أخبار العالمأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

هل تنفصل آسيا عن النظام العالمي الحالي؟

الفضل شلق

هل نحن على أعتاب عالم بلا أقطاب؟ هل قارب القرن الأميركي من نهايته كما كتب أريجي منذ بضع سنوات؟ هل عادت آسيا حوضاً اقتصاديا مستقلا سياسياً واقتصادياً كما قبل العام 1500 ميلادي، حين جاء الأوروبيون مكتشفين؟

نصب الأميركيون لبوتين فخاً أوكرانياً وقع فيه، وما زالت الحرب الأوكرانية مستعرّة دون أن يبدو أن هناك إرادة (على الأقل أميركية) لإطفاء نارها. حاولوا إثارة وتهييج الصينيين بزيارات متعاقبة لتايوان، لإعطاء الانطباع لدى الصين (الشعبية) أنهم تخلوا عن الاتفاقات المتعلّقة بشأنها. ولم يتجاوب الصينيون بل اتجهوا لعقد مؤتمر يبدو طابعه اقتصادي بحت. عُقِدَ على ثلاث مراحل في السعودية مع المملكة، كما مع السعودية والإمارات سوية، ثم مع هؤلاء وبلدان المنطقة العربية. يبدو أن تحالف إيران مع روسيا أدى الى زجها في الحرب الأوكرانية وفي صراع داخلي تدل بوادره على نشوب حرب أهلية، ربما أدت الى سقوط النظام. النظام الديني لا يسقط دون إراقة الكثير من الدماء، لأن أهل النظام يعتبرون أن الإيمان الى جانبهم وحدهم، وخصومهم بغاة على الدولة والدين. علما أن الدين والدولة لديهم هما شيء واحد، فالدولة بنظرهم تّحكم بتكليف إلهي، والدفاع عن النظام هو دفاع عن الشريعة وحكم الله. الملالي وأصحاب المصالح الاقتصادية والمالية في تحالف متين. يدين بالنيوليبرالية؟

في الوقت نفسه، يُدْفن الدين السياسي لا بمراسم دموية بل بكثير من الاحتفالات والمهرجانات الغنائية والثقافية، مما يشير أن الانتقال لغير الحكم الديني يحصل بطريقة فيها الكثير من إرخاء القبضة الاجتماعية والثقافية مع علامات استفهام حول تطوّر سياسي مواكب. كل ذلك مع التخطيط لمشاريع إنشائية تبدو وكأنها مقتطعة من أفلام الخيال العلمي التي تتطلّب الكثير من المال والخيال للتنفيذ، إذا كان ذلك ممكناً. ما يشغل بالهم هو مجمل التطوّر الاقتصادي، ولو جاوز الخيال. لا مجرد رفع أو خفض إنتاج النفط لتتناسب أسعاره مع ما يطلبه الأميركيون.

تشكلت الرأسمالية منذ حوالي 600 عاماً، وقد ابتدأت مع الميركنتلية التجارية، وحروب الإبادة. عندما زعم الأوروبيون أنهم “اكتشفوا” آسيا والقارة الأميركية في حوالي عام 1500 ميلادي، كان ذلك بداعي التجارة الدولية. كانت منتجات آسيا أكثر تقدما في القرن السادس عشر من كل ما يُصنّع في أوروبا. ومعنى ذلك أنه لم يكن لدى الأوروبيين ما يبيعونه للآسيويين. فاستخدموا الذهب المتراكم في أميركا الوسطى والجنوبية، وما تنتجه مناجمها من الفضة. تطلبت التجارة الأوروبية شن حروب إبادة ضد شعوب القارات الأميركية، وتدمير حضاراتها، التي أعيد اكتشافها تحت الأنقاض في القرن الماضي. وتطلّب ذلك أيضاً فرض التجارة بالقوة على القارة الآسيوية، فأنشئت محطات تجارية على شواطىء المحيطين الهندي والباسفيكي. وما سمي مصنعا في ذلك الوقت ما كان إلا موقعا لتجميع البضاعة المقتطعة من الآسيويين لقاء ذهب وفضة القارة الأميركية، ولم يكن موقعاً لصناعة أي شيء. وقد كتب برودويل وآخرون حول تدفق الفضة والذهب من أميركا الى آسيا عبر اوروبا، من خلال التجارة القسرية مع آسيا. وقد كتب دونالد لاخ كتاباً من خمسة أجزاء حول تجارة القرن ال16 ميلادي بعنوان “آسيا في صنع أوروبا في القرن السادس عشر” (Asia in the making of Europe). يُروى أن السفن الأوروبية “التجارية” المتجهة الى آسيا، كانت محملة بالأحجار للتثقيل (Ballast) كي يستقر جريانها، والمدفعية، ورهبان الطرق الكاثوليكية، وغيرهم، لجمع المعلومات خاصة ما يتعلّق بالمعرفة في آسيا. والمعلوم أن المدفعية والجنود في خدمتها ليسوا من أجل علاقات ديبلوماسية سلمية، بل من أجل ديبلوماسية الحرب والإكراه. عولمة بأشكالها البدائية نشأت بالإكراه. لم تخل العولامات اللاحقة من الإكراه أو الضغط ببعض الأساليب العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية. الرأسمالية والإكراه صنوان لا يفترقان، وإن كانت تصر على أن تكون الواجهة تعاقدية.

أخذ الأوروبيون صناعات أسيوية وقلدوها في بلادهم. وصنعوها ليصدروها الى آسيا بأسعار أرخص مما تنتج محليا. بالطبع ساهم ذلك، بالإضافة الى وسائل القسر والإكراه، في ضرب الصناعات والحرف المحلية، ثم الاعتماد على المستورد مما تنتجه أوروبا؛ وأهم تلك الصناعات كانت في مجال النسيج. قبل أن تقلد اليابان الغرب ، وقبل أن تقلّد الصين صناعات الغرب. قلدت أوروبا الغربية صناعات آسيا، وبنت على ذلك رأسماليتها. وقد قطعت الصين أشواطاً في تقليد صناعات الغرب. ليس التقليد عيباً؛ العيب هو العجز عنه. التقليد وسيلة للتعلّم. في تاريخنا العربي- الإسلامي الكثير من التقليد للثقافات الأخرى. وهذه قلدت ما سبقها. وفي التقليد دائما إضافة إبداعات جديدة.

هل تسمح الامبراطورية الأميركية بعودة آسيا لتشكّل حوضاً اقتصادياً دون تدخّل منها؟ هل تسمح لها أن تبقى دون حروب فيما بينها أو بداخلها؟ عندما سيطرت الامبراطورية البريطانية في القرنين 17 و18 على العالم، لم تسمح بذلك، بل جعلت من نفسها الوسيط بين الهند والصين وغربي آسيا.

الترتيب الجديد المزمع تحقيقه بموجب قرارات المؤتمرات التي انعقدت في المملكة السعودية يتناقض مع طبيعة الرأسمالية منذ نشأتها. ليس فيه شيء ضد الرأسمالية كنظام سياسي اقتصادي بل فيه ابتعاد عن صراعات الغرب الرأسمالي من أجل السيطرة. وقد انضمت ايران الى هذه الصراعات بتحالفها مع روسيا. عملياً أخرجت إيران نفسها من آسيا سياسيا وعسكرياً. وما زالت تركيا عضوا في الحلف الأطلسي، وتستجدي في الوقت نفسه الانضمام الى أوروبا العالقة في آتون صراعات الرأسماليات الغربية.

تلوح في الأفق ملامح نظام عالمي جديد تكون فيه القطبية الواحدة، أو الثنائية خارج آسيا (عدا إيران، وتركيا، وربما جمهوريات آسيا الوسطى التي ما زالت مجالاً للنفوذ الروسي). المسألة ليست شرقية (روسيا) وغربية (أوروبا والولايات المتحدة). هي إمكانية أن يكون نصف العالم (الآسيوي) خارج الامبراطورية الرأسمالية العالمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى