الكذب على النفس
من شدة الخوف من الخسارة تخسر كل شيء دفعة واحدة: خسارة المستقبل والحاضر ضمنا
*
“بيتنا” اسم ديوان شعر. أيضا اسم مكتب هندسي. ويحمل اسمي أيضا
أنتمي إليه أقل مما يرانا الناس وأكثر مما أرى نفسي. البيت المهجور. ليس فيه حب. .
_ كيف يحتمل ذلك
أعيش في هذه المرحلة طور “حب النفس”, لم أنجح, لم أفشل بعد أيضا
هي تجربة مثيرة بالفعل, فيها قلق أقصى, وفيها خوف ومغامرة دائمة
لكن عمق درجة الإرضاء الذاتي يحمل الوعد الفعلي
لا تنجح محبة النفس إلا مع الحب الحقيقي لآخر من لحم ودم وإلا
تعود دورة “اسقي أخاك النميري” الصالحة لأفلام الكرتون لا لنساء ورجال القرن 21
*
الرجل الذي سمى ديوانه الشعري بيتنا
الرجل الذي سمى مكتبه الهندسي بيتنا
الرجل الذي….اسمه حسين عجيب
لا يعرف ماذا يفعل سوى الكتابة, عبثا, من أجل اللهو وتدوير الكلمات
هو لا يعرف ماذا يفعل بأيامه الكثيرة الطويلة بلا نهاية
خصوصا بعدما يخرج(قريبا) من بيتنا إلى………. لا مكان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى