هل يتحول الحراقة إلى مجرمين ؟ الهجرة و الجريمة


الهجرة ظاهرة كونية لا حدود لها تتبع القانون الوجودي للبشرية. وهي ظاهرة قديمة قدم الإنسان نفسهُ كما هي الجريمة،
تواكبهُ خلال مسيرتهِ في هذا الوجود. الأستاذ (ايفرت ألي) عرفها بأنها:” التغيير الدائم أو شبه الدائم لمكان الإقامة، وليست هناك تقييدات على المسافة أو كونها حرة أو إجبارية، ولا تفريق بين الهجرة الخارجية أو الداخلية”. كما وصفها الفيلسوف الألماني (كانت) بأنها:” تاريخ للاضطهاد السياسي من خلال الانشقاق المُتتابع في الجماعات الإنسانية”.
وقد أهتم الباحثون بالهجرة، اهتمامًا لا ينصبُ فقط على التغييرات المُتعلقة بها من حيث حجمها وحركتها، وإنما أهتمامًا ينصب على أثارها السلبية والمشاكل الناجمة عنها كالهجرة غير المشروعة وهجرة العقول والكفاءات وهجرة الأيدي العاملة والتحركات غير المشروعة للأجانب، وأيضا السلوك الإجرامي المُتولد عنها.
ما الذي يدفع الإنسان إلى الهجرة؟
البشر بطبيعتهم دائمي التنقل والحركة باحثين عن حياة أفضل واستقرار وأمان، إذا ما كدرَ صفوّ حياتهم المآسي والكوارث والحروب والنكبات وتأثيرات الطبيعة وسوء الأحوال المعيشية.
والهجرة كما نركز عليها دائمًا لها تداعياتها الكثيرة. قديمًا كانت الناس تُخطط لتهاجر بإرادتها من مسكنًا إلى أخر داخل المدينة نفسها أو البلد ذاتهُ، أو كانوا يتنقلون من الريف إلى الحضر بحثًا عن حياة أفضل أو لمُواصلة الدراسة أو ربما بحثًا عن عمل أفضل يرتزقون منهُ. ولكن هناك في أيامنا من يُهاجر بدون إرادتهِ وتحت ظروف تضطرهُ إلى ترك مسكنهِ أو بالأحرّى بلدهِ في سبيل البحث عن حياة أكثر استقرارًا وأمانًا، والتخلص من البطالة والفقر وسوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأيضًا الاضطرابات الأمنية والتوترات النفسية والاضطهاد العرقي وفقدان الشعور بالانتماء، وضعف التضامن الاجتماعي، الأزمات، الحروب….الخ.
ليس هذا فقط ، بلْ وقد ترجع أحيانًا أخرى أسباب الهجرة إلى أسباب شخصية مثل رغبة المُهاجر في أن يكون مع أسرتهِ التي سبقتهُ أو ليكون مع شريك حياتهِ كما يحدث حاليًا في الزواج عبرّ الدول، أو تكون الهجرة كشكل من أشكال التحول في الحياة والعيش في بلدان أكثر تقدمًا، أو تكون كشكل من أشكال المظاهر، كما يحصل للكثير من الشبان الذين يحلمون بالسفر إلى عالم خيالي، أو يتم إغرائهم عن طريق أصدقائهم.
جميع هذه الأسباب وغيرها الكثير تدفع بالفرد من هجرة موطنهِ إلى موطن آخر. ولكن أسوء هذه الهجرات هي الهجرة القسرية والاضطرارية لأنها تكون بدون إرادة الفرد ويكون مُرغم عليها!
المُهاجر والمجتمع الجديد:
قلنا أن الهجرة لها أسبابها وتداعياتها الكثيرة، ولكن الأهم من ذلك هو الأثر الذي تخلفهُ هذه الهجرة أحيانًا على سلوك فرد دون آخر! طبعًا كل إنسان حين مُهاجرتهِ من بلده إلى آخر يحتاج إلى وقت كي يتأقلم مع الجو العام لذلك البلد، لذا فأن الفترة التي يحتاجها أي إنسان مُهاجر حتى يتطبع في مُجتمعهِ الجديد ويتكيف معهُ، هي ممكن أن نقول عنها أخطر فترة مُؤثرة على سلوكهِ وفي تكوينهِ وبنيانهِ وفي علاقاتهِ مع عائلتهِ ومع الآخرين في مُجتمعهِ الجديد المُنتقل إليهِ، بسبب انتقالهِ إلى بيئة جديدة والى ظروف جديدة وعالم جديد، فيتولد لديه إحساس بالغربة والعزلة وعدم التجانس والتأقلم، وأيضا يجد صعوبة التفاهم والانصياع لقوانين وعادات وقيم المجتمع الجديد السائدة فيهِ، مع عدم الاستقرار المكاني والضغوطات الاقتصادية والنفسية والاجتماعية.
هذه جميعها تولد داخل الفرد نوع من الصراع مع قيم ذاك المجتمع، ونوع من التمرد والسخط على ذلك الواقع، فتؤثر على سلوكهِ، وتفقدهُ توازنهُ الاجتماعي، مُحدثًا بالتالي خلل في توازن البيئة، فنجد البعض يتجه إلى الانحراف والبعض الآخر يسلك سلوك إجرامي! هذا السلوك الذي هو نمط من الأنماط الشعورية أو اللاشعورية المُتولدة داخل الفرد.
كما أن هنالك من يتأثر بعادات وسلوكيات المجتمع الجديد السلبية أكثر من الإيجابية وخصوصًا المراهقين، حيث تجدهم من الصعب السيطرة عليهم من قبل ذويهم وضبطهم، وخاصة حينما يكون سُكناهم في أحياء فقيرة ومُكتظة بالناس، وكذلك قليلة الخدمات وبين فئات محرومين ومُتدنيي الثقافة ومُفككين اجتماعيًا، وسالكين سلوكًا غير أخلاقي، مما قد يولد في نفسهم التطبع والنفور والسخط والتمرد، ومُظهرة في نفسهم بوادر السلوك الإجرامي وارتكاب الرذائل والجريمة! بسبب تواجدهم وترعرعهم في بيئة هي بؤرة الفساد والجريمة!
ولا ننسّى أيضا الفقر والبطالة والحاجة، الناتجة بسبب عدم توفر العمل لبعض الأفراد والعوائل، مما يتولد عنها مشاكل اجتماعية وانحراف في سلوك الفرد وتفكك عوائل واللجوء إلى أساليب غير مشروعة للحصول على المال، لذا نجدّ جرائم السرقة والاحتيال والتزوير والجرائم الأخلاقية والانحراف والتسول والتشرد والإدمان بأنواعهِ والتجارة الممنوعة، تكثر وتتوسع وتأخذ حيزها في سلوكهم وفي مُجتمعات دون أخرى.
فالسلوك الإجرامي هو سلوك يختلف باختلاف المُجتمعات ولكنهُ مُرتبط بثقافة ذلك المجتمع ومعاييره! وهو كما عرفه (شتراوس) بأنه:” استجابة لمُثير خارجي تؤدي إلى إلحاق الأذى بشخص آخر، وهذه الاستجابة قد تكون في شكل فعل عنيف مشحون بانفعالات الغضب والهياج والمُعاداة، نتيجة إعاقة أو إحباط”.
والهجرة كذلك أيًا كانت تطورت أشكالها مع تطور تأثيراتها على الأفراد وحياتهم وسلوكياتهم، وخصوصًا في ظل التطور السريع في هذا العصر الذي شمل مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والمعلوماتية وغيرها، وهذا التطور الذي له تأثير على سلوك الإنسان حدثا كان أم بالغًا، وانعكاساته السلبية والايجابية أيضا على أعضاء الجماعة. ومشكلة الإجرام أصبحت مشكلة تقع تبعيتها على المجتمع ككل بحيث أصبح من الواجب النظر إليها من زواياها المختلفة والى عواملها المُتعددة كي نستطيع الإلمام بجوهر خطورتها قدر المُستطاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى