أحوال عربيةأخبار العالم

أسباب تعثر المقاومة الفلسطينية

من أجل مقاومة وطنية تستعصي على الكسر سعيد مضيه أسباب تعثر المقاومة الفلسطينية


النضال الفلسطيني أشبه بالسير في حقل الغام يوجب اليقظة والحذر مع كل خطوة، والاسترشاد بتفكير استراتيجي يقلع عن الارتجال، ويعمل بأفق مستقبلي واضح المعالم. الألغام التي تعثرت بها المقاومة الفلسطينية ولم تزل كامنة بالدرب، مصدرها تصرفات إسرائيلية تتجذر في طبيعتها العنصرية والعدوانية، وفي قيادتها الصهيونية المرتبطة عضويا بالامبريالية. لإسرائيل خبرة لا تجارى في الغدر والخداع والكيد وبها قدر كبير من العجرفة وادعاء التفوق العنصري، خاصة تجاه الفلسطينيين ، لا ترى منهم خطرا يتهدد اطماعها ومشروعها الاستيطاني الاقتلاعي. مشروعها أنجز بالعنف الوحشي ، حسب تقديرات دافيد بن غوريون، واعتمد الكذب والتلفيق والخدع والمكائد. إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي فرضت على دول غرب اوروبا والولايات المتحدة وضع تشريع يجرم منتقدي سياساتها العنصرية وجرائم الحرب التي ادمنت تعاطيها ؛ وإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي استخلصت من الاحتلال واضطهاد شعب تجارة تدر بلايين الدولارات وابتدعت خبرات متميزة لمكافحة “الإرهاب” وابتكرت معدات وأجهزة تكنولوجية للغرض ذاته.
حيال سلوك إسرائيل المعروف خلال عقود سبعة خلت لم ترتفع المقاومة الفلسطينية لدرجة تحدي الاحتلال او عرقلة مشروعه الاقتلاعي. لم تسترشد بتفكير استراتيجي يمرحل النضال ويخطط وينظم ، يراجع للتقييم والنقد الذاتي . من المؤسف أن المقاومة الفلسطينية ، وقد فشلت في الصمود بوجه النهج التوسعي لإسرائيل، ما تزال تُستدرَج للصدام المسلح، وتندفع مستفزة بارتجالية وعفوية ، لتواجه الهزائم المتلاحقة في جميع المواجهات المسلحة والسلمية. الفصائل الفلسطينية كافة لاتمارس النقد والنقد الذاتي والمراجعة النقدية، ولا تخطط وتستشرف وبذلك تكرر نكساتها .
طالما انخرطت المقاومة المسلحة الفلسطينية في ائتلاف المقاومة بالمنطقة فمن الضروري إبراز الفروقات بين اوضاع المقاومة في كل موقع، كي لا يتواصل التصرف العفوي واستنساخ التجارب بغير تمييزيراعي الظروف والملابسات. ظروف المقاومة تختلف في مناطق المواجهة، ومن الخطورة افتراض التماثل بينها ونسخ التجارب: فإذا استطاعت المقاومة في لبنان إجبار إسرائيل على الانصياع فإن سلاح غزة يعجز عن ذلك؛ إذ كلما خطر ببال حكام إسرائيل التخلص من ازماتهم ينهالون على غزة تدميرا وقتلا بالجملة. ولكن السلاح في غزة يردع إسرائيل عن الاجتياح الأرضي وإعادة احتلال غزة ؛ بينما السلاح بالضفة لا يردع . المقاومة الفلسطينية بالضفة تخضع لحصار، وإسرائيل لا تتكبد نفقات لوجيستية مرهقة تنقل عبر آلاف الأميال للحفاظ على احتلالها ؛ إنما تدخل قواتها المسلحة والمستوطنون المرتبطون بها وقتما يشاؤون ، ينتقلون بيسر وبسرعة في مسيرة على الأقدام احيانا الى المناطق الفلسطينية كافة، يخربون ويدمرون ويقتلون ولا يخشون مساءلة او تحقيقا في جرائمهم ؛ يرون عناصر المقاومة المسلحة الفلسطينية حبة بندق يسهل كسرها. ولكن إعلامنا يدعي أن إسرائيل مرتبكة ، وإسرائيل منقسمة ، والمستوطنون يحزمون حقائبهم للرحيل!! المستثمرون في المناطق المحتلة يكسبون المليارات من أجهزة المراقبة والتصنت والتجسس التي يبتكرونها وتكسب إسرائيل مليارات أخرى من بيع “خبراتها” في مكافحة “الإرهاب”. من خلال الاحتلال اكتسبت إسرائيل صداقات .
ظروف المقاومة تختلف من موقع لآخر. وظروف منطقة الجليل والمثلث ومناطق وجود الفلسطينيين خلف الخط الأخضر تختلف عن جميع مواقع المقاومة الفلسطينية الأخرى؛ والسعي لمد الكفاح المسلح الى مناطق فلسطين المحتلة عام 1948 ينطوي على خطورة استراتيجية وخطيئة تكتيكية . في تصريحات امين عام الجهاد الإسلامي ، المجاهد زياد نخالة، خلال المقابلة مع فضائية الميادين في التاسعة من مساء العاشر من اكتوبر الحالي، جهر بان النضال “الثوري” الذي تمارسه الجبهة “أدخل الضفة والمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني مرحلة جديدة”. وضمن الاعتداد بالتميز صرح بان نضال الجهاد الإسلامي سوف “يمتد داخل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948″، متجاهلا حتى القوى المناضلة والمشهود لها في مقاومة الاحتلال والتصدي للنهج الفاشي والتمييز العنصري والأبارتهايد في إسرائيل. تكررفي تصريحات قادة الجهاد الإسلامي ، والأمين العام ، الاستعداد بان تمضي الجبهة لوحدها وتجاوز الفصائل الأخرى. واضح ان الأمين العام للجهاد الإسلامي يستشرف قيادة مشروع كبير “لتحرير القدس ثم تحرير فلسطين بالكامل” كما نطق في المقابلة. يقود مشروع نضال تحرر وطني مديد ، وفي نفس الوقت يجزم بأن ما يجري بالضفة “انتفاضة مسلحة” ؛ والاسم يندرج على عملية سريعة الحسم لكفاح وطني نضجت حصيلته في التغلب على عدو فقد القدرة على السيطرة ويرفض التسليم ؛ تشترط الانتفاضة التقدم في كل لحظة حتى حسم المواجهة خلال ساعات مع العدو وإسقاط سلطته. وهذا ما لا يتوفر في صدامات جنين ونابلس.
اخطر ما في تصريحات الأخ نخالة اعتزامه مد النضال المسلح داخل فلسطين المحتلة عام 1948، نجد هذا التوجه بعيدا عن التفكير الاستراتيجي وينطوي على مخاطر قاتلة للأسباب التالية:
أولا، لعل الأخ نخالة يعرف أن في هذه البقعة حركات وطنية أثبتت وجودها رغم الاضطهاد العنصري، تدرك ظروف نضالها الى حد بعيد. وتجاهلها بهذا الشكل عمل لا يليق ، على أقل تقدير. ومن الواجب، في ضوء توحيد المقاومة ، إشراكها او التشاور معها في تحديد أساليب وأشكال النضال ضد العدو المشترك.
وثانيا ، وهو الأهم ، ان العمل المسلح مخاطرة محفوفة بالعواقب الكارثية؛ فهو هدية للقوى المتطرفة كي تنفذ وعيدها لعرب تلك المناطق. في مقال نشرته هآرتس في السابع من اكتوبر الحالي استذكر تهديدا للعرب وجهه اسرائيل كاتس، الوزير السابق في 23 أيار الماضي من على منصة الكنيست قال فيه “تذكروا 1948. تذكروا حرب استقلالنا ونكبتكم”. ومضى الى القول “لا تشدوا الحبل أكثر من اللازم. إذا لم تهدأوا فسنعلمكم درساً لن تنسوه”. وتعهد عضو الكنيست بن غفير، كما نشرت صحيفة هآرتس في 22 شباط الماضي ، بأنه سيشكل بعد دخوله إلى الحكومة “سلطة وطنية لتشجيع الهجرة”، ستعمل على “إخراج أعداء إسرائيل من أرض إسرائيل”. وانتخابات الكنيست باتت عملية نضالية بامتياز، إذ أن مجرد اشتراك العرب بكثافة في التصويت في انتخابات الكنيست من شأنه ان يرفع نسبة تمثيل العرب على حساب تقليص وزن الفاشيين دعاة طرد العرب داخل الكنيست.
وثالثا ، التجارب الأليمة ذكّرت حتى مدمن النسيان أن الصهاينة بصورة عامة ماهرون في الكيد ، باختراع ملابسات وجرجرة الجمهور العربي في مطبات تجعل جرائم إسرائيل مبررة أمام الرأي العام العالمي، وبتصريح الأخ نخالة ، تواتيهم فرصة ثمينة يستحيل أن يضيعوها دون ان يستثمروها. بالصدام المسلح غير المتكافئ اغتصبت إسرائيل معظم الأراضي الفلسطينية وتكاد تطبق سيطرتها على كامل فلسطين التاريخية. وفي مقال صحيفة هآرتس في السابع من تشرين اول الحالي افترض الكاتب سيناريو نكبة جديدة لعام 2023 ، يتخللها حيل واعمال عنف تستهل بتجاوزات وأعمال عنف من جانب العرب، وتسفر عن ترحيل مائتي الف عربي خارج دولة إسرائيل.. افترض السيناريو فوز جناح بنيامين نتنياهو في الانتخابات القادمة – احتمال قائم- حينئذ يفرض بن غفير وسموتريتش على نتنياهو تسليمهما مع حليف لهما وزارات الحرب والعدل والأمن الداخلي، كي ينفذوا خطة ترحيل مائتي ألف من عرب وادي عارة ، خاصة أهالى ام الفحم خاج إسرائيل . جميع مراحل الجريمة واقعية ويمكن ان تحدث بأسباب يتقبلها الرأي العام العالمي. العمليات العسكرية هدية تقدم لهؤلاء المتعطشين لطرد العرب بالجملة.
النشاط المسلح بالضفة تنقصه قيادة متمرسة على الموقع تدرب وترش. ليس له حاضنة طبيعية من غابات كثيفة أو جبال منيعة، منها ينطلق المناضلون وإليها يأوون، تحت إشراف مباشر لقيادة متمرسة لا تترك التصرف للأمزجة الذاتية تضبط وتقدم الخبرات بصدد سلوك العدو وأساليبه ومكائده، الى جانب الخبرة القتالية في تقدير اوقات الهجوم واوقات الانسحاب ومراوغة العدو وجواسيسه، وامور كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن. وفي غياب الملاذ تغدو الجماهير التي ارتفع منسوب كفاحيتها ووعيها . وهذا جانب مغفل ومهمل من جانب الفصائل الفلسطينية كافة.
كذلك غفلت الفصائل عن النقد ، فلم تفطن، على سبيل المثال، أن مصدر فشل المقاومة الوطنية هو الاستهانة بقدرات إسرائيل ونواياها الافتراسية، فتتصدى لها بإمكانات هزيلة وأحيانا كثيرة بالارتجال والانجرار خلف استفزازات متعمدة . وعامل آخر للفشل، إذ غاب عن تقدير القيادات المتعاقبة للمقاومة الفلسطينية أن الكفاح المسلح المستدام حتى النصر يتغذى بالحراك الشعبي الديمقراطي ويغذيه؛ ان القفز الى كفاح مسلح لا تسنده وتمده بالعناصر الثورية حركة شعبية ديمقراطية منطلقة في حالة نهوض ثوري هو سبب فشل تجارب الكفاح المسلح للمقاومة الفلسطينية. بدلا من المسستوى الكفاحي الرفيع بات تقليدا أن يدخل المناضل المواجهة المسلحة منفردا يفاضل بين بديلي “النصر او الشهادة”، حيث الشهادة لها السبق. القضية الفلسطينية أعقد من أن تحسم في مواجهة ولا في جولة واحدة أوشكل كفاحي اوحد.
مما لا شك فيه ان تضحيات منظمة الجهاد الإسلامي وشجاعة مجاهديها تستهوي الجماهير فتتسع شعبيتها وتتعاظم . وقيادة المنظمة تلقى الاحترام والتشجيع من جانب قادة جبهة المقاومة بالمنطقة، الذين يمدونهم بالسلاح. وأثناء المواجهات المسلحة مع العدوان الإسرائيلي في غزة برز دور الجهاد الإسلامي بجانب حماس نظرا لحجم ونوعية السلاح الذي يتسلمه الفصيلان .
ورغم الحديث المتكرر عن تعاون الجهاد الإسلامي وحماس إلا أن الجهاد مضي اكثرمن جولة لوحده في المواجهة المسلحة. اقر المجاهد نخالة ان الجهاد الإسلامي يخوض “ام المعارك، أمر لافت أن حركة لوحدها تستطيع فتح هذه المعركة”. غمز قادة الجبهة من جنوح حماس الى التهدئة أحيانا.
يجب الإقرار أيضا بأن الشعب الفلسطيني تستهويه المقاومة المسلحة، ويتعاطف معها، مغفلا ضرورة المقاومة الشعبية، لأسباب تكمن في غياب الرؤى العلمية للواقع ومقتضيات الخلاص ونظرا لضعف الخبرة والممارسة السياسيتين:
*المقهوربقوة السلاح يثق بالمثل الشعبي القائل، ” الرطل يكسره رطل ووقية “؛ فهو يرد بنفس وسيلة قهره؛
*والمقهور في مجتمعنا المتمسك بثقافة الانتقام يرى في العنف المضاد انتقاما يشفي غليله، والثورة في وعيه حمل السلاح؛ ولا يعنيه ان يحرف الوله بالانتقام النضال عن مهمة التحرير، وتجربة ما سمي الانتفاضة الثانية مثال وشاهد.
*و مجتمعنا يبخس من قيمة الفرد والمجموع ويعلي من شأن الفدائي المخلّص. ثقافة المخلص والمهدي المنتظر شائعة في المجتمع الفلسطيني؛

  • ليس لقوى التغيير الاجتماعي فعل في أوساط الجماهيرالشعبية، فعل يحشد و يربي كوادر تعرف كيف تتقرب من الجماهير وتلتصق بها وتكسب ثقتها وتدعم برامجها السياسية في التغيير الديمقراطي. فقوة الحزب سياسيا ونفوذه الاجتماعي والسياسي يتوقف على حجم الكتلة الشعبية التي تثق ببرنامجه وتسانده ؛
  • اما المقاومة المسلحة فلا تتطلب غير حمل البندقية أو الرشاش؛ ولهذا كثرت العمليات المسلحة بالضفة ينفذها أفراد لا ينتسبون للفصائل المعروفة، ولا ينتظرون إرشادات أحد، تضحياتهم يوجهها نفاذ الصبر على جرائم المحتل وتخاذل السلطات الحاكمة وفسادها، والاحتجاج على الركود السياسي وغياب القيادة السياسية بعد عزوف القيادة القديمة عن مواصلة النضال الثوري.
    لدى تخلي القيادة التقليدية عن مواصلة النضال يتوجب على قوى التغيير الديمقراطي ان تتصدر النضال، تتسلح بالتفكير الاستراتيجي، وتضفي على المقاومة الشعبية الطابع الثوري. لكن القوى البديلة غير مهيأة للقيادة وروابطها الشعبية ضعيفة . فهي لا تمارس التربية السياسية للجماهير، من خلال التخطيط والتنظيم ونشر الوعي العلمي؛ وليس لها كوادر تعمل في الأوساط الشعبية تثقف وتشرح التباسات الواقع وتضع مهمات كفاحية ترفع من ثقة الجماهير بنفسها وتربيها سياسيا وفكريا من خلال نضالات شعبية تتسع وتترقى وتعظم مهامها باضطراد ؛ فتكسب بذلك ثقة الجماهير وتفوز بقيادتها ، ما يرجح كفة وزنها السياسي داخل المجتمع . المقاومة الشعبية وقيادة قوى التغيير تثري الوعي الاجتماعي بالرؤى العلمية لملابسات الواقع وقواه الفاعلة وأسلوب التغيير الأمثل؛ تصلب المقاومة الوطنية بحيث تستعصي على الكسر او الاندحار، فتبعث اليأس لدى العدو وتفرض عليه الانصياع للمطالب المشروعة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى