أحوال عربيةأخبار العالمأمن وإستراتيجية

أسباب تصاعد التوتر بين ايران و أذربيجان

الحائط العربي

لا يمثل التصعيد بين إيران وأذربيجان توجهاً جديداً، لكن الجديد في الأمر هو أن هذا التصعيد بات يرتبط بتطورات أخرى طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث تخشى إيران من تكرار النموذج الأوكراني بجوارها، وتبدي قلقاً من محاولة إسرائيل الرد على وجودها في سوريا عبر تعزيز نفوذها في أذربيجان، فضلاً عن أنها ترى أن ما يحدث الآن من تصعيد أذري وإسرائيلي يرتبط بالمعطيات الجديدة التي فرضها الاتفاق مع السعودية في بكين، وبنجاح النظام الإيراني في تجاوز أزمة الاحتجاجات.

صحيفة “وطن امروز” (الوطن اليوم): تصاعد خطاب نظام علييف ضد إيران بعد زيارة وزير الخارجية الأذري لإسرائيل.. لعبة الهام من أجل إسرائيل

رغم أنّ التوتر يمثل سمة رئيسية في العلاقات بين إيران وأذربيجان، إلا أنه لم يصل في أي مرحلة ماضية إلى مثل هذه الدرجة غير المسبوقة مثلما يبدو في الوقت الحالي، وتحديداً منذ بداية هذا العام. إذ قررت السلطات الأذرية، في 6 أبريل الجاري، طرد أربعة دبلوماسيين من السفارة الإيرانية لدى باكو، قالت إن أنشطتهم لا تتناسب مع وضعهم الدبلوماسي، وهو ما يبدو أن له صلة بالاتهامات الموجهة لإيران بالتورط في محاولة انقلاب داخل أذربيجان، بعد اعتقال خلية مكونة من 6 أذريين. وتوازى ذلك مع اتهام إيران بالتورط في محاولة اغتيال نائب أذري مناهض للسياسة الإيرانية. وسبق ذلك أن تعرضت السفارة الأذرية في طهران لاقتحام من جانب شخص مسلح، في 27 يناير الماضي، على نحو أسفر عن مقتل مدير أمن السفارة، وهو ما وجهت على إثره باكو اتهامات إلى طهران بالتغاضي عن فرض إجراءات أمنية مشددة حول السفارة.

صحيفة “جوان” (الشباب): ماذا وراء عملية الاغتيال السياسية المشكوك فيها في باكو.. لماذا تصر أذربيجان على تدمير علاقاتها مع إيران؟

دوافع عديدة

مثّلت الخلافات التاريخية والتشابكات العرقية بين إيران وأذربيجان سبباً رئيسياً في توتر العلاقات فيما بينهما، والتي اتسع نطاقها بعد تصاعد حدة الصراع بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناجورني قره باغ، خاصة بعد تغير توازنات القوى في تلك المنطقة لصالح أذربيجان، بمساعدة مباشرة من جانب تركيا وإسرائيل. لكن هذه الخلافات لا تبدو كافية لتفسير أسباب تصاعد التوتر مجدداً بين الطرفين. إذ إن التطورات التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية خلال الفترة الماضية كان لها دور في ذلك، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- مخاوف إيرانية من استنساخ “النموذج الأوكراني”: ترى اتجاهات عديدة في طهران أن هناك محاولات من جانب القوى المناوئة للأخيرة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لاستنساخ النموذج الأوكراني في المنطقة، بما يعني جعل أذربيجان بالنسبة لإيران على غرار أوكرانيا بالنسبة لروسيا، بشكل سوف يوجه تهديدات مباشرة لأمن واستقرار إيران، ويفرض ضغوطاً قوية عليها لاستخدام الخيار العسكري، وهو آخر الخيارات التي تسعى إيران إلى تبنّيها في تفاعلها مع التطورات المحيطة بها، حيث تستعيض عن ذلك بسياسة الحرب بالوكالة.

ومن دون شك، فإن ذلك يعود إلى التشابكات العرقية بين الطرفين، حيث تتواجد القومية الأذرية في أذربيجان وإيران في آن واحد. ومن هنا، فإن هذه الاتجاهات ترى أن القوى الداعمة لهذا المخطط قد يكون لديها توجه نحو السعي لتفكيك إيران عبر استغلال التوازنات العرقية الحساسة جداً داخلها، خاصة أن القوميات الإيرانية المختلفة موجودة على الحدود مع الدول الأخرى.

2- محاولة إسرائيل الرد على الوجود الإيراني في سوريا: لا تستبعد إيران أن تكون لدى إسرائيل رغبة في تعزيز وجودها داخل أذربيجان للرد على وجود إيران في سوريا. وبمعنى آخر، فإن إسرائيل تبدي قلقاً مستمراً إزاء المحاولات التي تبذلها إيران لتوسيع نطاق نفوذها داخل سوريا وبالقرب من الحدود مع إسرائيل، على نحو ترى الأخيرة أنها يهدد أمنها بشكل مباشر. ومن هنا، فإنها لا تكتفي بتوجيه ضربات عسكرية متتالية إلى المواقع التابعة لإيران والمليشيات الموالية لها في سوريا؛ وإنما تسعى بدورها إلى تعزيز نطاق نفوذها في أذربيجان، بشكل يفرض تهديدات مباشرة لأمن إيران أيضاً.

وقد كان لافتاً أن أحد الأسباب الرئيسية التي أنضجت التوتر الحالي يتمثل في افتتاح السفارة الأذرية في تل أبيب، في 29 مارس الفائت، والذي أدلى خلاله وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بتصريحات أثار بها ردود فعل متشددة من جانب طهران، حيث قال إنه “تحدث مع وزير الخارجية جيهون بيرموف حول تشكيل جبهة موحدة ضد إيران، وتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن والطاقة والابتكار”، مشيراً إلى أنه سيزور باكو قريباً مع وفد اقتصادي كبير.

3- الرد على التقارب الإيراني – السعودي: تشير ردود الفعل في طهران إزاء التقارب الكبير بين أذربيجان وإسرائيل، إلى أنه لا ينفصل عن القلق الذي ينتاب الأخيرة، مع الولايات المتحدة الأمريكية، من التقارب في العلاقات بين إيران والسعودية، والذي بدأ بتوقيع اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية في الصين في 10 مارس الفائت، واستكمل باللقاء الذي عُقد بين وزيري الخارجية السعودية والإيراني في بكين أيضاً، في 6 أبريل الجاري.

وفي رؤية واشنطن وتل أبيب، فإن هذا التقارب يُساهم في تقويض الاستراتيجية التي تتبناها وتقوم على فرض قيود شديدة على إيران، وتكوين حشد إقليمي مناوئ لطموحاتها النووية والإقليمية، خاصة أنه جاء قبل استشراف ما سوف تؤول إليه المفاوضات بين إيران والقوى الدولية حول الملف النووي، حيث ما زالت إيران تواصل تطوير برنامجها النووي، حتى وصلت إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 83.7%، وهي النسبة التي تُساهم في اقترابها -إلى حد كبير- من المرحلة التي تمتلك فيها القدرة على إنتاج القنبلة النووية.

ومن هنا، فإن الدولتين اتجهتا إلى استخدام خيارات مختلفة للرد على هذه الخطوة كان من بينها إطلاق تصريحات إسرائيلية خاصة بتكوين جبهة موحدة مع أذربيجان ضد إيران. ويتوازى مع ذلك، وفقاً للرؤية الإيرانية، اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، في 8 أبريل الجاري، إلى إرسال الغواصة فلوريدا المسيرة بالطاقة النووية والتي تحمل 154 صاروخ توماهوك إلى منطقة الشرق الأوسط.

ووفقاً لذلك، فإن هذه الخطوة قد لا تمثل رسالة إلى طهران فقط، مفادها أن واشنطن لن تتغاضى عن محاولاتها استهداف الوجود العسكري الأمريكي في بعض الدول مثل سوريا، وإنما تمثل رسالة أيضاً إلى السعودية والصين وفحواها أن واشنطن موجودة بقوة في المنطقة، وأنه لا يمكن صياغة ترتيبات أمنية وسياسية يمكن أن تؤثر على التوازنات الاستراتيجية في المنطقة في غيابها.

4- نجاح النظام الإيراني في تجاوز الأزمة الداخلية: ما زالت إيران حريصة على الربط بين التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية في الفترة الأخيرة وبين تجاوز النظام للأزمة الداخلية التي فرضتها الاحتجاجات التي اندلعت منذ منتصف سبتمبر الماضي. وقد وصلت هذه المقاربة إلى حد أن النظام يرى أن أحد أسباب توقيع الاتفاق مع السعودية برعاية بكين، هو إدراك الرياض أن نظام ولاية الفقيه ما زال قائماً واستطاع احتواء الاحتجاجات الأخيرة بعد أن ساهمت هذه الاحتجاجات في رفع سقف التوقعات التي تكهنت بإمكانية سقوطه، لا سيما في ظل استمرارها لأكثر من خمسة أشهر.

واللافت في هذا السياق أن النظام يتبنى المقاربة نفسها في التعامل مع التقارب بين إسرائيل وأذربيجان، حيث يرى أن الأولى سارعت إلى اتخاذ خطوات جديدة لتعزيز هذا التقارب، بعد إدراكها أنه لا يوجد خطر داخلي آني يواجه نظام ولاية الفقيه، وأنه من الضروري، وفقاً للرؤية الإيرانية، تفعيل الخيارات الأخرى المتاحة بدلاً من الاعتماد على سياسة “التغيير من الداخل” التي ثبت فشلها حتى الآن.

تصعيد متواصل

تُشير التطورات الأخيرة بين إيران وأذربيجان إلى أن التصعيد سوف يتواصل بين الطرفين خلال المرحلة القادمة. فالشكوك تتزايد والخلافات تتفاقم، فضلاً أن عن ارتدادات التطورات التي تشهدها الساحة الإقليمية تتواصل بقوة. ومن هنا، ربما لا يمكن استبعاد أن يتجاوز التصعيد الحالي مجرد اتخاذ خطوات دبلوماسية متبادلة، في ظل الدوافع والضغوط التي تتعرض لها النخبة الحاكمة في الدولتين لتبني خيارات أكثر تأثيراً في إدارة هذا التصعيد خلال المرحلة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى