أحوال عربيةأخبار العالمأمن وإستراتيجية

إيران والولايات المتحدة :إعادة ضبط إقليمي..!

نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص

بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر

للحديث عن العلاقة المتوترة المستمرة بين ايران والولايات المتحدة، يعيد الى الذاكرة تفاصيل التدخلات الأمريكية الواسعة في عهد الشاه السابق.
و لطالما كانت الولايات المتحدة تتآمر على إيران في تلك الفترة بينما الشاه كان يوصف بأنه خاضع لها، و قد ارتكبت بحق الشعب الايراني الكثير من الجرائم حتى قبل أن يتحول البلدان الى خصمين لدودين .
و يمكن إرجاع هذه الجرائم والانتهاكات إلى عام 1953 على الأقل ، عندما أطاح انقلاب برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً محمد مصدق . كان الانقلاب مدبراً ومخططاً له من قبل عناصر المخابرات البريطانية والمخابرات الأمريكية. أطلقت المخابرات البريطانية على العملية اسم عملية التمهيد بينما أطلقت المخابرات الأمريكية عليها اسم مشروع أياكس/أجاكس . اعترفت المخابرات الأمريكية بمسؤوليتها عام 2013.
بعد انقلاب 1953 ، بدأت الولايات المتحدة وإيران مفاوضات حول معاهدة الصداقة بينهما . تم الانتهاء من هذه المعاهدة في عام 1955 ووقعها دوايت أيزنهاور وحسين علاء رئيس الوزراء آنذاك. وحصلت على موافقة مجلس الشيوخ في 11 يوليو 1956 ودخلت حيز التنفيذ في 16 يونيو 1957. تم تسجيل المعاهدة من قبل الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في 20 ديسمبر 1957. النصوص الرسمية باللغة الإنجليزية والفارسية. تم ختمها من قبل المفوضين سيلدين شابين (الولايات المتحدة) ومصطفى سامي (إيران).

{ وفقًا لوثائق وكالة المخابرات المركزية التي رفعت عنها السرية في عام 2017 ، كان حسين علاء عميلًا سريًا لهذه المنظمة على الأقل بين عامي 1951 و 1954. اعتاد على إبلاغ محادثاته الشخصية مع الشاه ، ولقاءاته مع شخصيات سياسية ودينية إلى السفير الأمريكي في إيران آنذاك ، لويي هندرسون. كما لعب بمساعدة السفير الأمريكي دورًا مهمًا في منع رحيل الشاه في مارس 1331 وإمكانية انتهاء النظام الملكي في إيران. كان من أهم الأشخاص الذين أقنعوا الشاه بانقلاب 28 أغسطس ضد حكومة مصدق}.

لكن هذه العلاقات توترت أكثر بعد انتصار الثورة الاسلامية التي قادها الإمام الخميني وأسقطت في العام 1979 شاه إيران المدعوم من الولايات المتحدة بعد أن أصبحت إيران جمهورية إسلامية .
في ذلك العام ، وسط تداعيات الثورة واستمرار التدخلات الأمريكية ، اقتحم “الطلبة السائرون على نهج الإمام الخميني” السفارة الأمريكية في العاصمة طهران ، وتم احتجاز عشرات الأمريكيين كرهائن . ظل الجانبان في صراع أخذ يتصاعد منذ ذلك الحين.

كانت هناك محاولات لإذابة الجليد الدبلوماسي تكللت بالنجاح في عام 2015 خلال إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما. وافقت إيران على صفقة تأريخية للحد من برنامجها النووي ، مما أدى إلى تهدئة المخاوف الدولية المفتعلة . لقد فعلت ايران ذلك مقابل رفع العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضت عليها دون وجه حق بحجة إخفاء برنامجها النووي .

لم يحل ابرام الصفقة النووية دون أن تواصل الولايات المتحدة سياساتها العدائية إذ شكل انتخاب الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في العام التالي تحديًا أكد أن الادارة الأمريكية شيطان أكبر سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية. رفض ترامب الاتفاق النووي و وصفه بأنه “أسوأ صفقة تم التفاوض عليها على الإطلاق”، لكنه استخدم الحديث عنها لابتزاز الحكومات العربية المعارضة لها كالمملكة العربية السعودية .
في عام 2018 ، تخلى ترامب عن الافاق النووي الايراني تمامًا وأعاد فرض العقوبات الأمريكية بدرجة “الضغط الأقصى ” لإجبار قادة إيران على الموافقة على صفقة جديدة وفق شروطه – وهو أمر رفضوه ، وعملوا في الوقت نفسه على منع الاقتصاد الإيراني من الدخول في ركود عميق من خلال تقليل اعتماد الميزانية على واردات النفط ومشتقاته.

صعَّد ترامب الضغط في مايو أيار 2019 من خلال تطبيق عقوبات ثانوية على الدول التي واصلت التعامل مع إيران.
استمرت الخطوات العدائية في أبريل نيسان 2019 ، عندما صنف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس كمنظمات إرهابية أجنبية.
قالت إدارة ترامب إن فيلق القدس قدم التمويل والتدريب والأسلحة والمعدات للجماعات “الإرهابية” المصنفة من قبل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط – بما في ذلك حزب الله وجماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية المتمركزة في غزة.

وتدهورت العلاقات أكثر عندما تعرضت ست ناقلات نفط للتخريب في خليج عمان في مايو ويونيو 2019 في ضوء تصاعد الأزمة في اليمن. واتهمت واشنطن إيران بالوقوف وراء تلك الهجمات. ونفت إيران ذلك.
في يوليو تموز ، بدأت طهران في تعليق بعض الالتزامات التي تعهدت بها بموجب الاتفاق النووي.
ثم ، في أواخر ديسمبر كانون أول من السنة ذاتها ، ألقت الولايات المتحدة باللوم على فصيل عراقي هو كتائب حزب الله في هجوم صاروخي قتل متعاقدًا أمريكيًا في قاعدة كي وان في كركوك بشمال العراق. وقامت واشنطن بقصف قواعد مرتبطة بالحشد الشعبي على الحدود بين العراق وسوريا ، مما أسفر عن استشهاد 25 مقاتلاً على الأقل .
أثارت تلك الاعتداءات الأمريكية رد فعل عنيف في العراق . شهد محيط السفارة الأمريكية في العاصمة بغداد مظاهرات من قبل حشود من المحتجين حاول بعضهم اقتحام الجدار الخارجي وكتبوا عليه شعارات . واتهم ترامب إيران بالتخطيط لهجوم مرتقب على السفارة وحذر من أنها “ستدفع ثمناً باهظاً للغاية”.

في 3 يناير كانون الثاني 2020 ، ارتكب ترامب غلطة عمره باستهداف الجنرال قاسم سليماني ، وأشرف بنفسه على العملية الارهابية الغادرة التي نفذتها طائرة بدون طيار على مطار بغداد . الضربة الجوية الأميركية التي أدت إلى استشهاد سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ، أٌعتبرت تصعيدا خطيراً أقل بقليل من إعلان حرب لكنه قد يمهد لإشعال فتيل حرب مدمرة في المنطقة .
قال الأمين العام لحزب الله لبنان السيد حسن نصر الله بعد يومين ، إن استشهاد القائدين يمثل “بداية مرحلة جديدة” في تاريخ الشرق الأوسط، متوعدا الجيش الأميركي بدفع الثمن.
قال نصر الله في إشارة إلى اليوم الذي نُفذت فيه العملية الغادرة، إنه “تأريخ فاصل بين مرحلتين في المنطقة.. هو بداية مرحلة جديدة وتأريخ جديد ، ليس لإيران أو العراق وحسب وإنما للمنطقة كلها”.

وصف المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني الضربة الجوية الأميركية بـ”الاعتداء الغاشم بما مثّله من خرق سافر للسيادة العراقية وانتهاك للمواثيق الدولية، وقد أدّى الى استشهاد عدد من أبطال معارك الانتصار على الارهابيين الدواعش ” وأكد “أن هذه الوقائع وغيرها تنذر بأن البلد مقبل على أوضاع صعبة جداً “.
واعتبر الأمريكيون الجنرال – الذي كان يسيطر على القوات التي تتهمها واشنطن بالعمل بالوكالة عن إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط – إرهابيًا ، حيث زُعم أنه مسؤول عن مقتل مئات من القوات الأمريكية وكان يخطط لهجمات “وشيكة”.

تعهدت إيران “بالانتقام الشديد” وقالت بعد يومين إنها تخلت عن الحد الأخير لتخصيب اليورانيوم الذي فرضه الاتفاق النووي. ليل السابع / الثامن من نفس الشهر تم قصف قاعدة عين الأسد التي تضمُّ قوات أمريكية وذلك بالتزامنِ مع قصف قاعدة حرير في مدينة أربيل بكردستان العراق. .قال الإمام السيد علي خامنئي إنها مجرد صفعة [في عين الأسد]،لكن هكذا أعمال عسكريّة لن تكون كافية، ما يهمّ هو أنّه يجب إنهاء التواجد الأمريكي المسبّب للفساد في هذه المنطقة. في غضون ذلك ، حذر ترامب من أن الولايات المتحدة سترد في حالة الانتقام “ربما بطريقة غير متناسبة”.

يمكن القول إن الشهيد قاسم سليماني كان أقوى شخصية في الجمهورية الإسلامية بعد القائد الأعلى السيد علي خامنئي .
بصفته قائد فيلق القدس ، كان سليماني العقل المدبر لأنشطة المقاومة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم حتى أنه تأثيره وصل الى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة في البحر الكاريبي ، وقد وصفه الكثيرون بأنه كان وزير خارجيتها الحقيقي عندما يتعلق الأمر بمسائل الحرب والسلام.

كان سليماني يُعتبر على نطاق واسع مهندس صمود الرئيس سوريا أمام حرب الإرهاب العالمية ، وسقوط دولة داعش الارهابية في العراق ، والقتال ضد التكفيريين ، والعديد من المعارك الأخرى في اليمن وفلسطين وفي لبنان وأفغانستان وفي فنزويلا .

وباعتراف الأمريكيين أنفسهم ، يمثل اغتيال القائدين قاسم سليماني و أبو مهدي المهندس ، تصعيدًا خطيراً في الصراع المنخفض المستوى بين الولايات المتحدة وإيران وعموم محور المقاومة والذي ستكون عواقبه كبيرة.

الانتقام أمر حتمي لأنه جزء من الوفاء خاصة بالنسبة لمحور المقاومة. أرسل الأمريكيون رسائل لايران تقول إنهم سيقدمون مكافآت ويرفعون عقوبات معينة إذا تخلت ايران عن السعي للانتقام لسليماني. لكن وكما يقول الايرانيون ، هذا تفكير أمني. القائد الأعلى سيد علي خامنئي يشدد على الانتقام ، وقائد الحرس الثوري قال إن الانتقام أمر لا مفر منه “وسنحدد نحن الزمان والمكان لذلك”.
لا أحد يعرف حقًا ما سيأتي بعد ذلك ، ولا حتى الأمريكيون أنفسهم. ولكن مع استمرار خطوات واشنطن العدائية ، من المرجح أن تكون الأضرار الجانبية الناجمة عن اغتيال قاسم سليماني – المهندس أكبر مما ساوم عليه ترامب وإدارته ، فإيران لديها استراتيجية مرتبطة بالواقع و التحكم بالخلل الوظيفي للاستراتيجيات المستقبلية وحدود الشرق الأوسط . يمكن أن تكون العواقب الإقليمية الأوسع سلبية على المصالح الأمريكية – لا سيما في العراق.

و يمكن أن تؤدي سلسلة من الإجراءات والانتقام إلى تغيير دراماتيكي في خارطة المواجهة المباشرة. وقد يكون مستقبل واشنطن في العراق والمنطقة موضع تساؤل. وستختبر استراتيجية واشنطن “الجمهورية أو الديموقراطية” للمنطقة – بشكل لم يسبق له مثيل، خصوصاً وأن الايراني معروف عنه أنه يذبح أعداءه بقطنة، و أن عصا الانتقام التي يضرب بها ، لا صوت لها !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى