أمن وإستراتيجية

استراتيجية الأمن وحماية النظام

 
بشير الوندي
ان من اولويات الاستخبارات حماية الأنظمة , فالانظمة المهددة من عدوان خارجي تكون لاستخباراتها العسكرية دور في اختراق العدو وكشف وافشال مخططاته , ولكن الانظمة غالباً ماتسقط لعوامل داخلية , فالحروب والعوامل الخارجية لم تعد هي الأساس في سقوط الأنظمة , واذا توخينا الدقة فان الانظمة تسقط بعوامل داخلية تسهل اضافة العوامل الخارجية الى اسباب سقوطها .
وبالطبع فاننا نتحدث هنا عن دول العالم الثالث حيث سلطة العشيرة والحزب ونزعات التفرد والدكتاتورية والتمسك بالسلطة , فالأجهزه الاستخبارية تكتسب هويتها من هوية الدولة ونظامها, حيث تترك نوع الأنظمة بصمة في ترسيم شكل الاستخبارات , لكن حديثنا هو كيف تحمي الاستخبارات أنظمه الحكم ومتى تتنبه بالخطر.
اما الأنظمة الغربية , فقد استطاعت أن تنشيء مؤسسات مراقبة ومحاسبة وشفافية تستعين بالاستخبارات لتحاسب النظام باستمرار , والرقابة جعلت من انظمتهم أنظمة تراعي المواطنين بحكم التداول السلمي السلس للسلطة .
ان الانظمة القمعية – لاسيما في العالم الثالث– تقسم المواطنين الى ثلاث اقسام , هم الموالون والمعارضون والقسم الثالث هو القسم غير المهتم , والاخير هو الطبقة الأكبر والاوسع في كل الأنظمة , والصراع بين النظام ومعارضوه في هذه الساحة , والطرفان يسعيان لإقناع تلك الفئة .
فإذا كان النظام يتمتع بمؤسسة إعلامية ومفكرين وكتاب ومثقفين كفوئين وينتهج الشفافية والقدوة ويحترم القيم , فانه يستطيع التأثير على نسبة كبيرة من تلك الفئة التي تبقي نظامه مستمرا وتحجِّم المعارضة وتقلل الاستياء العام.

ان التمكين هو المعادل للسيطرة الاستخبارية التي تقوم بها الدول في المناطق المحتلة او دول الجوار, والفرق ان السيطرة الاستخبارية خارجية , بينما التمكين هو فرض الامن بأسلوب استخباري داخل اراضي الدولة.
فالتمكين هو دور الاستخبارات داخلياً , وهو واجب الاستخبارات أن تجعل الدولة والنظام في مأمن من التهديدات والمخاطر , من خلال تمكن الدولة من تشخيص الخلل والتحديات والأزمات ومستوياتها .
فكما تقوم الاستخبارات العسكرية بملاحظة بناء القوة لدى العدو , فإن الاستخبارات الداخلية يجب أن تلاحظ مستويات المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والاخفاقات.
(انظر مباحث في الاستخبارات , المبحث 41 التمكين , مبحث 30 التحديات , مبحث 31 التهديدات, مبحث 32 ادارة الأزمات ).
وتعتبر الاستخبارات العاملة في هذا المجال , استخبارات استراتيجية عاقلة وذكية ويقضة , تفكر وتخطط وتعمل وتدق جرس الخطر بالوقت والمكان المناسبين وتمتلك آليات للتعاطي مع الازمات.
تأتي أهمية الاستخبارات لأنها عين النظام وتبحث عن التحديات والتهديدات والأزمات ومخططات الإطاحة قبل وقوعها , فالمؤسسة الأمنية تستجيب للفعل ورد الفعل أي أنها تحتاج إلى حدث او خطر ملموس لكي تضع خططها وآلية عملها , اما الاستخبارات فانها تبحث عن الإشارات والنيات والدوافع والارتباطات.
ان هناك مرحلة قد تكون قصيرة او طويلة مابين بروز التحديات إلى الإطاحة بالنظام , وفي تلك المرحلة فان هنالك خط بياني يجب أن تتفهم الاستخبارات دورها وواجبها فيه .
فالأنظمة نوعان : شرعية او دكتاتورية , وفي كلتا الحالتين , هناك اجهزه استخبارية تعمل على حماية النظام والدولة والأرض والشعب وتحمي استمرارية النظام , ومن صميم واجبها أن تنبه عن الاخطار والاخطاء التي تتراكم بسبب اداء الحكومة , والتي اذا لم تتم معالجتها فانها تتحول إلى تحديات تذهب لتكون تهديدا ومن ثم تمرد فعصيان وهيجان , وبعضها يذهب إلى حرب داخلية وانهيار الامن واحيانا إلى انقلابات عسكرية او ثورة شعبية تطيح بالنظام.
ان خطر سقوط النظام هو كخطر العدو الخارجي , وعلى الاستخبارات أن تضع مجساتها وشبكاتها لمنع تفاقم الأزمات ومحاصرتها ودق ناقوس الخطر دوماُ أمام النظام والمؤسسة الحاكمة لتصحيح مساراتها وتعديل قراراتها والاستجابة إلى المطالبات.
وغالبا ما تكون العوامل الاقتصادية والظلم والبطالة والتفرد والفساد والجهل والانحلال والتمسك بالسلطة وإهمال الفرص والتحديات واهمال التأثير والدوافع الخارجية وغيرها , من أهم الدوافع التي تتحول إلى بركان قد ينفجر ليطيح بالسلطة والنظام .
أن احترافية الأجهزة الاستخبارية وكفائتها تقاسان ببقاء النظام والسلطة واستمراريتها , فمثلاُ الكي جي بي او السافاك او استخبارات صدام , كانت اجهزة قوية وعنيفة وصرفت لها أموال وصلاحيات , ولكنها أخفقت في تحسس الخطر وفشلت في حفظ أنظمتها , فهي اجهزة فاشلة.
أن الثورات او نزول الشعب إلى الشارع والأزمات السياسية التي تنتج عنها الانقلابات او التغيير لها ثمانية عوامل اساسية منها مايخص السلطة ومنها مايخص المواطنين , ففي الشق الذي يخص السلطة نرى :
1- ازمة الشرعية.
2- ازمة الكفاءة .
3- ازمة الانسجام في المؤسسة الحاكمة .
4- ضعف المؤسسة الأمنية او القمعية.
اما مايخص الشعب , فهو :
1- حجم الاستياء العام .
2- التنظيم.
3- الفكرة الثورية او الانقلابية.
4- القيادة.
ان الاستخبارات الإستراتيجية تضع جدول المؤشرات الثمانية وتتابع بدقة كافة المحاور , فتتابع زياده او انخفاض الاستياء العام وتبحث عن الأسباب , فكلما زاد الاستياء ارتفع مؤشر الخطر , وعليها أن تذكر السلطة بذلك وتدفع بالمزيد من العمل لتقليص الاستياء.
كما انها تضع التنظيمات الطلابية والشبابية والشعبية وجميع الفعاليات تحت المراقبة , وتشكك دوماً بوجود أصابع الاستخبارات الخارجية.
كما تحاول الاستخبارات التأثير في الشعارات والمطالبات وتحديدها بالإصلاح وخلق توازن بين الشعارات وقابليات استجابة النظام وتقوم ببناء جسور مع القيادات المعارضة والمؤثرين اجتماعياً وسياسياً وتتواصل معهم للتأثير في أدوارهم , لما لتلك القيادات من دور كبير في تحريك الشارع .
كما تضع مؤشراتها على مقياس مشروعية السلطة وتراقب كل ما يضر هذه الشرعية من قيم وشعارات ونظم ومقررات , أي أنها تحصن شرعية النظام, وتراقب كذلك الاداء في هرم السلطة والتقييم الذاتي المستمر , وتراقب اجهزه الرقابة والشفافية للاطمئنان من إنتاج الكفاءة وبناء المؤسسات وتحجيم أي خلل والسهر على تماسك الهيئة الحاكمة ووضوح هوية النظام , كما تراقب الاستخبارات مؤشرات اداء وقابليات المؤسسة الأمنية وحمايتها من الاختراق والنفوذ والتفكك وضعف الاداء .
أن تراجع قابلية المواجهة ووجود الخلل الأمني وتطور ازمة التظاهرات إلى مواجهات ليس في صالح النظام الحاكم, ولذا عليها أن تمتلك مؤسسة أمنية قادرة على الحسم بالأسلوب الأمني الناعم والأسلوب الأمني المرن والأسلوب الأمني الخشن , والاخير خطير وقد يؤدي الى نتائج عكسية , لذا لايكون الا لضرورة قصوى بشكل سريع وحاسم دون إفراط.
من الطبيعي ان تبحث الاستخبارات عن الأيدي الخارجية الداعمة او المضخمة للاستياء العام , او الدعم الخارجي للتنظيم المعارض او التأثير في الفكر الثوري القادم عبر الحدود , او وقوع بعض القادة الجماهيرين او السياسين او قاده المجتمع تحت تأثير أجنبي.
فالعامل الدولي او الأجنبي قد يكون ضمن محاور قوة او ضعف النظام , وأيضا يمكن أن يكون ضمن محاور قوة او ضعف القوى الشعبية المطالبة بالتغيير .
فالعامل الخارجي في العراق مثلاً , هو غالبا لصالح النظام ويدعم مشروعية وبقاء النظام , لكن التدخل السافر للعامل الخارجي حتى في تعيين الشخوص والافاده منهم يفقد النظام عامل الكفاءة ويحول هذا الباب إلى ازمة حقيقية في الكفاءة , فكل من ترضى عنه أمريكا او إيران او السعودية يكون ضمن المنظومة الحاكمة اياً كانت كفائته , وهنا يدخل النظام في دوامه الضياع ويدفع ضريبة قلة الكفاءة , التي يقابلها عدم تكافؤ الفرص .
كما ان العامل الخارجي يؤثر في بناء المعارضة للنظام وقد يدفعها إلى العمل العسكري , لذا تتنبه الاستخبارات وتسعى لابقاء المعارضة ضمن الإطار السياسي دون التوسل بالعنف وانما في التأثير في قيادات المعارضة ومراقبة اموالهم واتصالاتهم.
الاستخبارات اجيرة النظام , سواء كان دكتاتورياً او تداولياً , فهي جرس انذار متقدم تدافع عن النظام ضد العدو الخارجي وتفشل مخططات العدو , وهي في الداخل تراقب المؤشرات التي من شأنها ان تحدد مدى الخطر المحدق بالنظام , فسقوط النظام اياً كانت اسبابه هو فشل استخباري مهما كانت سطوة تلك الاستخبارات , لذا فان سقوط اي نظام يتبعه دوما اقتلاع المنظومة الاستخبارية وابدالها بل وادانتها – وابادة افرادها احياناً- , لان الاجهزة الاستخبارية هي عين النظام ودرعه من السقوط , والله المستعان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى