إقتصاددراسات و تحقيقات

الاقتصاد السلوكي

علماء الاقتصاد السلوكي

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

عندما يجمع المرء بين النظرة الاقتصادية والرؤى المعقدة داخل السلوك والطبيعة البشريين ( وحتى نكون أكثر دقة عندما نجمع بين علم النفس الاجتماعي والشخصية) فإنه يحصل على الاقتصاد السلوكي . وهذا الفرع من الاقتصاد حديث نوعا ما بدأ منذ حوالي 50 عاما خلت فقط .
عود تأسيس علم الاقتصاد السلوكي للعالمين دانيال كانيمان وأموس فيرسكاي في بداية الستينات من القرن العشرين ثم تابعا بحثهما حول الاقتصاد السلوكي في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا . ركز بحثهما الاستدلال واتخاذ القرار في ظل عدم اليقين واعتبروا النظام الاقتصادي السائد في ذلك الوقت المسمى نظرية الاختيار العقلاني الرشيد للمنتجات نوعا من التحدي الذي يجب التغلب عليه . ومنذ ذلك الحين تغيرت الطريقة التي يقارب بها الاقتصاديون النظام الاقتصادي العالمي السائد والذي قد تم تغييره من علماء يرفضون ” نظرية الاختيار العقلاني الرشيد للمنتجات ” .
فيما يلي نورد أهم علماء الاقتصاد السلوكيين في العالم مع وجهة نظرهم وطريقة عملهم وأفكارهم الاقتصادية :
دان أريلي :

لقد نجح دان أريلي في جعل فهمه للجوانب الاقتصادية والنفسية للسلوك البشري أقرب إلى جمهور أوسع وأكثر انتشارا . يناقش دان أريلي في كتبه المختلفة أسس الاقتصاد السلوكي ويربطها بأسس مبادئ الإدراك والسلوك البشري والحاجة إلى إعادة تعريف الدوافع الفردية من خلال هذه المبادئ الاقتصادية السلوكية الجديدة . كما ناقش دان أريلي تأثير هذه المبادئ على التعامل والتفاعل بين الناس في إشارة منه إلى الأمانة وخيانة الأمانة وتأثير هذه المبادئ على عملية اتخاذ القرار المتعلقة بتمويل الأفراد والشركات . لقد أسس دان أريلي العديد من الشركات الناشئة والشركات الاستشارية الإدارية ويطبق رؤى الاقتصاد السلوكي على إستراتيجية العمل والعمليات الاقتصادية والتسويق ورسم السياسات العامة . وقد قام دان أريلي بالعديد من التجارب السلوكية وخلص إلى ما يلي:
١ أنّ معظم الناس (٨٣ ٪ منهم) إذا أتيحت لهم الفرصة قد يغشّون (ويشمل ذلك الكذب أو السرقة وما يخالف قناعاتك الأخلاقية) في مقابل الحصول على أشياء صغيرة. لكن كلما كبرت “هذه الأشياء” انخفضت أعداد الذين يقومون بالغشّ (قد يأخذ بعضنا “قلمًا” من مكتبه، لكنّ قلة منا هي التي قد تأخذ صندوقًا به “علبة أقلام ودباسة ورزمة أوراق”) ، ولكنّك ستجد بالطبع من يسعد بسرقة كافة الأدوات المكتبية.
٢ عندما تبتعد المسافة بين الغش (السرقة والكذب وغيره) وبين عنصر المال في صورته المادية المعروفة (نقدا) تزداد احتمالات حالات الغش.
تجربة دان أريلي في جامعة ييل الأمريكية
في تجربة على طلبة جامعة ييل وُضعت في حجرات الطلبة ثلاجة بها زجاجات كوكا كولا وصندوق به دولارات لا تستطيع أن تأخذ منه إلا دولارًا واحدًا (ثمن زجاجة كوكا كولا ) ، لوحظ أنّ أكثر الطلبة أخذوا كوكا كولا (دون دفع ثمنها) بينما تعفّفوا مِن مدّ أيديهم ليأخذوا دولارًا والذي يساوي في قيمته ثمن الزجاجة) ولوحظ أيضًا زيادة السرقات المتعلقة بالأسهم والسندات وهي بالملايين ويتعفّف مرتكبوها في ذات الوقت عن سرقة نفس المبالغ نقدا من الشركة. وتبدو الجرائم الرقمية حتى ولو كانت سرقة لحسابات مصرفية أخفّ على النفس من السرقة المباشرة والأمثلة البارزة من العقد الماضي شملت فضائح في شركة إينرون و ورلد كوم برنارد مادوف الاستثمارية للأوراق المالية و هاليبرتون ومجموعة البنوك في الأزمة المالية في عام 2008.
٣ – في حالة تعارض المصالح يزداد احتمال الغش وقد ظهر ذلك في حالات الكثير من الأطباء الذين تدعوهم شركات الدواء لإلقاء كلمات أو محاضرات بسيطة.
٤ – في حالة ارتفاع مستوى العبقرية والإبداع ترتفع حالات الغش لأنّ مقدرة هؤلاء الناس على تبرير أعمالهم وإعطائها مشروعية عالية للغاية فيظلّ قادرًا على الاحتفاظ باحترامه لذاته وكبريائه.
٥ في حالات الإرهاق النفسي والانشغال تزداد احتمالات قيام الناس بالغشّ أو مخالفة مبادئه الأخلاقية حيث تضعف قبضة سيطرتهم العقلانية على رغباتهم الشخصية الأنانية.
٦الأساس العقلاني المعتمد على تحليل المنافع والتكاليف ( SMRM ) وهي نوع من الموازنة بين المكاسب التي تحقّقها مطروحًا منها “احتمالية أن يُكتشف أمرك + العقوبة المترتبة على ذلك ” ليس كافيًا لتفسير الانحراف فهناك معايير وأحكام ودوافع أخرى تحكم سلوكنا في إطار نموذج جديد يطرحه علماء النفس الإدراكي والاقتصاد السلوكي.
ويخلص دان أريلي إلى أنّ معظمنا عادة ما يكون ممزقًا بين اثنين من الدوافع المتضاربة هما: الرغبة في المضيّ قدمًا وتحقيق أهدافنا وإشباع احتياجاتنا عن طريق الغش والخداع وخيانة التزاماتنا الأخلاقية من ناحية والرغبة مع ذلك في أن نحتفظ باحترامنا لأنفسنا وأننا لا زلنا شرفاء. وقد نحاول الحصول على أفضل ما في الجانبين وذلك من خلال حِيَل كثيرة لخداع الذات وإضفاء التبرير العقلاني على أفعالنا والناس تختلف في درجات الغشّ، حيث يعتمد الأمر على نوع من التفاوض واعتمادًا على أيّ جانب ستقدّم تنازلات وعلى هذا الأساس تزداد حالات الغشّ والتدليس والخداع أو تقلّ.
ايريس بونيت :

تسمى السيدة ايريس بونيت في الأوساط الأكاديمية ” السيدة السويسرية التي غزت جامعة هارفارد ” . سئلت ذات يوم عندما كانت طفلة : ” بماذا تحلمين؟ ” فأجابت : عندما أكبر أريد أن أصير معلمة . لعب القدر لعبته وصارت معلمة . حلمت أن تنضم إلى جامعة هارفارد وهذا ما حصل عام 2006 . تخصصت في العلوم الاقتصادية وتحديدا في المساواة الجندرية بين الجنسين في موقع العمل وأطلقت كتابا جميلا بعنوان ” ما الذي يفعل فعله ” تحدثت فيه عن الاقتصاد السلوكي وتأثيره على سلوك الفرد في المنزل والمؤسسات العامة والخاصة وتطرقت إلى المساواة الجنسية بين الرجال والنساء من حيث التصميم البيولوجي وعندما سئلت في عام 2010 عن نجاحها قالت :” أشعر أنني محظوظة لأنني أساهم في تحقيق المساواة الجندرية في الاقتصاد ولا أنوي التوقف عند هذا الحد أريد أن أرى فرصا متساوية للجنسين تحدث يوميا بشكل اعتيادي . ” تسعى السيدة ايريس بونيت لتأسيس مناسبة سنوية في هارفارد للترويج للمساواة الجندرية ونشر أفكارها عبر العالم من خلال الندوات واللقاءات والمؤتمرات .
وعندما سألها شخص عن سر نجاحها أجابت : ” أنا استحضر الإلهام من كل شخص أقابله في حياتي .” هذه إجابة متواضعة من عالمة تجتاح أمواج أفكارها المتلاحقة دول العالم .
وقد بدأت بتطبيق مبادئ الاقتصاد السلوكي وتحلل ما تصادفه من تحديات في المجتمع وبيئات إدارة المال والأعمال مثل عمليات اتخاذ القرار وصنع القرار والتفاوض والمساومات والتطوير والمساواة الجندرية وتركز في كتبها على العلوم السلوكية والتميز بين الجنسين كما تقدم حلولا واضحة للتغلب على التمييز الصف الدراسي وفي المؤسسات وفي الترقية والتوظيف وعالم المال والأعمال والحكومات والمجتمع. لقد تألقت ايزيس بونيت بتجربتها وعملت في الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والبرازيل والصين وتركيا وعمان وفي العديد من دول الشرق الأوسط الأخرى .
تيم هارفورد:

يكتب تيم هارفورد في مجلة «فاينانشيال تايمز» في عمود بعنوان “عزيزي رجل الاقتصاد” يتطرق فيه لأحدث النظريات الاقتصادية ويجيب من خلاله على أسئلة القراء بأسلوب بسيط ومرح. ويعمل أيضًا في البنك الدولي الذي يترأس فيه فريق كتابة الخطابات لرئيس الاقتصاديين بالمؤسسة المالية الدولية. وكان يعمل في السابق في كتابة المقالات الافتتاحية بصحيفة “فاينانشيال تايمز” وعمل من قبل خبيرًا اقتصاديًّا في شركة بترول كبرى ومدرسًا لمادة الاقتصاد بجامعة أكسفورد. ويعيش الآن في واشنطن العاصمة.
يعتبر العالم الاقتصادي تيم هارفورد أحد علماء الاقتصاد السلوكي النابغين حيث ألف كتابا جميلا بعنوان ” هكذا تعمل الأشياء ” ترجم إلى العربية تحت عنوان “المخبر الاقتصادي ” يمكن القارئ أن يأخذ من هذا الكتاب الشيق مرشدا إلى علم الاقتصاد أو أن يأخذ منه مخبرا يكشف المبادئ الاقتصادية الكامنة وراء أحداث كل يوم والتي يميط عنها اللثام بدءا من زحام المرور وحتى أسعار القهوة الباهظة.
“المخبر الاقتصادي” كتاب موجه لكل من يتساءل عن الباعث وراء ضخامة الهوة بين الأمم الغنية والأخرى الفقيرة أو عن السبب الذي قد تبدو من أجله غير قادر على إيجاد سيارة مستعمله صالحة أو عن كيفية منافسة سلسلة مقاهي عملاقة مثل مقاهي ستارباكس. يعرض هذا الكتاب الحقيقة الخفية وراء كل هذه الأسئلة وأكثر. إنه تيم هارفورد عالم الاقتصاد الذي صال وجال في كل من أفريقيا وآسيا وأوروبا ليعود أدراجه ويسلط الضوء على الكيفية التي تفرغ بها كل من متاجر السوبر ماركت، وشركات الطيران، وسلاسل المقاهي النقود من جيوبنا. خرق هارفورد الأساطير التي تجثو فوق أكبر خلافاتنا، والتي من ضمنها التكلفة الباهظة للرعاية الصحية؛ إذ أفشى بالباعث الذي من أجله ترسم قوانين حماية البيئة الابتسامة على وجه مُلاك العقارات؛ وأبرز للعيان ما قد ينطوي عليه جني بعض الصناعات للأرباح العالية من أسباب بريئة، في حين تأبى الأرباح العالية التي تحققها صناعات أخرى إلا أن تكون نتاج المؤامرات الآثمة. يحصي لنا هارفورد نسق من المفاهيم الاقتصادية التي تشمل الموارد النادرة، وقوة السوق، والفعالية، والابتزاز بالسعر وانهيار الأسواق والمعلومات الداخلية ونظرية الألعاب ويسلط الضوء على حقيقة تحكم تلك القوى في حياتنا اليومية على غفلة منا في أغلب الأحيان.
ركزت إنجازات تيم هارفورد في الغالب على جعل الاقتصاديات السلوكية في متناول جمهور أوسع وقد تمكن ، كونه مؤلفًا وكاتبًا ومذيعًا غزير الإنتاج ، من مساعدة الناس على فهم مبادئ الاقتصاد السلوكي وتحسين نتائجهم الاقتصادية وحياتهم من خلال تقديم تفسيرات واضحة بشكل استثنائي وأمثلة يومية عن كيفية عمل هذه “الآليات”.

دراج كارانوفيتش

يركز دراج كارانوفيتش على العمل على إجراء تغييرات على مستوى الشركة مع تحقيق الإنتاجية التشغيلية القصوى هدفها الرئيسي يوظف اكتشافاته حول الاقتصاد السلوكي للتعرف على الشركات والموظفين والمستهلكين احتياجات وثم يستخدم الموارد الموجودة ويدخل تغييرات إستراتيجية في خطوات صغيرة لتشجيع التنمية. كانت الابتكارات التي قدمها في مجالات تتراوح من التحولات الرقمية في الذكاء الصناعي والتكنولوجيا القائمة في الشركات والمؤسسات .

يوري كنيزي

ألقى يور كنيزي الضوء على عدد من القضايا مثل الحوافز والظروف التي يعمل في ظلها الناس والقدرة التنافسية للشركات وتأثير الخداع عليها وتأثير الفروق بين الجنسين على التنافسية والسلوك الاقتصادي الآخر والتسعير السلوكي. يشتهر بخلق تجارب توضح المبادئ الأساسية للطريقة التي يؤثر بها علم النفس في السلوك الاقتصادي لقد نجح يوري كنيزي في مجال ريادة الأعمال مع شركته الاستشارية في مجال الأعمال التي تستخدم الأفكار الاقتصادية السلوكية في الأعمال التجارية.
كاتلين فوس

تشتهر كاثلين فوس بإنجازاتها في مجال التمويل السلوكي والاقتصاد السلوكي وإسهاماتها الكبيرة في مجال علم نفس المستهلك . إن أعمالها حول آثار الخيارات على سلوكنا وعلم نفس المال والمبادئ الاقتصادية للعلاقات بين الجنسين والأنماط السلوكية مثل الإنفاق المتسرع ليست سوى جزء مما حققته في هذا المجال.
سوندل مولايناثان :

توجه اهتمامه إلى موضوعات مثل التمييز العنصري والحكومة وفساد الشركات وحوكمة الشركات وأسواق العمل وسياسة الطاقة من وجهة نظر الاقتصاد السلوكي. كما درس العلاقة المتبادلة بين الفقر والعوامل النفسية . و أظهر أن الضغوط المرتبطة بانعدام الأمن المالي تؤثر على الوظيفة الإدراكية وأن إعطاء العمال مزيدًا من التحكم في عملهم يزيد من الإنتاجية والرضا. في عام 2017 ، أنتج تحليلًا متعمقًا لنقاط القوة والمخاطر المتعلقة بدمج تكنولوجيا التعلم الآلي في الاقتصاد السلوكي.
نافا أشرف:

تطبق نافا أشرف رؤيتها في الاقتصاد السلوكي على مشاكل التنمية الدولية في بلدان العالم النامي مثل كينيا وزامبيا وجنوب إفريقيا والفلبين والسلفادور والمشاكل الأسرية. المواضيع الرئيسية التي يمكن مصادفتها في بحوثها الاقتصادية هي كيف يلعب الجندر( جنس الإنسان) دورًا في المدخرات في المجتمعات التقليدية وكيف ترتبط مساهمة الزوجين في دخل الأسرة و أي من الزوجين يتحكم في الادخار والإنفاق أكثر وكيف يمكن تحسين المدخرات عن طريق تقديم أسعار الفائدة على أساس الحسم الزائد وغيرها.
جورج لوفنشتاين :

تعد نظرية الاختيار بين الزمن محور التركيز الرئيسي لأبحاث جورج لوينشتاين . وللنظرية تطبيق واسع وعملي للغاية وتؤثر على عملية صنع القرار لدينا أو ما نحن على استعداد للقيام به في مجالات مختلفة من حياتنا فيما يتعلق بالسلوك الاقتصادي مثل مقدار المال والوقت الذي نقرر تخصيصه لدينا الادخار والتعليم والقرارات ذات الصلة بالصحة التي نتخذها مثل التغذية وممارسة الرعاية الصحية. يؤكد لوفينشتاين في عمله على جزء آخر من عملية صنع القرار و هو الحالة العاطفية للشخص وكيف تؤثر على خياراته.
جورج أكيرلوف

تمحورت أعمال جورج أكيرلوف المبكرة على إثبات أن إحدى الصعوبات المحددة للنظرية الاقتصادية السائدة والتي تسمى تناظر المعلومات (والتي تفترض أن طرفي الصفقة يشتركان في نفس المعلومات) يجب التخلي عنها واقتراح مقاربة أكثر واقعية. لقد أظهر أنه يمكن الحصول على رؤية اقتصادية أفضل من خلال مبدأ المعلومات غير المتماثلة و يوضح ببساطة أن التباين الهائل في المعلومات بين البائعين والمشترين يخلق مجموعة سلبية من المنتجات والخدمات. توج عمل أكيرلوف بالفوز بالمشاركة في جائزة نوبل التذكارية للعلوم الاقتصادية لعام 2001 عن نتائجه الرائدة. ألف جورج أكيرلوف حوالي 18 كتابا ونشر حوالي مائة مقاله في مجال الاقتصاد السلوكي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى