في الواجهة

أزمة الرئيس بايدن

رشيد غويلب

استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة غير سارة بالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن. واستنادا على معطيات هذه الاستطلاعات، يقدمه الاعلام كرئيس لا يحظى بشعبية. ولذلك حاول التصدي لهذه الصورة، في 7 شباط الحالي، “خطابه عن حالة الاتحاد».

يعتقد 62 في المائة من الأمريكيين أن بايدن لم يحقق الكثير خلال فترة ولايته. ومع ذلك، ارتفع التأييد لسياسته قليلا، مقارنة بالأسابيع الثلاثة الفائتة، ليصل الى 41 في المائة، ومن اجل الفوز بدورة رئاسية ثانية عليه ان ينجح بأقناع المزيد من الناخبين.

لقد وعد الرئيس بوضع سياسة اقتصادية، لصالح العاملين والفئات الوسطى، بواسطة مشاريع البناء والبنى التحتية الكبيرة. وعلى الرغم من انخفاض معدل البطالة إلى مستوى قياسي بلغ 3,4 في المائة، نتيجة لتوفير الكثير من فرص العمل الجديدة، فان هذه الصورة فقدت بريقها، نتيجة لانخفاض القدرة الشرائية، على خلفية ارتفاع هائل لمعدلات التضخم وتراكمه. لقد ارتفعت الأسعار بنسبة 15 في المائة.

يخاطب الرئيس بإلحاح أوساط الناخبين الذين تأثروا بأولويات دونالد ترامب السياسية. لقد تم نقل الكثير من مواقع الإنتاج ومعها فرص العمل الى خارج البلاد، وأصبحت الكثير من المدن ومعها أوساط العاملين منسية. وان فرصة العمل لا تنحصر بالأجر، بل ترتبط بالكرامة واحترام الذات والفخر. يريد الرئيس استعادة هذه القيم المفقودة من خلال السعي لإيجاد نموذج اقتصادي يصلح للجميع، انطلاقا من فكرة إمكانية نهوض أمريكا ثانية: “سوف نتأكد من أن سلسلة التوريد لأمريكا تبدأ في داخل أمريكا».

في خطابه “ النضالي” عن حالة الاتحاد، أكد بايدن أنه يتمتع بالطاقة لفترة رئاسية ثانية. يلزم الدستور الأمريكي رئيس الجمهورية بتقديم تقريرا ر إلى الكونغرس عن حالة الاتحاد وفي عصر وسائل الاعلام الجماهيرية تتجاوز مهمة الخطاب تقديم تفسيرات للسلطة التشريعية، ليتحول الى وسيلة هامة لمخاطبة الراي العام الأمريكي مباشرة. في العام الفائت، شاهد الخطاب قرابة 38.2 مليون أمريكي، مباشرة وعلى الهواء.

يعتبر خطاب هذا العام بداية غير رسمية لحملة انتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2024. ويتعين على الرئيس البالغ من العمر 80 عامًا، ان يقنع أولا أوساط الحزب الديمقراطي، التي تشك في قدرته على الاستمرار في دورة رئاسية ثانية. وعليه ايضا أن يضع أسس التعاون مع الجمهوريين، الذين فازوا بأغلبية في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني الفائت.

لذلك أكد بايدن على المشتركات السياسية مع الجمهورين، مشير الى تعاون الحزبين في العامين الفائتين في اصدار قوانين مهمة. وقال وهو يصافح معارضيه: “إذا كنا قادرين على العمل معا في الكونغرس السابق، فليس هناك ما يمنعنا من العمل سوية في الكونغرس الجديد».

في الوقت نفسه، يناضل الرئيس من أجل سياساته الخاصة. سيتعين على الشركات الغنية والكبيرة أن تدفع المزيد مقابل استثمارات الدولة في البنية التحتية والرعاية الصحية وتحول الطاقة أو التعليم الأفضل. وهكذا يلعب الرئيس دور محامي الفقراء والفئات الوسطى في مواجهة فاحشي الثراء.

وظف الرئيس خطابه أمام جناحي السلطة التشريعية، الذي استمر قرابة 70 دقيقة، لمهاجمة المعارضة، لا سيما بشأن الخلاف بشأن تحديد سقف الديون: “يريد بعض أصدقائي الجمهوريين احتجاز الاقتصاد كرهينة، إذا لم أوافق على خططهم الاقتصادية”. وبدلاً من التأكد من أن الأغنياء يدفعون “حصتهم العادلة”، يريد بعض الجمهوريين تحجيم الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي.

على الرغم من مغازلة الجمهوريين وصافحة وتهنئة كيفين مكارثي ، رئيس مجلس النواب الجديد ، المعروف بكونه يميني متشدد، ذكر الرئيس، مكارثي بأن الديون ارتفعن بسرعة خلال عهد ترامب: “في أربع سنوات ، لم يساهم أي رئيس في ارتفاع الدين القومي مثل سلفي”. ومع ذلك، رفع البرلمان في ذلك الحين سقف الديون دون قيد أو شرط: “أدعو الكونغرس الى الاستمرار في ذلك».

قبل عام، كان خطابه الأول عن حالة الاتحاد، مخصصا للغزو الروسي لأوكرانيا، ركز بايدن هذه المرة بشكل أساسي على القضايا الداخلية. لكنه لم يهمل ملفات السياسة الخارجية. كان غزو بوتين بمثابة اختبار لأمريكا: “هل ندافع عن المبادئ الأساسية؟” هل سيدافع الأمريكيون عن مبدأ السيادة، والدفاع عن الحرية والديمقراطية؟ ‘نعم سنفعل ذلك. ووقد فعلناه «.

ودون ان يذكر اسم دونالد ترامب، الذي قد يكون خصمه مرة أخرى في انتخابات عام 2024، أشار بايدن إلى السؤال المهم في هذه الانتخابات كما يعتقد: “يجب ألا ننظر إلى أنفسنا كأعداء، بل كمواطنين أميركيين. نحن شعب طيب، الأمة الوحيدة القائمة على فكرة”. لهذا السبب فهو متفائل:” علينا فقط أن نتذكر من نحن».

ردود فعل الجمهوريين

كانت ردود فعل الجمهوريين على الخطاب واضحة: اتهم ترامب وسارة هاكابي ساندرز حاكمة ولاية اركنساس الرئيس الأمريكي بالافتقار إلى القدرة على القيادة، واتهمه ترامب أيضًا بـ “بتدمير البلاد”. وقاد بايدن أمريكا إلى “حافة الحرب العالمية الثالثة”، وبدد تريليونات الدولارات بالتعاون مع “الديمقراطيين المتطرفين”، وتسبب في “أسوأ تضخم”. ويستخدم وزارة العدل لاتخاذ إجراءات ضد المعارضين السياسيين. وتشن حكومته “حربا على حرية التعبير” وتحاول تلقين الأطفال.

لكن الخبر السار، على حد قول ترامب، “هو أننا سنتجاوز كل أزمة ومأساة وكارثة تسبب بها جو بادين. أنا سأترشح لمنصب الرئيس لإنهاء تدمير بلدنا ولإكمال العمل غير المكتمل لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى».

نجح جو بايدن في إتقان عملية التوازن السياسي في خطابه التقليدي عن “حالة الاتحاد”. وفي زمن الحرب، اعطى الأولوية الى التفاؤل والتقدم والمصالحة. “أمريكا أولاً”، وقبل كل شيء، “متحدة”. وهذا مطلب عللي وغير متحقق لأمة منقسمة.

القى الرئيس بالكثير من الثناء على إنجازات الديمقراطيين: الكفاح الناجح ضد البطالة، ووتوفير12 مليون وظيفة، وخفض التضخم، وتحسين البنية التحتية، وبرنامج الاستثمار بمليارات الدولارات لإعادة هيكلة الاقتصاد بطريقة محايدة مناخيا. ويجب مواصلة العمل السياسي من أجل رعاية صحية أفضل وأدوية ميسورة وفرص تعليمية أكثر إنصافًا ومزيدًا من العدالة الضريبية.

وفي حديثه بشأن الصين، أكد بايدن أن الولايات المتحدة “تبحث عن المنافسة وليس الصراع”. لكنه، في إشارة إلى إطلاق المنطاد الأبيض، حذر أيضًا: “إذا كانت الصين تهدد سيادتنا، فسنعمل على حماية بلادنا، وقد فعلنا ذلك»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى