مجتمع

استفزاز (بعض) الناس قد يقتلك!!

محمود عبد الله

فيه حكاية كده صغيرة حابب أقولهاكم في البداية.. مرة زمان وأنا طفل صغير في إبتدائي حصلي موقف كده علق معايا.. في التمانينات كانت بلدنا مشهورة بإنها بلد “البرتقال” – (مش الرمان زي دلوقتي).. وبالنالي، معظم الناس كان عندهم شجر برتقال (كزراعة بستانية مريحة أكتر من زراعة المحاصيل والحبوب والغلال).. المهم، كانت زرعتنا كلها شجر برتقال (مع القليل من شجر اليوسفي وبعض النخيل).. في يوم شتوي كنا مأجرين ناس علشان تساعدنا في جمع البرتقال.. وفيه أقارب كانوا بيساعدوا برضه من غير مقابل، لا سيما وإن الزرع متجاور وكلنا (زمان في الأيام الجميلة دي) نقف مع بعض ونساعد بعض في موسم الحصاد ده.. كانت لسه فيه بركة في المحصول، وكان المصنع هو إللي بياخد المحصول مننا ومن كل جيرانا بمجرد ما الثمرة تكتمل وتطيب وتبقى صالحة للأكل والعصر.. والمصنع بيريحنا في التعبئة بعد قطع الثمار، فيبعت صناديق مميزة الشكل فاكر شكلها (وشفت زيها بالظبط في إنجلترا بتستخدم لأغراض عدة)..
المهم، من بين الناس إللي كانت شغالة معانا واحد أخرس.. أعتقد إنه عايش لغاية دلوقتي (وبحبه جدا على فكره، علشان طيب وظريف وابن نكتة.. آه ابن نكتة من إشاراته وتعبيراته غير اللفظية إللي بيحكي بيها ويتريق عالناس.. وكل واحد معلمه بإشارة مميزة كده كنا نفهم بيها مين المقصود ونضحك معاه).. المهم، كانوا واخدين راحة وقاعدين في الشمس يشربوا شاي (على الدمسة).. كنت قاعد قصاده وبحك كده في مناخيري (بعفوية من غير ما أقصد أي شيء)، فوجئت بيه بيوقف فجأه وماسك قالب طوب وعاوز يضربني.. حاشه وهداه عمي (وسط استهجان الناس ليا وذهولي الشديد من إللي بيحصل).. واحد من القاعدين قال لوالدى: “حوش ابنك يا عم/فتحي (اسم الشهرة للمرحوم والدي) بيغيظه ويستفزه ويحكله في مناخيره”.. برضه مش فاهم إيه إللي عملته غلط؟!!.. أنا مطلعتلوش لساني ولا أي حاجة.. الفضول كان هيقتلي وعاوز أفهم الموضوع.. لما خلصنا وروحنا، سألت أبويا، قالي إن الأخرس بيفهم حكة المناخير دي غلط وبيتغاظ منها.. وياما حوادث كتير حصلت بسبب الموضوع ده وصلت للقتل(قتل أطفال)!! تخيل إن ممكن الأخرس يقتل من غيظه من الحكاية دي؟!
الموضوع – للأسف – مش قاصر على الأخرس بس.. ده حتى أي بني آدم طبيعي لو حد فضل يدوس أكتر وأكتر عليه (بإنه يدق على الحتة الحساسة إللي بتوجعه) ويفضل يسوق فيها، وكل ما يسكتوله يزيد أكتر (زي العيال الصغيرة) بإلحاح وإصرار غريب، ممكن ده يؤدي برضه إلى نهايات مآساوية زي كده..فيه ناس “مستفزة” بطبعها (بزيادة).. وفي المقابل، فيه ناس ما بتستحملش الكلام ده علطول.. أكيد في يوم هتخرج فيه عن شعورها (في لحظة غضب).. وساعتها “رد فعلها” ما بيبقاش مضمون ولا متوقع!! وما حدش هيلوم عليهم طبعا.. الإنسان (العاقل) بس هو إللي بيراعي إن كل حاجة ليها حدود.. وفيه ناس بتاخد الأمور بحساسية شديدة.. وأي بني آدم (طبيعي) عاقل، ما يتعمدش يستفز إللي قدامه ويبقى قاصد يضايقه في موضوع عارف إنه بيزعله ويؤلمه.. علشان كده بنقول إن فيه حاجة اسمها سلوك (حضاري) ورقي (أخلاقي).. وفي المقابل فيه تخلف أخلاقي (تخلف إنساني) أصعب بمراحل من التخلف العقلي المعروف!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى