إسلامثقافة

أنموذج واقعي على”هجر القرآن الكريم”برغم كثرة حفاظه وقرائه ودوراته !!

قال تعالى ” وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ” .

احمد الحاج
شخص مهذب ومثقف أحيل على التقاعد بعد سنين طويلة قضاها في سلك التعليم مدرسا باعدادية معروفة في بغداد يسأل ومن دون مقدمات وبصوت مسموع ” هل الخمر حرام ؟ اذا كان الأمر كذلك فلماذا قال الله تعالى “فاجتنبوه” ولم يقل “حرم عليكم” ؟” …فأجابه شخص يجلس الى جواره إجابة صادمة مفادها،بأن “معاقرة الخمور ليست حراما ، والدليل – فاجتنبوه – ” على حد وصفه،ليكمل مفاجآته غير السارة قائلا “وإن كان لابد فليكن إحتساء الخمور ليلا بعد صلاة العشاء، لأن الله تعالى يقول”لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ ” .
هذا نص ما دار على مرأى ومسمع مني قبل يومين وأصابني بالذهول التام ونحن جلوس في مكان يقع على يمين الاعدادية !
وبعد أن تابعت عن كثب مجمل المداخلات والنقاشات والتعقيبات التي دارت بشأن الموضوع اياه بين مدرسين وكادحين ومعلمين ومثقفين ورياضيين وباعة جوالين وعابري سبيل أدركت حجم الجهل المطبق حتى بين أوساط المثقفين بأحكام القرآن الكريم وببلاغته وبيانه ومفرداته ومعانيه وأسباب نزوله ، بمحكمه ومتشابهه ،بمكيه ومدنيه ، وبقية علومه المباركة الأخرى ، وأنا على ثقة شبه تامة بأنني لو سألتهم جميعا ومن دون استثناء بمن فيهم من أنتدبوا لتدريس مادة التربية الاسلامية في ذات الاعدادية أو في غيرها الا ما رحم ربك عن الفرق بين :

  • امرأة فلان وزوجة فلان …. الفرق بين زوج وبعل …بين عام وسنة … بين والد وأب ..بين آنس وأبصر …بين الشح والبخل .. بين الاجتناب والتحريم …بين الصنم والوثن …بين الرجز والرجس ..بين الانصاب والازلام ..بين أقبل وقدم وأتى وجاء وحضر ….بين يصنع ويفعل ويعمل ..بين الجلوس والقعود …بين عاقر وعقيم …بين ريح ورياح …بين انصت وسمع …بين سكت وصمت …بين المديح والثناء والشكر والحمد ، لما أجاب منهم أحد الا ماشاء الله تعالى ، حقا وصدقا نحن بأمس الحاجة الى فهم القرآن الكريم وتدبر آياته ومعانيه والاعتبار بقصصه وأمثاله، والعمل بأحكامه ،والوقوف عند حلاله وحرامه ، زيادة على السماع والتلاوة والختمة والحفظ ..يااااااقوم !!
    المطلوب اليوم دورات مكثفة لـ”فهم القرآن الكريم “موازية لدورات تحفيظه وتجويده لأن الجهل بمعانيه وأحكامه والابتعاد عن تدبره داخل في قوله تعالى في محكم التنزيل “اتخذوا هذا القرآن مهجورا”، فهناك من هجر القرآن الكريم تلاوة،وهناك من هجره حفظا،وهناك من هجره سماعا،وهناك من هجره تعلما وتعليما ، فهما وتفهيما،وهناك من هجر أحكامه وتعاليمه،وهجر أوامره ونواهيه،وهلم جرا !
    أحد الاخوة الافاضل وبعد هذه المعمعة سأل سؤالا مهما للغاية :”ترى من أين نبدأ لتقويم القصور الكبير في الفهم القرآني والعمل بأياته وأحكامه والوقوف عند حلاله وحرامه في حياتنا العامة ؟”.
    الجواب سيكون من شقين ، أولهما أن كل ماذكرته سابقا ، وسأذكره أتيا أود من خلاله التنبيه على مخاطر فسح المجال واسعا وترك الحبل على الغارب أمام ما يسمى بـ” القرآنيين الجدد” ويقودهم حاليا محمد هداية، نيابة عن رئيس مركز ابن خلدون السابق سعد الدين إبراهيم، المطرود من الازهر، وهم يخوضون حاليا في القرآن الكريم بعد أن أدركوا حجم التقصير والقصور الكبير من قبلنا في فهمه وتعليمه وتعلمه، خوضا لم يسبقهم اليه أحد بذريعة فهم ما لم يفهمه غيرهم ، وبزعم إستيعاب ما لم يعيه ويستوعبه سواهم مشفوعة بإنكار السنة” بزعم تأخر تدوينها ، وانكار السنة في مفهوم ومخططات القرآنيين الجدد = إنكار أسباب النزول كلها ، انكار تفسير آيات الأحكام المستندة على الأحاديث النبوية الشريفة وأقوال الصحابة وآل البيت والعلماء والفقهاء والتابعين ،إنكار كل التفاسير بالمأثور كذلك التفسير الاثري، واعتماد التفسير الاشاري والباطني اضافة الى التفسير بالرأي والتفسير الموضوعي في حال كان الأخيران يتوافقان كليا أو جزئيا مع طروحاتهم وفهمهم فحسب” ياقوم نحن وانتم نتعرض حاليا الى مؤامرة كبرى للفصل بين الكتاب والسنة من جهة ، والخوض في القرآن الكريم -ليبراليا وعلمانيا وماركسيا ويساريا وشعوبيا واستشراقيا وباطنيا – من جهة أخرى ، وانا انبهكم على تلكم الطامة واحذركم منها سلفا لأنها ظاهرة آخذة بالاتساع وبوتيرة متصاعدة ومقلقة للغاية وبإطراد وصل الى الفضائيات ودخل ضمن المخططات وقد أدرج في البرامج والأجندات، المطلوب وبإلحاح لن يعذر فيه أحد، إعادة إحياء علوم القرآن الكريم كلها دفعة واحدة وعدم الاقتصار على علم من دون آخر البتة لأن الخطب جلل بحق ومن دون مبالغة !
    اما الشق الثاني من الجواب فأقول فيه ” علينا ان نبدأ من عدم إعتبار الحافظ حافظا لجزء من الاجزاء، مالم يتم فهم معاني ومفردات وأحكام وأمثال وقصص وأسباب نزول الايات والسور التي أتم حفظها في الجزء المحفوظ وعدم الانتقال الى حفظ المزيد من دون هذا الفهم والاستيعاب والتدبر”للاعمار ما فوق العشرين لأن ما دونهم يشق عليهم ذلك ، على ان تبدأ دورات الفهم تلك بمعلمي القرآن الجدد انفسهم اولا وقبل غيرهم من المتعلمين !
    اذ مافائدة أن يحفظ شخص ما جزءا كاملا من القرآن الكريم وهو لايعي من أحكام هذا الجزء ومعانيه ومفرداته وقصصه وأمثاله شيئا قط،هل مفهوم الحافظ والحفاظ صار عندنا”عبارة عن شريط مسجل ..هارد خارجي ..اسطوانة..فلاش ..قرص مدمج بشري فحسب” فتراه يحفظ الايات والسور والأجزاء ويجيد تلاوتها على قواعد وأحكام التلاوة والتجويد، الا أنه لا يفهمها،وبعضهم يتلو لك آيات من القرآن الكريم من أية سورة تريدها، ومن أي جزء تشاء الا انك لو سألته عن حكم أي مسألة في السورة التي يحفظها عن ظهر قلب..عن أية مفردة قرآنية ..عن المحكم والمتشابه فيها..عن ناسخها ومنسوخها إن كان يعتقد بالنسخ ..عن مترادفاتها …عن بلاغتها ..عن قصصها ..عن أمثالها ..عن إعجازها، عن عبرها وعظاتها ، عن اسباب نزولها ، عن مفهوم عموم اللفظ وخصوص السبب فيها ، عن رأي التفاسير وموضوعاته فيها ..عن المقيد والمطلق فيها ، عن العام والخاص فيها ،عن الايات المكية والمدنية فيها ، لما اجابك الا فيما ندر !
    بل وهناك من القراء من يفهم معاني ومفردات القرآن الكريم على النقيض من مرادها وبخلاف معانيها تماما ،وهناك ” وهذه نقطة مهمة “من يهتم بجل علوم الالة والغاية ما خلا علوم القرآن ، وهناك من حصر تعلم القرآن الكريم وتعليمه بالختمة والاستماع والحفظ وإجادة أحكام التلاوة والتجويد والحصول على الاجازة فقط لاغير ..
    واقترح ” اطلاق ما يعرف بدورات – فهم القران الكريم – مع منح الاجازة في القراءة مشروطة بالفهم والتدبر
    أيعقل أن بعض الحفاظ لو أنك سألته عن أي مقام من المقامات النغمية السبعة الرئيسة التي يشدو ويثير اعجاب المستمعين بها الى حد الهرج والمرج والصراخ والضجيج والصخب في المحافل ” وعظمة على عظمة …اعد ياشيخ …الله يفتح عليك يا أبهة ” كما يشاهد من مناظر منكرة ومواقف مستهجنة بل ومقززة على اليوتبوب، فضلا عن عشرات النغمات التي تتفرع عنها فسيجيبك فورا ومن دون ابطاء وبالتفصيل الممل، الا انك لو سألته عن أحكام المواريث اذا كان يقرأ في آيات المواريث ..عن احكام الزكاة اذا كان يتلو آيات في الزكاة …عن أحكام الربا إن كان يتلو آيات في الربا ..فلن يجيبك عنها ، فيما صار الحفظ لبعض الحفاظ طريقا الى الشهرة والمال والقراءة في مجالس العزاء والمحافل الخاصة والعامة !
    وهناك من لايهتم بعلوم القرآن في مناهجه – الشرعية – ويمر عليها مرور الكرام ، ولو اطلعت على المناهج القرآنية لبعضها لأصابك العجب العجاب فجلها عبارة عن احكام تجويد وتلاوة وحفظ أربعة أجزاء أخيرة فقط لاغير مع منهج لايسمن ولايغني من جوع عبارة عن مدخل مبسط تم تأليفه على عجالة في حقبة السبعينات او الثمانينات في علوم القرآن الكريم عامة ..ولو أحصيت رسائل الماجستير واطروحات الدكتوراه في مجمل علوم القرآن ، قياسا بنظيراتها في علوم الفقه والحديث وأصول الفقه وهي بالمئات لأعترتك الدهشة..وقد سألت أحد الاكاديميين عن سبب ذلك كله فأجاب بصدق”إنهم يخشون دخول مضمار القرآن الكريم ويتحاشونه”ويفضلون دخول وإقتحام عوالم ما سواه من العلوم الشرعية الأخرى ! اودعناكم اغاتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى