أمن وإستراتيجية

الإستراتيجية الروسية وأسلحة الليزر

جورج حداد*
ان المتتبع للنشاط الروسي على “الجبهة العسكرية”، وإعلان العقيدة العسكرية الجديدة، وبرنامج تطوير وتحديث الجيش، وتصريحات كبار المسؤولين الروس المتعلقة بالشؤون العسكرية، وفي مقدمتهم الرئيس بوتين، والكشف المجتزأ عن بعض منجزات الصناعة الحربية الروسية، والسلوك الدبلوماسي الرصين لروسيا في الازمات التي تنشب هنا وهناك، وعدم الانجرار الى الاستفزازات الموجهة اليها بالذات، كما جرى في أوكرانيا خاصة، وكما هو الحال بالنسبة لاصرار اميركا على نشر الدرع الصاروخية الموجهة ضد روسيا في أوروبا، ـ نقول ان المتتبع لهذا النشاط يستطيع التوصل الى استنتاجات رئيسية أهمها:
ـ1ـ في حال نشوب نزاع شامل مع العدو المفترض: اميركا والناتو، فإن القيادة السياسية والعسكرية الروسية، ومعها كل الشعب الروسي، مصممة بحزم على عدم تكرار الخطأ المميت الذي ارتكبته قيادة الخائن الأكبر ستالين، في الحرب العالمية الثانية، وانتظار تلقي الضربة الأولى من العدو. فالضربة الأولى ستكون حتما من قبل روسيا، وستكون ضربة ساحقة ـ ماحقة.
ـ2ـ ان روسيا هي مصممة على ان يكون المحور الاساسي لستراتجيتها كلها هو السلاح النووي. وهذا يعني ان الضربة الأولى ستكون صاروخية ـ نووية. ويعني ان كل بلد توجد فيه قاعدة عسكرية أميركية او ناتوية هو مهدد بأن يمحى تماما عن الخريطة.
ـ3ـ بالنظر الى الصواريخ (ارض ـ ارض) الباليستيكية النووية الهائلة التي عرضها الجيش الروسي في الساحة الحمراء في ذكرى النصر في 9 أيار الماضي، والقلاع الطائرة الستراتيجية حاملة الصواريخ النووية التي تتزود بالوقود في الجو وتطير بشكل متواصل عشرات الاف الكيلومترات حول الكرة الأرضية، وما اعلن عن الصواريخ المجنحة (التي تحملها الطائرات الحربية او السفن او الغواصات) والتي تطير بمسارات متعرجة وتف وتدور حول حقول الذبذبات الرادارية للعدو كي تكتشف الثغرات وتخترقها وتصل الى أهدافها وتضربها بدون ان يتمكن العدو من اكتشافها، وما اعلن عن المناورات الناجحة للغواصات الحديثة التي وضعت في الخدمة الفعلية والتي تسير بالطاقة النووية، والتي كيـّـفت لتحمل الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة والطوربيدات، النووية كلها، والتي تسير بدون احداث ضجة، ويمكنها ان تربض في جميع البحار والمحيطات وان تستمر في المناوبة لاشهر، ـ من خلال هذا كله وغيره يمكن القول ان القوات المسلحة الروسية قد “بكـّلت” الطوق تماما حول الكرة الأرضية كلها لتوجيه الضربة الأولى الشاملة، او لتوجيه الضربة المحدودة في أي مكان كان، وفي اللحظة التي تقرر فيها القيادة الروسية توجيه أي ضربة.
ـ4ـ أعلنت روسيا، وبلسان الرئيس بوتين بنفسه، انها مع تصميمها على توجيه الضربة الأولى، فإنها في الوقت ذاته حريصة عللى ان لا تكون هي المعتدية. وقد ظهر ذلك بوضوح في النزاعات الإقليمية التي اشعلتها الكتلة الغربية في العشرين او الثلاثين سنة الماضية، والتي حاولت فيها القاء المسؤولية على روسيا. وقد بلغت الديماغوجيا الغربية حدا لا يوصف من الوقاحة والعهر السياسي، الى درجة ان تمويل وتسليح وتشجيع الانقلاب الفاشستي في أوكرانيا وعصابات “الجيش الإسلامي(!!!) الإرهابي العالمي” في سوريا والعراق، وضع في خانة “الدمقراطية”، ولكن قيام روسيا بارسال مياه الشرب وحليب الأطفال والأدوية الى المهجرين البائسين في شرق وجنوب أوكرانيا، واستخدام الفيتو في مجلس الامن لصالح الحل السلمي للازمة السورية، اعتبر “عدوانا” و”تدخلا عسكريا”. ولكن فضح السياسة العدوانية للكتلة الغربية في النزاعات الإقليمية هي شيء، وتوجيه الضربة النووية الأولى لهذه الكتلة مع الاثبات بأن روسيا ليست هي المعتدية هو شيء آخر تماما واكثر تعقيدا بكثير.
وقد حلت روسيا هذه العقدة التقنية ـ السياسية ـ العسكرية عبر ما صار يسمى في أجهزة الاعلام الغربية “التجسس على النوايا”. فتحت هذا العنوان سمحت الولايات المتحدة الأميركية لنفسها بالتجسس على اقرب اصدقائها، كألمانيا وفرنسا وبريطانيا والسعودية، بما في ذلك رؤساء هذه الدول. وهذا ما فضحه تماما عميل المخابرات الأميركية السابق ادوارد سنودن وموقع ويكيليكس الالكتروني.
ولكن روسيا التي تريد اثبات عدم عدوانيتها، حتى ضد أحط اعدائها التقليديين والتاريخيين، لم يكن من المنطقي، ولم تكن لتسمح لنفسها بأن تنحط الى هذا الدرك اللااخلاقي الذي تمتاز به الامبريالية والصهيونية. وهي في كل حال لا تحتاج وليس هناك ما تجسس عليه لدى اصدقائها.
الا ان العلماء والصناعيين الحربيين والستراتيجيين العسكريين، الروس، استطاعوا ان يحلوا عقدة توجيه الضربة النووية الأولى للكتلة الغربية وحلفائها، مع اثبات لاعدوانية روسيا، وانها توجه الضربة الأولى من موقع الدفاع المشروع عن النفس.
وقد حلت روسيا هذه العقدة عن طريق ما سمي في وسائل الاعلام الغربية المتخصصة (SSS) او “single space system” (النظام الفضائي المفرد او الموحد). وانطلقت فكرة هذا النظام من النظام المسمى (SPRN) وهو نظام للإنذار المبكر عن الهجمات الصاروخية واطلاق الصواريخ التجريبية في المحيطات العالمية، وفي أراضي مختلف البلدان، التي تقوم بالتجارب. وهو نظام اوتوماتيكي عالي الدقة للتحذير من انطلاق الصواريخ الباليستية، وتحديد الدولة المعتدية، وهدف الهجوم، ومدة طيران الصاروخ والمدى المحتمل للتفجير النووي. وهذه المعلومات، التي تبلغ فورا للقيادة الروسية وقيادة القوات المسلحة، ينبغي ان تكون كافية لاتخاذ القرارات المتناسبة مع الوضع الناشئ. وقد تم تطوير نظام (SPRN) ليشمل كل جسم طائر (صاروخ، صاروخ مضاد، هيليكوبتر، طائرة، قمر اصطناعي، مكوك فضائي، الخ) وكل موجة رادارية وذبذبة كهرمغناطيسية، في الجو الأرضي والفضاء الكوني المحيط بالأرض، وفك ومعرفة رموزها وشيفرتها وحيثياتها ومواصفاتها وأهدافها وابلاغها فورا الى القيادة العليا وقيادة الأركان الروسية. واتخذ النظام الجديد المطور اسم (SSS).
وفي أوائل هذا العام عقد وزير الدفاع سيرغيي شويغو مؤتمرا صحفيا مفتوحا في وزارة الدفاع تحدث فيه عن انشاء البنية التحتية الأرضية وقمر اصطناعي فضائي خاص لنظام (SSS)، وان العمل لانشاء النظام بدأ سنة 2011، وانه الان قيد الخدمة، ويجري العمل لتطويره باستمرار.
ويستنتج من ذلك ان المنظومة الدفاعية ـ الهجومية الروسية أصبحت قادرة على كشف أي جسم طائر موجه ضد روسيا، وتحديد الجهة المعتدية، وضرب الجسم المعين قبل ان يصل الى الحدود الروسية، وضرب الجهة المعتدية التي ارسلته، قبل انن ترف جفون قادتها.
وهذه هي الترجمة العملية لان تكون الضربة الأولى لروسيا، دون ان تكون هي ذاتها المعتدية.
ـ5ـ بدون التخلي ابدا عن الخيار النووي وستراتيجية الضربة الأولى النووية، ولكن من اجل تجنب الحرب النووية والتلويث الكارثي للبيئة، وفي الوقت ذاته من اجل تعزيز القدرات الدفاعية ـ الهجومية لروسيا، وقدرتها على ردع الدول المعادية، الأكثر غنى والأكثر عددا سكانيا، تعمل الأوساط العلمية ـ الصناعية ـ العسكرية الروسية على أتمتة جميع النشاطات الحربية، على طريقة الطائرات بلا طيار والروبوتات. وعن ططريق هذا النهج تهدف الدولة الروسية: أولا ـ الى بلبلة الستراتيجية وخطط التسلح والصناعة الحربية للكتلة الغربية وخصوصا اميركا. وثانيا ـ الاستفادة من القاعدة العلمية العريقة والقاعدة التصنيعية الواسعة، لروسيا، من اجل تطوير الاقتصاد الروسي وتحقيق مورد مالي ثابت وضخم، عن طريق بيع الأسلحة المتطورة والمبتكرات العسكرية للدول الحليفة والصديقة والدول ذات النزعة الاستقلالية الراغبة في التخلص من الاحتكار الغربي للأسلحة المتطورة.
ـ6ـ وضمن هذا النهج تمت مؤخرا صناعة الدبابة نصف الروبوتية المسماة ARMATA القادرة على مواصلة الحركة والقتال حتى وهي مصابة، والقابلة للتحول الى روبوتية كاملة بعد انجاز الروبوت الذي يقودها بدلا عن الطاقم البشري الخاص بها. وهي ذات برج مهجور، وقد خفض طاقمها البشري الى ثلاثة مقاتلين مموضعين في كبسولة مفصولة عن الوقود والذخائر ومحمية من كل الجهات ويقودون الدبابة ويقاتلون بها بواسطة الريموت كونترول، ونشرت الصحف الروسية في الأيام القريبة الماضية ان عدد افراد الطاقم قد خفض أيضا من ثلاثة مقاتلين الى اثنين فقط. وشاركت دبابة ARMATA في العرض العسكري في ذكرىيوم النصر في 9 أيار الماضي. وأعربت الصين والهند عن رغبتهم في شراء كميات من هذه الدبابة، مع ان ثمنها غاليا. وصرح المراجع الروسية ان الإنتاج السلسلي لدبابة ARMATA قد بدأ، وانه سيتم النظر في طلبيات الصين والهند بعد استكمال تسليح الجيش الروسي بهذه الدبابة الجديدة.
ـ7ـ وضمن هذا النهج أيضا يشغل مكانة خاصة التوجه نحو تطوير أسلحة الليزر، في النطاقين التكتيكي المحدود والستراتيجي الشامل. وهو سلاح “نظيف” ايكولوجيا، ويتضمن نظريا إمكانية السيطرة العسكرية الكاملة على أي ساحة قتال، في أي بقعة او مساحة أرضية، بما يغني عن استخدام السلاح النووي. ولذا نتوقف بشكل خاص عند موضوع أسلحة الليزر:
نشرت بعض وسائل الاعلام الروسية انه في المعهد الموحد للحرارة شديدة الارتفاع (الليزر، الذرة الخ) التابع لاكاديمية العلوم الروسية قد بدأ العمل على صناعة نوع من “مدفع اشعة للتدمير الشامل”.
وتبدأ سرعة ما نسميه افتراضيا “قذيفة” هذا “المدفع”، من السرعة الأولى في الفضاء الكوني، أي 7 كلم في الثانية. وامام هذه السرعة “الكونية”، فإن جميع السرعات “الأرضية” و”الجوية”، لاي جسم مستهدف (طائرة، صاروخ، دبابة الخ) تصبح في منزلة الصفر. وبالتالي فإن كل أسلحة اميركا والناتو البرية والبحرية والجوية والصاروخية والمضادة للصواريخ تصبح في منزلة الصفر، ولا شيء يحميها من “مدفع الليزر” الروسي. ومتى تم كبس الزر لاطلاق “قذيفة” الليزر ضد أي جسم كان يتناثر الى جزيئات متناهية الصغر في اقل من ثانية وقبل ان يكون الرامي قد رفع اصبعه عن زر الرماية.
ان العالم اليوناني ارخميدس (287 ق.م ـ 212 ق.م) هو اول من استخدم الاشعة كسلاح، فاستعمل المرايا لتكثيف وتوجيه اشعة الشمس، واحرق السفن الرومانية التي كانت تهاجم سرقوسة في صقلية.
“ريلسوترون” سيقلب مفهوم الحرب
ويحمل هذا “المدفع” الروسي اسما أوليا هو “ريلسوترون”. مما يذكـّر بالتسمية الإنكليزية للسلاح السحري “ريلغان” (مسدس الاشعة). ولكن الفارق ان “ريلغان” هو سلاح ابطال الكثير من الألعاب الكومبيوترية ذات المواضيع الخيالية. اما “ريلسوترون” الروسي، فلا علاقة له بالالعاب. بل هو أساس علمي لسلاح (بالمعنى العام لكلمة سلاح) يقوم العلماء الروس على تطويره، وتطويعه وتكييفه وتنويعه لاستخدامات مختلف الجيوش الروسية، أي لاستخدامه في القوات الفضائية والجوية والبحرية والبرية، الثابتة والمتحركة والمشاة، جنبا الى جنب أسلحة المتفجرات التقليدية على أنواعها، والاسلحة الذرية. فيصير هناك قذيفة (او قنبلة) تفجيرية كلاسيكية، وقذيفة (او قنبلة) ذرية، وقذيفة (او قنبلة) أشعوية. ومن ثم يصير هناك قاذف او حامل او مدفع تفجيري كلاسيكي، وآخر ذري، وثالث اشعوي.
ويطرح بعض العلماء الروس الذين يقومون على تطبيق العقيدة العسكرية الروسية الجديدة ومشروع تطوير وتحديث الجيش الروسي، ـ يطرحون فكرة انه ليس بعيدا اليوم الذي يصبح فيه مقاتلو القوات البرية انفسهم يحملون، عوضا عن البنادق الحالية الكلاسيكية مهما كانت متطورة، بنادق “فضائية” أشعوية.
تعثر الاختبارات الأميركية بسبب الكارتيلات الرأسمالية
ومنذ فترة غير بعيدة نشرت جريدة “لوس انجلوس تايمز” الأميركية ان القوات البحرية الأميركية أجرت على شواطئ كاليفورنيا تجربة لقصف “سفينة ـ هدف” بالليزر، وقد تم تدمير الهدف بنجاح. الا ان الجريدة لم تذكر اية تفاصيل عن هذه التجربة. ولكن من المؤكد ان كتابة حكايات وإخراج افلام خرافية عن أسلحة الليزر هي شيء، وتحويل الليزر الى أسلحة فعلية هو شيء آخر تماما. وكارتيلات صناعة الأسلحة الغربية لا تسمح بالانتقال الى أسلحة الليزر (الايكولوجية)، لانها تقضي على أساس وجودها بالذات، تماما مثلما ان كارتيلات صناعة الادوية الغربية لا تسمح بتحقيق نظام الضمان الصحي المجاني الكامل في الدول الغربية، مما هو متوفر الامكانية المالية لتحقيقه، بل هي على العكس تسعى الى تدمير أنظمة الضمان الصحي والتقاعدي القائمة، وتفليسها و”خصخصتها”.
وتقول وسائل الاعلام الروسية، استنادا الى المراجع العلمية ـ العسكرية المختصة ان مسألة صناعة بندقية (او مدفع) تعمل بالطاقة الالكترومغناطيسية هي مسألة معقدة جدا.
العمل لعسكرة الليزر بدأ منذ المرحلة السوفياتية
وتذكر وسائل الاعلام الروسية ان العمل على أستخدام الليزر للاهداف العسكرية قد بدأ في المرحلة السوفياتية بسرية مطلقة في مختلف ما كان يسمى “مؤسسات الأبحاث العلمية”، و”الوحدات العلمية ـ الإنتاجية”، و”مكاتب التصميم”. وكانت تقف على رأس العمل لاجل الاستخدام العسكري لليزر “الوحدة العلمية الإنتاجية” في موسكو، التي كانت تسمى “أستروفيزيكا” (الفيزياء الفلكية)، والمؤسسة من قبل “مكتب التصميم” السري الذي كان يسمى “لوتش” (الشعاع). وفي حينه أصبحت تلك “الوحدة العلمية الإنتاجية” من اكثر المؤسسات سرية في الاتحاد السوفياتي السابق. وعين مديرا عاما لتصميم منظومات أسلحة الليزر نيقولا ديميترييفيتش اوستينوف ـ ابن القيّم القوي على المجمع الصناعي العسكري، الذي كان منتدبا لهذه المهمة من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، دميتريي فيودوروفيتش اوستينوف، والذي شغل أيضا في حينه منصب وزير الدفاع السوفياتي. وهذا وحده يكفي لتبيان الاهتمام الذي كانت تبديه الحكومة السوفياتية بمسألة سلاح الليزر.
تجارب سوفياتية ناجحة تصدم الاميركيين
وفي نهاية الثمانينات تمت في الاتحاد السوفياتي رمايات ناجحة ببنادق (مدافع) الليزر. وجرت التجارب في ساحات تدريب مختلفة. واكبر تلك الساحات وأكثرها سرية كانت توجد في كازاخستان. ولمدة طويلة حاولت المخابرات الأميركية عبثا ان تعرف ما هي المنظومات التي يجري اختبارها هناك.
وأخيرا استطاع احد الأقمار الاصطناعية التجسسية الأميركية ان يصور بنادق (مدافع) الليزر في كازاخستان. واصيبت واشنطن حينذاك بصدمة. ولم يكن الاميركيون يعرفون لماذا كانت تحدث بشكل دوري انقطاعات في أنظمة التحكم بسير اقمارهم الاصطناعية ذات المهمات العسكرية، وانقطاعات حتى في الاتصال مع رواد الفضاء الموجودين في “مكوكات الفضاء” الاميركية.
مدافع ليزرية ـ كهرمغناطيسية
والواقع ان البنادق (المدافع) الليزرية الروسية لم تكن تعمل فقط ضمن سلم الطيف الضوئي، بل وفي كل نطاق سلسلة مختلف الذبذبات الكهرمغناطيسية. والبنادق (المدافع) التي كانت مركبة على هيكل الدبابة T-80 كان بإمكانها ان تحرق في لحظة جميع بصريات التكنولوجيا المدرعة للعدو في نطاق خط الرؤية المباشر.
وحيال الضجة التي أثيرت في حينه في الغرب، فإن المراجع السوفياتية لزمت الصمت، ولم تؤكد ولم تنف وجود التجارب على السلاح الليزري.
فريق يلتسين يكشف اسرار الامن القومي الروسي
ولكن في عهد الرئيس الروسي الأسبق الموالي للغرب بوريس يلتسين، تحدث احد كبار المسؤولين الحكوميين علنا (لم تذكر وسائل الاعلام حاليا اسمه) عن ان الاتحاد السوفياتي السابق كان عمليا قد حضّر المنصات الخاصة لتركيب منظومات أسلحة الليزر في البر وفي السفن الحربية، وكذلك في المدار الفضائي حول الكرة الأرضية. اما في الولايات المتحدة الأميركية فكانوا يتحدثون عما سمي في عهد ريغان “مبادرة الدفاع الستراتيجي” (SDI) او “حرب النجوم” و”اشعة الموت”، الا انهم عمليا لم يتوصلوا الى أي نجاح ملموس في هذا المضمار.
أعداء الشيوعية خونة للوطن
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي أوقفت جميع الاعمال الخاصة بالأسلحة الاشعوية الجبارة، وأتلفت منصات التجارب في كازاخستان. وتم تفكيك دبابات الليزر ووضع قطعها في صناديق علا الصدأ بعضها.
وتوقف عمليا تمويل الوحدة العلمية الإنتاجية “أستروفيزيكا”.
العلماء الوطنيون يتابعون المسيرة
ولكن منع التفكير العلمي هو غير ممكن. والتكنولوجيا الخاصة بسلاح الليزر بقيت محفوظة. وقد تابع العلماء الوطنيون المتحمسون أعمالهم بدون الإعلان عن نشاطاتهم.
وهكذا نجحت “استروفيزيكا” في استكمال انشاء دبابة الليزر التي بدأ العمل بها قبل انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد تمت تجربتها، والامر الذي بالكاد يصدق انه تم أيضا اعتمادها.
ولم تظهر دبابات الليزر الروسية حتى الان في أي عرض او مناورة عسكرية مكشوفين. ولكنه تظهر من حين الى اخر نتف معلومات في بعض وسائل الاعلام الروسية. ومنها وجود الدبابة الليزرية المدمرة المسماة “Javelin”، وهي تعمي التكنولوجيا المدرعة للعدو، وتعطل تماما قدرتها على اطلاق النار.
كما نشرت رسيمة هندسية علمية عن دبابة ليزر تسمى 1K17 “SJATIE”، وصورة للدبابة ذاتها وهي قيد الاختبار الميداني. ولكن المراجع المختصة ووسائل الاعلام لا تزال تتحفظ في نشر معلومات عامة عما تم التوصل اليه في هذا القطاع.
ومثلما ذكرنا في ما سبق عن المدفع الاشعوي الذي كان يركب على هيكل الدبابة T-80 فإن هذا المدفع هو قادر في اقل من ثانية ان يحرق جميع البصريات لدى العدو في نطاق خط الرؤية المباشر. أي انه لدى الاحتكاك بالتكنولوجيات المدرعة للعدو، فإنه كان بإمكان الدبابات الليزرية السوفياتية ان تعمي تلك التكنولوجيات، وان تجعل قدرتها على التهديف غير ممكنة. واخذا بالاعتبار انه لا يوجد اليوم آليات مجنزرة بدون أنظمة بصرية ـ الكترونية للتحكم باطلاق النار، فإن دبابة ليزر واحدة قادرة على تعطيل حشد من دبابات العدو. وذلك تماما مثل اسطورة الاوديسا. فإن العملاق كيكلوب ذا العين الواحدة، متى فقد عينه لا يعود قادرا على فعل شيء.
العمل لتعميم أسلحة الليزر
وبموازاة الدبابة قام “مكتب التصميم” بوضع تصاميم الانشاءات الميكانيكية الخاصة بصناعة تلك الدبابة.
كما وضعت التصاميم لسلاح ليزري محمول، يمكنه بدون أي طلقات ان يوقف هجوم دبابات العدو، ويعطل جميع مشغـّلات الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، وكذلك ان “يحيّد” القناصين، الذين يشغلون مواقع على خط التماس بين الطرفين المتحاربين.
ويمكن ان يقوم بذلك مقاتلان فقط من الوحدات المجندة لهذا الغرض، عليهما ان ينقلا 50 كيلوغراما من المعدات غير المركبة، وان يركبانها ويديرانها في ساحة المعركة. وجوهر هذا النظام الفريد هو بسيط. شعاع ليزر ضعيف، يشع في مدى تردد غير مرئي، ويمسح ضوئيا القطاع المحتمل الخطر في مقدمة خط الدفاع. وفي اللحظة التي يكتشف فيها هذا الجهاز الخاص بالمسح الضوئي أجهزة بصرية للعدو في القطاع الممسوح، توجه الى تلك الأجهزة ضربة شعاع ليزر قتالي، وهو شعاع قوي يمكنه في اللحظة ذاتها ان يحرق الأدوات البصرية، ويعمي أعين أولئك الأعداء الذين ينظرون من خلال هذه الادوات.
وللتمويه وعدم ذكر الليزر، فإن مخترعي هذا السلاح العجيب اطلقوا عليه بالروسية تسمية (PAPV) وهي الاحرف الأولى من عبارة “جهاز الرؤية المؤتمت المحمول”.
دموع التماسيح الامبريالية
ونشرت وسائل الاعلام الروسية ان الأوساط المعنية الغربية بدأت تقيم مناحة حول “بربرية” و”وحشية” إعماء المحاربين: القناصة ومدفعيي الدبابات، وتطالب بعقد اتفاقيات دولية لتقليص قوة شعاع الليزر الحربي الى درجة يمنع فيها المقاتل في الطرف الاخر من الرؤية ولكنه لا يتسبب له بالعمى، وذلك طبعا لدواع “إنسانية”.
ان العمل لاستخدام الإنجازات العلمية في صناعة أسلحة تصيب مقاتل العدو وتشل حركته وارادته، ولا تنطبق عليها صفة أسلحة الدمار الشامل، ولا تضر بالبيئة، ـ هذا العمل يسير على قدم وساق في روسيا الحالية، وهو سيشمل جميع القوات البرية والبحرية والجوية والفضائية، كما كان مخططا له في المرحلة السوفياتية، واكثر!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى