رأي

أَوَطَانٌ اِنَتَكَسَتْ، وِانْتَكَبتَ، واِرتَكَسَتَ، واِنعَكَسَتَ

المُجَتَمَعات العربية، وخاصة المُسلِمة في هذا العصر، من المُفتَرض أنها تسمو، وتتقدم، وتتحلى بِمُواطنيها الأوفياء النُبلاء، الأذكياء، المُخلصين الصالحين، وتتجلى الأوطان، وتتجمل بصفاتهم الحسنة، وطِباعِهم الكريمة الجميلة مثل التراحم، والتلاحم، والعدل، والترابط، والتآخي فيما بينهم، وتتويج كل ذلك من خلال عمل الصالحات، والالتزام بالفضيلة، والابتعاد عن الرذيلة والفسق، والفُجور، والظُلم، والعصيان، والرشوة، والمحسُوبية، والواسطة الخ..؛ والبلاد عمومًا تتطور، وتزدهر، وتنمو من خلال تكوين النواة، والبذرة الأولي في المجتمع، وهي الأسرة الصالحة ومع صلاح العباد ينَصلح حال الراعي، والرعية، وخاصة حينما يَتصفوا بِمكارمِ ودماثةِ الأخلاق وحينما نُنزِل الناس منازلهم، وأن تقوم الموازين بالقسط بين الناس، ويتم تعيين، ووضع الرجل المناسب في المكان المُناسب؛ ولكننا يا حسرةً على العِباد!؛ لأن الغالبية التي تَحكم الوطن العربي اليوم فعلت عكس ذلك تمامًا!.

 وإننا نعيشُ اليوم في عصر المَكَيَنة، والمكَننَة، والمكيدة، والمصيدة، والحسد لبعضنا بعضًا وأُفُول الرحمةِ، والمرحمة، والتراحم فيما بيننا!؛ فَصِرنا نُبصر، ونسمع  في هذا الوقت عن من تَسَيَّدَ، وحكم من بَعض المغُرِضِّين، والمُفسدين في الأرض، ومن خَلفهِم بطانة السوء من اللاهثين وراء الدُنيا المُطبلون، والمُطبوعون، والمُنبطحون، والمنافقون، والأفاكون، والدجالون والمشعوذون، والمُتسلقون والسارقون، والناهبون، والآمرون بالمُنكر، والناهون عن المعروف، أولئك الذين هم عن عمل الصالحات بعيدين، وعن اتباع الحق مُبعَدون من الخاسرين، الذين خسروا أنفسهم، وأهليهم وشعوبِهم، وكأنهُم لا يريدون خيرًا للمواطن، ولا للوطن العربي، ويسعون في الأرضِ فسادًا!. فَيغَيِرون، ويبدلون في خلق الله، ويرفضون تطبيق ما أنزل الله جل جلاله من الشرائع السماوية ويتمسكون بالشرائع الوضعية، ويريدون جعل الانسان منزوع الكرامة، والانسانية والوطنية، ومُجَرد َمن دينهِ، وأخلاقه!؛  ويريدونه مثل آلة إلكترونية، أو كجهاز  الحاسوب الألي الذي يتلقى الأوامر  من سيدهِ، وعليه التنفيذ، والتَقيد بالأوامر، والتعليمات بحذافيرها، سواء  كانت التوجيهات صحيحة، أو  غير  صحيحة!؛  فالظاهر أننا نعيش في تلك الأيام، والسنوات الخداعات، النحِسَات، والتي يَنجَلي فيها، ويَنَبَرِي، ويُقهَر المواطن العربي الحُر الشريف، ولا يقام له وزنًا، ولا  يعملون حسابًا للدم العربي المسفوح من الأعداء ظلمًا، وعدوانًا!؛ فحينما هُنَا على أنفسنا، هُنَا في أعين الأعداء!؛ ومازالت الشعوب العربية نائمة في سُباتٍ عَميق، ومنحدرة في وادٍ سحيق، تتجه نحو المزيد من التيهِ، والضياع، والملهيات الفارغة، مثل المُسلسلات، والأغاني، والأفلام، أو التشجيع الأعمى، والتعصب لفرق كرة القدم الأجنبية، والتي يتم دفع الملايين من الدولارات للاعبين كرة القدم!؛ وبالمقابل قد لا يجد العَالِم العامل ما يسد رمقهُ، ويكون فقيرًا، أو عاطل عن العمل!؛ وكأن الشعوب نسيت، أو تناست واقعها المرير، وتم تدجينُها، فصارت مثل باقي الحكام لا يهتمون في القضايا المصيرية، الأساسية، والمركزية التي تهم الأمة العربية والإسلامية!؛ فزاد الألم، والأنين، وتفشى الجهل، والفقر، وانتشرت الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل!؛ ولف الناس المزيد من الهَمَ، والحزن الدفين في هذهِ السنين العجاف! والشعوب أغلبها غافلون ساهون يَسُودَهم، ويسوسهم بعضًا من الضالين الظالمين، المُنشغلين في سفاسف الأمور!  لقد كنا قبل الإسلام رعُاة للغنم، ولكن لما طبق السلف الصالح شريعة الإسلام السمحة صاروا  سادة الأمم، وسادوا العالم؛ بعدما كانت تقوم العديد من الحروب والصراعات بين القبائل العربية قبل الإسلام زمن الجاهلية الأولي، وتستمر  لسنوات طويلة، وكان فيها الاقتتال، والقتل واشتعال فتيل نار الحرب بسبب خلاف بسيط على أتفه الأسباب مثل: ناقة، أو  تَيَّسَ، وما أكثر تُيُّوسُ اليوم!؛ من الذين تصدروا أعلى المناصب، وارتقوا، وصعدوا في أرفع  المقامات، والدرجَات وسادوا، وتقلدوا زِمام الحكم، حتي وصل بعضًا منهم لمنصبٍ كبير سواء أمير، أو  وزير أو  وكيل وزارة، أو مديرًا عامًا، أو رئيس جامعة، أو  مديرًا لِمؤسسة كبيرة، وهو لا يستحق ذلك الموقع اطلاقًا!؛ والطامةُ الكبرى، والمصيبة العُظمى أن أغلب من يتقلد تلك المناصب اليوم هم من الرويبضة السفهاء، البلهاء، الجُهلاء، ولكنهم يتكلمون، ويحكمون، ويتحكمون في العقلاء، والنبلاء، وفي أمور عامة الناس!؛ ولذلك نحنُ اليوم كأمة عربية، وإسلامية  وصلنا للقاع، ولذيل القافلة بين الأمم، والشعوب، فتجد في الوطن العربي وزراء التربية، والتعليم العالي من غير تربية فاضلة، ناجزة راقية، ولا يوجد تعليم عالي على قدر المستوي المطلوب، وكذلك فإن الحالة الثقافة تجدها حالة بائِسة!؛ وقد تسمع فتدمَع، عن اتحاد كتاب، وأدباء في فلسطين أكثر من عدد شعر الرأس الكثيف، ولكن النتيجة الثقافية، والعلمية تكاد تكون معدومة!؛ وأغلب تلك الاتحادات تقف صفًا، واحدًا عند لون واحد من الثقافة، والعلم والأدب أغلبهُ هو شعر وكلام في الحب، والغرام!؛؛ واليوم المتابع للواقع التعليمي في الوطن العربي يساوي صفرًا  وحتي تصنيف الجامعات العربية، والإسلامية على مستوي العالم يكاد لا يُذكر، وإن سقط التعليم، والمناهج من مقياس الجودة، ضاعت الشعوب العربية؛ فالمُعلم، والمناهج التعليمية هي من تنتج، وتخرج للمجتمع المهندس، والطبيب، والطيار، والمهندس الزراعي، والضابط، ورجُل الأمن، والمُبتكر والمبدع، الخ…؛ فكيف إن كان المعلم في الوطن العربي مُهَان يُستهانُ بهِ، ويعاني الحرمان، والمناهج التعليمية بائسة قديمة يائسة ميؤوس منها!؛ ولذلك تجد بعد ضياع التعليم انهيار، وضياع في كل القطاعات الأخرى سواء الصحية أو الأمنية، أو الإدارية والفنية الخ..؛ والسبب رفعنا المنافق والوضيع السفيه الجاهل التافه في أعلى المناصب والدرجات، وتجاهلنا العالم، والمعلم والمثقف، فصار حالنا أسوأ حال وبلادنا بدل أن تكون عنوان للحضارة والتقدم، والنظافة، والابتكار والاختراع، والانتاج والتصنيع صرنا أمة مستهلكة، ومُنهِّكَة للأمم بدل من أن نكون أمة منتجة مصدرة الخير للبشرية!؛  كما كان حالنا في صدر الاسلام؛ فيا أيها القادة  لا تضعوا في المناصب العليا الجهلاء السفهاء، ولا تقهروا، وتستبعدوا الضعُفاء، العقلاء الحكماء العلماء حتي تعود للامة كرامتها، ومجدها، وعزها سؤددها، ونصرها، وتمكينها؛ فكفاكم تنصيب الرويبضة حتي لا نبقي أمة ضحكت من جهلها الأمم؛ فلن يُصلح حال آخر هَذهِ الأمُة إلا بما صلح حال أولها..

الباحث، والكاتب، والمحاضر  الجامعي، المفكر العربي، والمحلل  السياسي

الكاتب  الأديب  الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو  نحل

عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء  مصر، رئيس المركز  القومي لعلماء  فلسـطين

رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، عضو مؤسس في اتحاد المدربين العرب

رئيس الاتحاد العام للمثقفين والأدباء العرب بفلسطين،  والمُحاضِّرْ  الجامعي  غير  المتُفرغ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى