“والي المدينة”


صباح بشير:
“والي المدينة”.. ومضات سهيل
عيساوي تضيء عوالم مكثّفة
من بين ثنايا الكلمات وعبق الحبر، تشرق علينا
باكورة أدبيّة جديدة للكاتب سهيل عيساوي، بعنوان:
“والي المدينة”، وهي مجموعة قصصيّة قصيرة جدّا،
تسافر بنا إلى عوالم مختلفة، تحلّق في سماء الواقع
الاجتماعي والسّياسيّ الّذي نعيشه، وتحرّك الأحاسيس
المختلفة في الوجدان.
سأقدّم في هذه المقالة لمحة موجزة عنها، أسلّط الضّوء
على عوالمها المكثّفة؛ لنستكشف معا، أسلوب الكاتب
في نسج هذه القصص، الّتي تشبه ومضات خاطفة
تثير التّساؤلات وتحرّك المشاعر.
صدرت هذه المجموعة الّتي تضمّ ثمان وخمسين قصّة
مختلفة، عن دار سهيل عيساوي للطّباعة والنّشر،
وتقع في أربع وستّين صفحة من الحجم المتوسّط،
يفتتحها الكاتب بالإهداء (ص3) فيكتب: “إلى عشّاق
الشّمس، الّذين يحملون هموم النّاس البسطاء.. إلى
أصحاب القلوب الكبيرة”.
من المعروف أنّ القصّة القصيرة جدّا تشبه ومضة
خاطفة، تنير زوايا النّفس المظلمة؛ كنافذة صغيرة
تطلّ على عوالم شاسعة، تثير في النّفس تساؤلات
عميقة، وتغادرها معلّقة بين الأرض والسّماء، لتبحث
عن إجابات في فضاءات الخيال.
هي صرخة في وجه الرّتابة، ولغز أدبيّ مثير، يخبّئ
في طيّاته حكايات لا تحصى، تشعل الخيال وتطلق
العنان للتّفكير والتّأويل، وهي فنّ يتقن لغة الإيجاز
للتّعبير عن عوالم كاملة في سطور قليلة.
في هذه المجموعة، يضع عيساوي بصمته الخاصّة،
يتركها في قلب القارئ، ليثير فيه مشاعر متضاربة،
ويجبره على مواجهة ذاته، والتّفكّر في معنى الوجود
ومآسي الحياة، وذلك عبر رحلة قصيرة، لكنّها عميقة
بالمعنى، تكشف عن خبايا الحياة وأسرارها؛ كمرآة
صغيرة تعكس واقعا كبيرا، وتلخّص حياة بأكملها في
لحظة عابرة.
“والي المدينة” كعنوان للمجموعة:
عنوان “والي المدينة” هو اختيار دقيق ومثير
للاهتمام، فهو يحمل في طيّاته العديد من الدّلالات
الّتي يمكن أن تتشعّب في اتّجاهات مختلفة.
هذا العنوان لا يقتصر على الإشارة إلى شخصيّة
سياسيّة محدّدة، بل يتجاوز ذلك ليصبح رمزا يحمل
العديد من المعاني، وأوّل ما يتبادر إلى الذّهن عند
ذكر “والي المدينة” هو صورة الحاكم والقائد.
الوالي يمثّل السّلطة والقوّة، وهو شخصية محوريّة في
أيّ مجتمع. يمكن لهذا العنوان أن يستخدم كرمز
للسّلطة بشتّى أنواعها، سواء كانت سياسيّة أو
اجتماعيّة أو دينيّة، والقصص في هذه المجموعة
تتناول جوانب مختلفة من السّلطة، مثل تعسّفها، أو
عدالتها، أو تأثيرها على حياة النّاس، تستكشف
القصص أيضا الصراع بين السّلطة والفرد، وبين
السّلطة والقيَم الأخلاقيّة.
“المدينة” في العنوان لا تشير فقط إلى مكان جغرافيّ،
بل هي رمز للمجتمع بكلّ تعقيداته وتاريخه،
فالقصص تتناول أيضا التّقاليد والعادات والقيَم الّتي
تربط النّاس بمدينتهم، وكيف تتفاعل هذه القيَم مع
التغيّرات الاجتماعيّة والسّياسيّة.
صحيح أنّ والي المدينة يمثّل السّلطة، لكن.. يمكن أن
تمثّل الشخصيّات الأخرى في القصص، الفرد الّذي
يسعى إلى تحقيق ذاته في ظلّ هذه السّلطة، فالقصص
تستكشف أيضا الصّراع بين الفرد والمجتمع، وبين
الرّغبة في التّغيير والحفاظ على التّقاليد.
قصّة “طوشة” (ص5)، تقدّم صورة مكثّفة لواقع
اجتماعيّ معقّد، وتسلّط الضّوء على ظاهرة العنف،
وانتشار ثقافة “الشّلليّة” بين فئة الشّباب.
تنطلق أحداث القصّة بخطىً سريعة، حيث يبدأ
“المعتدي” بالتّحديق بالضّحيّة بنظرات حادّة تنذر