إقتصادفي الواجهة

الإستقلال الغذائي اهم أنواع الاستقلال

 
الطاهر المعز
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، يوم 14 أيار/مايو 2022، إنه يشعر “بقلق عميق بشأن نقص الغذاء الذي يهدد بانتشار الجوع في أنحاء مختلفة من العالم، بسبب الحرب في أوكرانيا والوضع المأساوي الذي نتج عنها”، وقبل هذا التّصريح بيومٍ واحدٍ، يوم الجمعة 13 أيار/مايو 2022، انطلق، في مدينة “شتوتغارت” الألمانية اجتماع لوزراء الزراعة في مجموعة دول السبع (كانوا ثمانية قبل إقصاء روسيا)، بعنوان “”تأمين الأمن الغذائي العالمي في أوقات الأزمات”، بمشاركة منظمات الأمم المتحدة، ومنها منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمي، واستمرّ الإجتماع ثلاثة أيام “لبحث تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا وتأثيره الأوسع على أسعار الغذاء والطاقة”،
وأخبر شو دونيو، مدير عام منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) الوزراء المجتمعين بأن أهم التهديدات تنبع من الصراع، والأثر الإنساني المرتبط به، إلى جانب الأزمات المتداخلة المتعددة.
وأضاف: “تمثل الأزمة تحديا للأمن الغذائي بالنسبة للعديد من البلدان، وخاصة بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل التي تعتمد على استيراد الغذاء.”
قَدَّرَ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية الصادر في الرابع من أيار/مايو 2022، عدد من عانوا من انعدام الأمن الغذائي الحادّ سنة 2021، في 53 دولة فقط، بحوالي 193 مليون شخص، ما يمثل زيادة بنحو أربعين مليون شخص مقارنة بأرقام سنة 2020، ما يُهَدّد الأمن الغذائي للفُقراء، حتى قبل الحرب في أوكرانيا، وقبل الإرتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، خاصة القمح والذّرّة والبذور الزيتية، كعباد الشمس، وعلف الحيوانات والطاقة، لأن أوكرانيا وروسيا من أهم مُصدِّرِي الحبوب، وخصوصًا القمح، ويُرَجِّحُ مدير منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن تظل الأسعارُ مرتفعةً حتى نهاية سنة 2022، وتأثَّرت دول فقيرة كثيرة من ارتفاع الأسعار، منها بلدان شرقي إفريقيا ومصر وكذلك الغونغو ونامبيبيا والكاميرون وغانا وساحل العاج ، في قارة إفريقيا، كما تأثرت البلدان التي تعتمد على الأسمدة الروسية، مثل البرازيل والأرجنتين وبنغلاديش.
قبل الحرب، ومنذ الربع الأول لسنة 2021، ارتفعت أسعار البُذُور والأسمدة وعلف الحيوانات، وفي منتصف سنة 2021، أظْهَرَ مُؤَشِّر منظمة الأغذية والزراعة ارتفاعات كبيرة ومتتالية في أسعار السلع الغذائية الأساسية (الحبوب والسُّكّر والزيوت النباتية واللحوم ومنتجات الألبان)، فضلاً عن أسعار الخضار والفواكه، وصدر تقرير عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يوم الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أفاد بارتفاع فاتورة الواردات الغذائية العالمية بنسبة 14% سنة 2021 بالمقارنة مع سنة 2020، لتصل إلى قرابة 1,8 تريليون دولار، مما يمثل تحديات كبيرة للبلدان الفقيرة التي ارتفعت قيمة وارداتها الغذائية بنسبة 20% سنة 2021، مقارنة بسنة 2020، وشملت زيادة أسعار الإستهلاك جميع السلع الغذائية، سواء المُستورَدَة أو المُنْتَجَة مَحَلِّيًّا، ووجب التنويه أن الفُقراء في العالم، وخصوصًا سُكّان بلاد “الجنوب”، ينفقون حوالي 53% من دخلهم على الغذاء، مقارنة بحوالي 30% في الدّول الغَنِيّة، ويعجز الفُقراء عن استهلاك غذاء متوازن، ويحجمون عن استهلاك الفاكهة والخضراوات ومنتجات الألبان واللحوم ومنتجات البحر…
كما أشار تقرير صادر، يوم الرابع من أيار/مايو 2022، عن الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ووكالات حكومية ومنظمات غير حكومية )، إلى أن انعدام الأمن الغذائي ارتفع بشكل غير مسبوق، سنة 2021، خاصة في مَدَغشقر والحبشة والسودان واليمن وسوريا…
كان ارتفاع الأسعار والوضع الغذائي سيئًا، خاصة بالنسبة للفُقراء، قبل الحرب، وبعد ثلاثة أسابيع على انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية، تصاعدت أزمة الغذاء العالمية بعد فرض بعض الدول الكبرى والمنتجة قيوداً على تصدير المواد الغذائية، حيث استغلّت الشركات الكُبْرى الوَضْع، كما استغلّت انتشار فيروس “كوفيد 19” وكل الأزمات، لاحتكار السلع الغذائية وغيرها، ورفع الأسعار بصورة لا تتماشى مع تكلفة الإنتاج…
تشير إحصاءات برنامج الغذاء العالمي إلى أنّ روسيا وأوكرانيا تُنتج حوالي ثُلُثَ قمح العالم، وكمية كبيرة من الذرة و80% من زيت دوار الشمس، و 20% من الإمدادات العالمية من الشعير و4% من الذرة، وتحتل روسيا المرتبة الأُولى عالميًّا في تصدير القمح، وتحتل أوكرانيا المرتبة الخامسة (بعد روسيا والولايات المتحدة وكندا وفرنسا)، بحسب بيانات سنة 2021، وصدّرت روسيا وأوكرانيا 86% من إنتاجهما من القمح سنة 2020، وفق الأمم المتحدة، وقد ترتفع أسعار القمح بنسبة 40% إذا ما استَمَرَّ إغلاق موانئ التّصْدِير في أوكرانيا، واضطراب موسم الزراعة، فضلا عن الحصار المفروض على روسيا التي تُعدّ من أكبر مصدّري الأسمدة منخفضة التكلفة، إلى جانب بيلاروسيا التي تُنتج نحو 20% من الإنتاج العالمي من “البوتاس”، ولا توجد أي دولة أخرى قادرة على منافسة صادرات روسيا من الأسمدة، بحسب مجموعة “غرين ماركتس” التجارية…
تُقدّر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن ارتفاع أسعار الأغذية والأعلاف والأسمدة الأسمدة بمستواه الحالي، يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج على المزارعين وإلى المزيد من التضخم في أسعار الغذاء، بنسبة قد تتجاوز 20% كمُتوسّط عالمي، وإلى مزيد من حالات سوء التغذية في الدول الفقيرة…
في الوطن العربي، يعتمد المغرب وتونس والجزائر والسودان ومصر على القمح الروسي والأوكراني، وأدّت الحرب إلى عرقلة الإمدادات وارتفاع أسعار القمح، خاصة في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسّط، وهو ما عَبّر عنه تصريح المدير العام لبرنامج الغذاء العالمي، يوم 14 آذار/مارس 2022 : ” يمكن أن تزيد الحربُ أزمة الغذاء العالمية إلى مستويات لم يسبق لها مثيل من قبل، إذ يبلغ إجمالي إنتاج البلدين وحدهما حوالي 15% من إنتاج القمح العالمي، وما يزيد عن 30% من الصادرات العالمية، ويمثل البلدان 80% من الإنتاج العالمي لزيت عباد الشمس وأوكرانيا هي رابع أكبر مصدر للذرة في العالم… ( وقد يُؤَدِّي ) استمرار القتال إلى توقف الصّادرات من موانئ البحر الأسود، وما لذلك من عواقب وخيمة على الأمن الغذائي للعديد من شُعُوب العالم…” وفي مُقَدِّمتها شعوب البلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط، ولا سيما مصر وتونس والجزائر، فالبلدان المغاربية تعتمد بشكل كبير على القمح الأوكراني”. ، ونُشير أن بلدان المغرب العربي تعاني من الجفاف الشديد، وتُعاني الحكومات من صعوبات مالية، في ظل ارتفاع سعر طن القمح إلى حوالي 460 دولارا، وهو مستوى تاريخي، مقارنة بحوالي 160 دولارا خلال الربع الثاني من سنة 2020.
في تونس ارتفعت نسبة التضخم إلى حوالي 6,5% ويعاني المواطنون من أزمة اقتصادية حادّة، ومن نقص “السّميد” والطّحين (الدّقيق)، ما يضطر المواطنين إلى شرائها من السوق الموازية بأسعار مرتفعة، وقد يكون اختفاء بعض السّلع مُقدّمة لإلغاء الدّعم الحكومي، وفق شُرُوط صندوق النّقد الدّولي، وفي مصر، أدى ارتفاع أسعار القمح إلى ارتفاع سعر الخُبز، وفي الجزائر (التي استفادت من ارتفاع سعر النفط)، حظرت الحكومة تصدير السميد والمكرونة وغيرها من مشتقات القمح…
تُعاني بُلدان أخرى من ارتفاع القمح، مثل إندونيسيا ثاني أكبر مشتر للقمح الأوكراني في العالم، وكذلك باكستان وتركيا ودول آسيا الوسطى وأفريقيا جنوب الصحراء ، حيث انخفَضَ مخزون الحبوب في مالي وبوركينا فاسو والسنغال، حيث يُعاني ما لا يقل عن 160 ألف شخص من انعدام الأمن الغذائي، في بعض دول غرب إفريقيا، حيث يتخوّف الدّائنون، ومنهم البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي من “أعمال الشغب بسبب الجوع”، بحسب موقع البنك العالمي، يوم 25 آذار/مارس 2022، وبعد خمسة أسابيع، نشر موقع الأمم المتحدة في الثاني شهر أيار/مايو 2022 تقريرًا عن أزمة الغذاء، أشارَ إلى استمرار ارتفاع عدد الأشخاص الذي يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة، وفق التقرير السنوي للشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ووكالات حكومية ومنظمات “غير حكومية” ) الذي اعتبر “الإتجاهات الحالية لانعدام الأمن الغذائي مُقْلِقَة، لأنها تزيد من الفقر وعدم المُساواة…”، فقد تضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون أزمة غذائية حادّة، بين سنتَيْ 2016 و2021…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى