رأي

أَلْخَوْفُ غَريزَةٌ والْجُبْنُ رَذيلَةٌ

 
زعيم الخيرالله
————
الكثيرونَ لايُمَيِّزونَ بينَ مُفْرَدَتَيْ الخَوفِ كغريزةٍ أَوْدَعَها اللهُ في أًعماقِ النَّفْسِ الانسانِيَّةِ ومُفْرَدَةِ الجُبْنِ كَرَذيلَةٍ أَخلاقِيَّةٍ . الغَريزةُ لاعيبَ فيها وانَّما العيبُ في سُوءِ استخدامِها . الغَريزَةُ يجب أَنْ تَخْضَعَ لِمِيزانٍ دَقيقٍ مضبوطٍ ، لا اِفراطَ فيهِ ولاتفريط . خلقَ الله فينا الخوفَ لكي نَتَنَبَهَ ونحذر ، ونكون يقظين من خطط الاعداء ووساوسِ ابليس وتسويلاتِ النَّفْسِ الأمّارَةِ بالسٌوء .
الخَوفُ كما عَرَّفَهٌ الجُرْجانيُّ : ” هو توقعُ حُصولِ مَكروهٍ أَو فَواتُ مَحبوبٍ ” ، الخوف هو توقع انَّهُ يتعلق بأمرٍ مُسْتَقْبَلِيٍّ ، وهناك آياتٌ أَشارَتْ لذلك ، منها :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ). البقرة: الاية:(62). فهولاء مُؤَمَّنُونَ من الخوف المُتَوَقَع ومن الحُزنِ الواقعِ
وقولُهُ تعالى : (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ). آل عمران: الآية:(170). واللهُ تعالى يتحدثُ عن الشهداء وهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم وظلوا في دار الدنيا بأَنَّهُم مُؤّمَّنُونَ من الخوف المستقبلي والحُزْنِ النازل . وقولُهُ تعالى : ( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا).الاحزاب: الاية: (19).
والآيَةُ تَتَحَدَث عن خَوفٍ مستَقبليٍّ لو جود اذا وهي اداة شرط غير جازمة لما يستقبلُ من الزمان .
الخَوفُ هو غَمٌّ يعتري القلب ولكن من توقع مكروه أَو فوات محبوبٍ . أَمّا الحُزنُ فهو غَمٌّ من أَمرٍ واقعٍ كقول الله تعالى على لسانِ النبي (ص) لصاحبِهِ : (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ). التوبة: الاية: (40). فهنا النبي صلى الله عليه وآلِهِ وسَلَّم قال لصاحبه ” لاتحزن” ؛ لانَّ الحُزنَ قد وَقَعَ من صاحبِهِ .
وهناك خَوفٌ ممدوحٌ كالخَوفِ من الله والخوفِ من عذاب الآخرة ، يقول الله تعالى:
(يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩).النحل: الاية: (50) ، وهناك خوفٌ يختبرُ اللهُ بهِ عبادَهُ :(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).البقرة: الاية: (155).
وهناك خوفٌ بمعنى الحَذر كما في قولِهِ تعالى :
كخروج موسى خائفاً يترقب بمعنى يحذر من ملاحقةِ العَدُوِّ لهُ . يقول الله تعالى :(فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).القصص: الاية: (21). وكقولِهِ تعالى:
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).النساء: الاية:(128).
فالخوفُ ليس مُعادِلاً للجُبْنِ ، وانما الخوفُ غريزةٌ غَرَزَها اللهُ في اعماقِ النفس الانسانيَّةِ لتنبيهها وايقاظها وتجنيبها المخاطر والمزالق . وأَمّا الجُبْنُ فهو رذيلَةٌ اخلاقيَّةٌ تعني التهيب وعدم الاقدام واقتحام المواطن التي يَتَوَجَبُ الاقدامُ فيها . الجُبنُ تُقابلُهُ الشَّجاعَةُ وأَمّا الخَوفُ فيقابِلُهُ الرَّجاء ، كما في قوله تعالى :
(وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ). الاعراف: الاية: (56).
آمُلُ أَنْ أكونَ وَضَّحْتُ الفارقَ بينَ الخوف كغريزةٍ والجُبْنُ كَرَذيلَةٍ اَخلاقِيَّةٍ .
.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى