أحوال عربيةأخبار العالمأمن وإستراتيجيةالمغرب الكبيردراسات و تحقيقات

أسباب تزايد الاهتمام الأمريكي بتعزيز التعاون مع موريتانيا مركــز تفكيــر

أسباب تزايد الاهتمام الأمريكي بتعزيز التعاون مع موريتانيا مركــز تفكيــر


قامت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشـئون السياسـية فيكتوريا نوالند، بزيــارة موريتانيــا، فــي ١٧ أكتوبــر الجــاري، فــي أول زيــارة لمســئول ُعـد أولـى محطاتهـا فـي أمريكـي منـذ انتخـاب الرئيـس جـو بايـدن، والتـي تزيارتهـا إلـى منطقـة السـاحل، حيـث التقـت الرئيـس الموريتانـي محمـد ولـد الغزوانـي، وأشـادت بـدور نواكشـوط الإقليمـي وبقيادتهـا للحرب على الإرهـاب فـي منطقـة السـاحل. وتأتي تلـك الزيارة فـي إطار اهتمـام الإدارة الأمريكيـة بالقـارة األفريقيـة بشـكل عـام ومنطقـة السـاحل بصفـة خاصـة، وهــو مــا عكســته الزيــارات المتعــددة لمســئوليها لبعــض دولهــا، وكان أبرزهـا الزيـارة الثانيـة لوزيـر الخارجيـة الأمريكـي أنتوني بلينكـن، للقارة منـذ تسـلمه منصبـه، خـال الفتـرة مـن ٧ إلـى ١١ أغسـطس الماضـي،
وإعالنـه عـن االسـتراتيجية الأمريكيـة تجـاه القـارة. أهداف متعددة تتنـوع األهـداف الأمريكيـة مـن تعزيـز العالقـات مـع موريتانيـا وإعـادة االنخـراط فـي منطقـة السـاحل األفريقـي بعـد فتـرة مـن توتـر العالقـات األمريكية-األفريقيـة خـال إدارة الرئيـس األمريكي السـابق دونالد ترامب، ويتمثـل أبرزهـا فيمـا يلـي:
١ -دعـم جهـود مكافحـة اإلرهـاب: حرصـت فيكتوريـا نوالنـد علـى تقديـم الدعــم للسياســة التــي تتبناهــا موريتانيــا فــي مكافحــة اإلرهــاب، حيــث قالـت عقـب لقاءهـا مـع الرئيـس الموريتانـي أن “موريتانيـا تعتبـر واحـة الاسـتقرار فـي منطقـة السـاحل الأفريقـي”، مشـيدة بـدور نواكشـوط فـي مكافحـة الإرهـاب ومنـع التطـرف العنيـف. وقـد أشـار تقريـر صـادر عـن مركـز أفريقيـا للدراسـات االسـتراتيجية، ً فــي هجمــات التنظيمــات الإسـلـامية فــي ٢٩ ّ ســبتمبر الفائــت، إلــى أن منطقــة الســاحل الغربــي شــهدت تصاعــدا المتشـددة منـذ عـام ٢٠١٩ ،والتـي وصلـت إلـى أربعـة أضعـاف. وقد اتسـع نطـاق هذه الهجمـات لدرجـة أن اتجاهات ً علـى اإلخفاقـات العسـكرية األمريكيـة فـي جميـع أنحـاء القـارة، ال سـيما فـي منطقـة السـاحل.
عديـدة اعتبرتـه دليـا ُ ولذلـك وجهـت العديـد مـن االنتقـادات إلخفاقـات السياسـة األمريكيـة لمواجهة اإلرهـاب في أفريقيا عامـة وفي منطقة السـاحل بشـكل خـاص، وهـو مـا يبـدو أنـه دفـع اإلدارة األمريكيـة إلـى التركيـز فـي اسـتراتيجيتها تجـاه القـارة علـى
السـعى إلـى تحسـين قـدرة شـركاء واشـنطن مـن الـدول األفريقيـة علـى تقويـة االسـتقرار واألمـن اإلقليمييـن، فقـد
أجـرى الجيـش األمريكـي تدريبـات عسـكرية في تونـس والمغرب وجيبوتـي وغانا والسـنغال والصومال وبوتسـوانا
وزامبيـا وتنزانيـا وسـاحل العـاج والنيجـر وكينيـا بهـدف تعزيـز األمـن واالسـتقرار األفريقـي، ونقـل مهمـة مكافحـة
اإلرهـاب لـدول القـارة، باإلضافـة إلـى الحـد مـن تهديـدات التنظيمـات اإلرهابيـة للواليـات المتحـدة، ومواطنيهـا،
ومنشـآتها الدبلوماسـية والعسـكرية، بجانـب إعـادة االنتشـار العسـكري بالقارة.
2 -تكريـس الـدور الأمريكـي فـي أفريقيـا: أعلنـت اإلدارة األمريكيـة خـال الزيـارة الثانيـة ألنتونـي بلينكـن ألفريقيـا
عـن االسـتراتيجية الأمريكيـة تجـاه أفريقيـا جنـوب الصحـراء، والتي تسـعى الولايـات المتحدة من خاللهـا إلى تحقيق
عـدة أهـداف رئيسـية فـي القـارة، أهمهـا الموازنـة بيـن االنتشـار العسـكري األمريكـي في القـارة والعمل الدبلوماسـي
والتنمـوي، وال سـيما بعـد دعـوات عديـد مـن المشـرعين الأمريكييـن إدارة الرئيـس جـو بايـدن إلحـداث تحـول فـي
سياسـة اإلدارة تجـاه القـارة مـن التركيـز العسـكري، والتـي هيمنـت علـى السياسـة األمريكيـة علـى مـدى العقديـن
الماضييـن، حيـث أنفقـت الواليـات المتحـدة وشـركاؤها مليـارات الـدوالرات لدعـم جهـود االسـتقرار مـن خـال دعم العمليـات العسـكرية ضـد التنظيمـات اإلرهابيـة وتعزيز القدرة العسـكرية لدول القـارة لمواجهة التهديـدات اإلرهابية،
ومنـح األولويـة للعمـل الدبلوماسـي والتنموي.
٣ -مواجهـة النفـوذ الصينـي المتزايـد: ركـزت التحـركات األمريكيـة فـي القـارة علـى مواجهـة مسـاعي الصيـن
لتعزيـز تواجدهـا العسـكري واالقتصـادي، وال سـيما بعـد تأسـيس بكيـن قاعـدة عسـكرية بجيبوتـي فـي عـام ٢٠١٧ ،
بجانـب عالقاتهـا التجاريـة واالسـتثمارية مـع دول القـارة، حيـث أصبحـت بكيـن أكبـر شـريك تجـاري منفـرد للعديـد
مـن الـدول األفريقيـة، وأنشـأت مشـاريع بنيـة تحتيـة ضخمـة مـن خـال مبـادرة الحـزام والطريـق. وفـي السـنوات
األخيـرة، عـززت بكيـن تعاونها العسـكري والشـرطي مـع الدول األفريقيـة لحماية مصالحها االقتصاديـة ومواطنيها.
ً، خاصـة بعد أن اتخـذت بكين، في
ويبـدو أن واشـنطن تتابـع بدقـة تطـورات العالقـات بيـن الصيـن وموريتانيـا تحديدا
ً بتخفيـض الديـون المسـتحقة علـى نواكشـوط، بشـكل يمكـن أن يدفـع األخيـرة إلى توسـيع
25 ينايـر الماضـي، قـرارا
نطـاق التعـاون االقتصـادي معها.
٤ -فـرض عزلـة دوليـة علـى روسـيا: تهـدف التحـركات األمريكيـة فـي أفريقيـا، فـي قسـم منهـا، إلـى مواجهـة
النفـوذ الروسـي فـي القـارة، حيـث تعـد موسـكو أكبـر مـورد لألسـلحة لدولهـا، وقـد اسـتثمرت شـركاتها بكثافـة فـي
الصناعـات االسـتخراجية فـي القـارة، وكذلـك تحـاول كسـر العزلـة الدوليـة التـي تفرضهـا عليهـا الـدول الغربيـة
ً عـن إنهـاء حيـاد العديـد مـن الـدول
بتعزيـز حضورهـا فـي القـارة، حيـث تتزايـد المصالـح الروسـية فيهـا، فضـا
األفريقيـة تجـاه الحـرب الروسـية-األوكرانية المسـتمرة منـذ ٢٤ فبرايـر الماضـي، أو التصويـت لصالـح موسـكو في
المؤسسـات الدوليـة، وال سـيما منظمـة األمـم المتحـدة ومجلـس األمـن الدولـي التابـع لها، ضد القـرارات التـي تقودها
الواليـات المتحـدة وحلفاؤهـا ضـد العمليـات العسـكرية الروسـية.
وخـال زيـارة نوالنـد لنواكشـوط، أكـد الرئيـس الموريتانـي محمـد ولـد الغزوانـي، إدانتـه الحـرب الروسـية “غيـر
المبــررة” ضــد أوكرانيــا ومــا رتبتــه مــن تداعيــات، وتصرفــات روســيا التــي تفاقــم مشــاكل األمــن الغذائــي مــن
خـال إحـداث نقـص فـي السـلع والتسـبب فـي ارتفـاع أسـعارها ممـا يعـرض مالييـن األفارقـة لمخاطـر كبيـرة
ً مـا تضغـط الواليـات المتحـدة علـى الـدول األفريقيـة لعـدم اللجـوء إلى مجموعـة “فاجنر”
ً لتصريحاتـه. وكثيـرا
وفقـا
الروسـية لسـد احتياجاتهـا األمنيـة، بعـد تزايـد دورهـا فـي العديـد من الـدول األفريقيـة، وال سـيما ليبيا وبوركينافاسـو
وجمهوريـة أفريقيـا الوسـطى ومالـي.
٥ -مواصلـة تقديـم مسـاعدات إنسـانية: مـع تضـرر العديـد مـن الـدول األفريقيـة مـن الحـرب الروسـية–الأوكرانية ً من جائحـة كوفيـد-١٩ ،قدمـت الإدارة الأمريكية ً وصحيـا وتأثيراتهـا علـى األمـن الغذائـي فيهـا، ومعاناتهـا اقتصاديـا العديـد مـن المسـاعدات اإلنمائيـة واإلنسـانية للعديـد مـن دول القـارة. فقـد أشـارت نوالنـد خـال زيارتهـا لموريتانيـا إلـى أن الولايـات المتحـدة بجانـب كونهـا أكبـر مسـاهم فـي برنامـج الغـذاء العالمـي، سـتقدم لموريتانيـا مـن خـال برنامـج “ماكجفـرن-دول” الدولـي للغـذاء والتعليـم ٥,٢٨ مليـون دوالر علـى مـدى خمـس سـنوات إلطعـام مـا يقرب مـن ١٠٠ ألـف طالـب كل عـام مـن إجمالـي ٣٢٠ مدرسـة ابتدائيـة فـي عـدد مـن الواليـات الموريتانيـة. وبخصوص جائحـة كوفيـد -١٩ ،أشـارت إلـى أن الواليـات المتحـدة قدمـت لموريتانيـا ٦٤,١ مليـون جرعـة لقـاح، كمـا كشـفت أن مشـاريع الوكالـة األمريكيـة للتنميـة الدوليـة مثـل “تمكين” و”نافوري” سـتوفر اسـتثمارات بقيمة ٢٤ مليـون دولار لالرتقـاء بالشـباب الموريتانـي مـن خـال التدريـب وصقـل المهـارات والتكوين المهنـي لخلق فرص عمل مسـتدامة، والتخفيـف مـن حـدة النزاعـات وبناء شـبكات للشـباب.

تحديات رئيسية
علـى الرغـم مـن عـودة الاهتمـام الأمريكـي بالقـارة األفريقيـة، إال أن اسـتراتيجية األمن القومـي التي أصدرتهـا إدارة الرئيـس جـو بايـدن، فـي ١٢ أكتوبـر الجـاري، لـم تناقـش التهديـدات التـي تشـهدها القـارة، والسياسـات الأمريكيـة ً عــن أن عــودة الاهتمــام يواجــه بعديــد مــن التحديــات التــي تعــوق الأهــداف
للتعامــل معهــا بشــكل بــارز.

فضــا الامريكيـة لتعزيـز الحضـور العسـكري واالقتصـادي والسياسـي فـي القـارة، ومواجهـة النفوذيـن الصيني والروسـي المتنامييـن بقـوة فـي أفريقيـا.
وتتمثـل أبـرز تلـك التحديـات فـي أن العديـد مـن سـفارات الواليـات المتحـدة فـي العديـد مـن الـدول األفريقيـة تعانـي
مـن نقـص مزمـن فـي الموظفيـن؛ ممـا يقـوض أهـداف السياسـة الخارجيـة األمريكيـة فـي القـارة، وهو التحـدي الذي
ُيعطـي األولويـة للتعـاون العسـكري واألمنـي علـى مـدى العقـود القادمـة، مـع تقليـص مسـاحة األدوات الدبلوماسـية
والتنمويـة، بجانـب تركيـز اإلدارة األمريكيـة علـى تحديـات األمـن القومـي التـي تهـدد الداخـل األمريكـي، وحلفـاء
الواليـات المتحـدة فـي أوروبـا بعـد الحـرب الروسـية-األوكرانية، والتنافـس مـع الصيـن فـي منطقـة اإلندوباسـيفيك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى