وقف اطلاق النار .. انتصار فلسطيني وخذلان صهيوني

كاظم ناصر
(Kazem Naser)
مع دخول وقف إطلاق النار بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي ودولة الاحتلال حيز التنفيذ، خرج المقاومون بأعداد كبيرة، وانتشر مقاتلو حماس في معظم مدن غزة لضبط الأمن، وإرسال رسلة مفادها أن حماس ما زالت صامدة وباقية ويجب أن تكون جزأ من أي ترتيبات مستقبلية في القطاع، واعتبره الفلسطينيون وأبناء الشعوب العربية الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتفال به نصرا مؤزرا ستكون له نتائج وتداعيات هامة، قصيرة وبعيدة المدى، على القضية الفلسطينية والعالم العربي؛ وفي المقابل، وعلى الرغم من محاولات بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته الادعاء بأنهم انتصروا، فإن وجهات نظر الصهاينة كانت متباينة؛ فمنهم من يرى أن دولتهم حققت أهدافها وتمكنت من القضاء على مقدرات حماس، ومنهم من يعتقد أنها فشلت في تحقيق إي من أهداف الحرب الرئيسية الثلاث وهي إرغام حركة حماس على اطلاق سراح الأسرى دون مقابل، والقضاء التام عليها وعلى نفوذها وإنهاء حكمها لغزة، وتأمين أمن المستوطنات في محيط القطاع، وهزمت وأرغمت على التفاوض مع حماس وقبول معظم شروطها والموافقة على إطلاق سراح 1737 سجينا فلسطينيا بينهم 120 امرأة وطفل، و 296 يقضون أحكاما بالسجن المؤبد.
ولخص المختص بالشؤون العربية تسفي يحزقالي الهزيمة الإسرائيلية بالقول” بعد 15 شهرا من القتال لم ننجح في تغيير معادلات الحرب في غزة. دمرنا العديد من المنازل، وقدمنا خيرة أبنائنا، وفي النهاية النتيجة في نفس الصيغ، حماس فرحة، وهناك في غزة احتفالات فرح، والمساعدات تدخل والنخبة تعود.” ورأت ” القناة 12 ” الإسرائيلية أن ” كتائب حماس احتفظت بقوتها، وما يجري الآن يؤكد وجودها في كل مكان وسيطرتها على القطاع رغم الحرب الطويلة.” والدليل الآخر على فشل حرب الإبادة البربرية الإسرائيلية هو أنها كانت السبب في استقالة العنصري المتطرف بن غفير من الحكومة، وأحدثت انقسامات رسمية وشعبية غير مسبوقة في الدولة الصهيونية، وأدت إلى نزوح مئات آلاف المهاجرين الصهاينة إلى دول أخرى.
وعلى النقيض من زعم دولة الاحتلال بأنها حققت أهدافها، فقد صمد الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية ورفضوا الاستسلام والتهجير، واصروا على البقاء في وطنهم ومواصلة التحدي ومواجهة دولة الاحتلال وأمريكا وبعض الدول الأوروبية بإمكانيات محدودة جدا وبشجاعة وتضحيات هائلة منقطعة النظير، وأدموا إسرائيل وأرغموا ملايين سكانها على المبيت في الملاجئ وأذاقوهم طعم الرعب لشهور طويلة، وكشفوا حقيقتها كدولة احتلال وتطهير عرقي وتفرقة عنصرية هشة تعتمد إلى حد كبير على دعم الولايات المتحدة وبعض دول الغرب لحمايتها، وبينوا لشعوب العالم نفاق دول الغرب وعرّوا قيمها وأكاذيبها التي تروجها عن التزامها بالدفاع عن الانسان والحق والعدالة والمساواة، وحققوا في حرب غزة ما لم تحققه الجيوش العربية منذ قيام دولة الاحتلال وستظل بطولاتهم محفورة في التاريخ، ووضعوا القضية الفلسطينية في مقدمة القضايا الدولية، واثبتوا للعرب شعوبا وحكاما أن إرادة المقاومة الشعبية لا تقهر وان الشعب فلسطين عصي على الكسر رغم تكالب العرب وخذلان الأنظمة العربية، ووضعوا حكام وأنظمة التطبيع في مأزق، وخلقوا جبهة عالمية مؤيدة لقضيتهم وحقوقهم.
نحن كشعب فلسطيني أثبتنا للعالم أننا قادرون على تحمل الحروب والدمار والتمسك بأرضنا ووطننا الذي نرفض مغادرته مهما كانت قساوة الظروف التي نعيشها. ولهذا يجب علينا أن نوحد أنفسنا ونتفق على آلية لإدارة غزة وإعمارها وإيواء ومساعدة أهلنا هناك، وعلى تشكيل حكومة وفاق وطني تتولى الاعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية تمكن شعبنا من انتخاب قيادات تمثله وتتفق على استراتيجية موحدة لمقاومة الاحتلال وإنهائه وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.