ودارت الأيام
مهند سري
في مثل هذه الأيام من عام 2003، تعطلت سيارتي ” العكروك”، بالقرب من مستشفى ابن الهيثم، وكانت الشوارع خالية، إلا من الحواسم، فصاح عليّ احدهم: ” عوفها، وتعال أخذ هذي الفولفو”، فتذكرت القول المأثور : وهب الأمير مالا يملك، لكن الأميرهنا استباح ممتلكات الدولة وتبغدد بها، وهي بداية لاتبشر بخير، فقررت أن ادفع السيارة إلى بيت أحد الأصدقاء القريبين، لكني وجدته مشغولا بسحب مولدة 500 كي في، من أحد المستشفيات، فلما وجدني أمامه اندفع لتقديم سلسلة من المبررات، برغم أنني لم أسأله ولم اطلب منه توضيحاً، لكنه، كما يبدو يريد أن يحافظ على منظومة القيم التي كان يتشدق بها معي.
تركت السيارة على الرصيف، وقلت مع نفسي ” الناس مشغولة بالتقاط النفائس، من يلتفت إلى هذه العكروك”.
مشيت الهوينا وانا ارى بأسى مؤسسات الدولة تنهب، وهي مقدمات لمرحلة جديدة من الفساد، لكن أحاول أن أجد مسوغات لواقع بلد استبيح خارجياً وداخلياً، محاولاً طرد الأفكار الشيطانية عن طبيعة مايجري، وربطها بكل الحوادث والمجازر والفرهود الذي قرأنا عنه، ثم اتدارك : لا انه الحرمان والجوع وسنوات الحصار، إنها الطبقية التي سادت، وقسمت المجتمع إلى طبقة متخمة، وأخرى مسحوقة، غير أن الأحداث التي شجع لها المحتل، وصورها، كانت لها مغاز اخرى، لعل من بينها، اختيار أسلوب التعامل مع البلد المحتل.
ومادريت أن سراق المصارف، وسراق المولدات، وسراق المقتنيات، وسراق الأجهزة الطبية، وسراق السلاح، سيشكلون الطبقية الجديدة في العراق، بل سيحددون مساراته اللاحقة.
ومن المضحك المبكي أن صديقي الزميل عدنان الجبوري، رحمه الله، حدثني أن جاره، رسم خطة لأولاده تعتمد على توزيع الواجبات : جماعة تأتي بالغلة من الدوائر، والمعسكرات القريبة، وجماعة تحرس البيت، وفاته أن بيته الكبير سرق بالكامل، المهم وخلال انشغاله بتنظيم المهمات، أذن المؤذن لصلاة الفجر، وقف لصوت التكبيرات ليؤدي دوره الوعظي : كافي ولدي، صلوا وناموا.
وهنا تذكرت قصيدة الراحل أحمد فؤاد نجم : يا بلدنا يابكره ولادنا يام الدنيا والدين.