ثقافة

“برنامج البناء المنهجي” للارتقاء بوعي النخب الواعدة مع الاستاذ عمر المشهداني

“برنامج البناء المنهجي” للارتقاء بوعي النخب الواعدة مع الاستاذ عمر المشهداني

* البرنامج على مستويات ثلاث،وفي كل مستوى هناك أربع مراحل، وكل شيء منظم ومجدول ومفهرس بشكل مدروس.

* يعاني الجيل الصاعد اليوم من أمراض شتى على مستوى الشبهات الفكرية أو الإلحاد أو ضعف التزكية وكلها أمراض يستهدفها البرنامج لإنقاذ جيل كامل من الضياع.

*تتمحور مستويات البرنامج حول(التأصيل والبناء والتمكين)، ومدة الدراسة فيه تستغرق 5 سنوات يكتسب الطالب خلالها من العلوم والمعارف والوعي الشيء الكثير .

حاوره / أحمد الحاج

يواجه كوكبنا الأزرق اليوم ظاهرتين خطيرتين تسببتا بكوارث لا حصر لها وعلى المستويات كافة،وفيما أولت معظم المؤسسات والمنظمات المعنية اهتماما كبيرا بأولاهما،تراها قد ذهلت أو أهملت الثانية،عمدا تارة،وسهوا أخرى،وأعني بالظاهرة الخطيرة الأولى بشقيها، الاحتباس الحراري،والتغير المناخي، وقد حظيتا بقدر كبير من الاهتمام للحيلولة من دون تفاقمهما مستقبلا،أما الظاهرة الخطيرة الثانية فهي ولا شك تتمثل بـ”الاحتباس المعرفي”و”التغير الأخلاقي” هذه الظاهرة التي تسببت بجدب معرفي،وتصحر ثقافي،وبسلسلة لاحصر لها من البراكين الأخلاقية،والأعاصير المجتمعية،والسيول الالحادية ، وبزلازل تترا من العبثية والوجودية واللادينية واللاأدرية ،وبتسونامي لايكاد يتوقف من الافكار الضالة والمنحرفة العابرة للحدود بفعل انفجار المعلوماتية، والفضاء السيبراني وبما يتقاطع مع كثير من الأعراف والتقاليد الحسنة،ويتنافر مع الفطرة الانسانية التي فطر الله الناس عليها،فضلا على إحداثها طوفانا من الأميتين الأبجدية والتقنية، زيادة على شتات وتسطيح وتهافت وابتذال لا حدود له لم يعد مقبولا بالمرة وبما يستلزم ابتكار برامج جادة وفاعلة خضراء ومستدامة صديقة للفضيلة،عدوة للرذيلة تجنبا لمزيد من النكوص والانهيار والانحطاط ، ولعل “برنامج البناء المنهجي” للارتقاء بوعي النخب الواعدة ومواجهة الشتات المعرفي يعد من أبرزها وقد جاء في وقت عصيب أحوج ما تكون أجيالنا الصاعدة اليه ، وللاطلاع على أهداف البرنامج ومراحله ومناهجهة علاوة على رؤيته ورسالته حاورنا أحد المنخرطين في هذا البرنامج المهم “الاستاذ عمر المشهداني” وهو خبير في وسائل التربية،وطرائق التدريس، وأساليب التعليم، والتنمية البشرية وبادرناه بالسؤال الاول فأجابنا مشكورا ولسان حاله يترنم بما يطيب لصفحة “برنامج البناء المنهجي”التغني به :

هل أرهقتك مرارة الاشتات؟ …وتسرب الأعمار والأوقات؟

أفقدت بوصلة المسير فبت في …هذي الحياة تتيه في الظلمات؟

أرأيت أمتك الجريحة ثم لم …تجد الطريقة لكشف ذي الكربات؟

هاك “البناء المنهجي”يضيء في …لجج الظلام نوافذ المشكاة

ويضيء من نور العلوم لأهله …سبل الهدى ومشاعل الغايات

* نود من جنابك الكريم وبصفتك أحد الملتحقين ببرنامج البناء المنهجي منذ ثلاث سنوات أن تعطينا نبذة تعريفية عنه.

– برنامج البناء المنهجي كما يعرفه القائمون عليه بأنه برنامج متنوع شمولي طويل الأمد، يهدف إلى تجاوز الشتات المعرفي المنتشر بين الشباب المهتم بالتأصيل والثقافة، والوصول بالمشترك إلى مرحلة التأصيل الشرعي وإحكام البناء الفكري.

باعتقادي -أو على الأقل ما لمسته خلال هذه السنوات الثلاث- أن التوصيف دقيق للغاية، فحالة التنوع والشمول حاضرة بوضوح، فأنت لا تذهب لدراسة علم الحديث فقط أو لتتعلم قراءات القرآن الكريم أو تأخذ إجازة في منظومة من المنظومات، وإنما البرنامج يشمل طيفا واسعا جدا من العلوم.

مثلا … من النادر أن تدخل برنامج الكتروني شرعي اليوم يعطي أهمية كبيرة للغة العربية وعلوم النحو والصرف والبلاغة، وتدرس في الوقت نفسه (تاريخ الفكر الغربي) في سلسلة محاضرات طويلة ومتشعبة، فتقرأ عن ديكارت وكانت وفولتير وجان جاك روسو ونحوهم ، كل هذا في حزمة واحدة متنوعة ومتسلسلة يكمل بعضها بعضا.

* علمنا بأن واحدة من أهداف هذا البرنامج تتمثل بالسعي لتجاوز الشتات المعرفي لدى الشباب المهتمين بالعلم والتعلم، ترى ما هو المقصود بهذا الشتات ، وكيف يتم تجاوزه من خلال البرنامج ، وحبذا لو حدثتنا قليلا عن بقية أهداف البرنامج الأخرى .

– هذا هو الهدف العام “تجاوز الشتات المعرفي” ، أنا -على سبيل المثال- أنحدر من عائلة إسلامية التوجه، ومكتبة والدي حفظه الله تعالى كانت عامرة بالكتب الإسلامية الفكرية والشرعية، وكانت أمي تحثني وتتابعني أيضا على القراءة، فتكونت عندي حصيلة من المعارف الشرعية حول ما يجوز وما لا يجوز، لكنها كانت علوم مبعثرة وغير مترابطة!

نعم … أعلم أن هذا خطأ، ولكن لماذا هو خطأ؟ وما الدليل من كتاب الله أو من سنة نبيه الكريم على ذلك؟ وما هي الآراء الأخرى التي ترى أن هذا الأمر جائز؟ وما أدلتهم؟ هل هم على ضلال أم أن الخلاف في المسألة سائغ وله مبرراته؟

هذه كلها أمور لا يمكن أن تكتسبها بالقراءات العامة، ما لم يكن لديك ولي مرشد يدلك على مداخل العلوم هذه، ومن أين تبدأ وكيف تتوسع بطريقة منهجية منظمة.

البرنامج على ثلاث مستويات، وفي كل مستوى هناك أربع مراحل، فكل شيء فيه منظم ومجدول ومفهرس بشكل مدروس، حيث أنك وفي البداية (مرحلة التأسيس) لا تأخذ سوى المقدمات والنظرة العامة للعلوم، ثم تنتقل إلى (مرحلة البناء) فتبدأ ببناء المعارف بشكل ممنهج ورصين، ثم تنتقل بعدها إلى (مرحلة التمكين) وهي حالة التمكن والإلمام بهذه العلوم.

يحضرني هنا كلام للإمام الشاطبي رحمه الله في مقدمة كتابه(الموافقات) يقول فيه -ما معناه- أنه لا يكون العالم عالما إلا بتحقق أربعة شروط:

الأول / الإحاطة حفظاً بأصول ذلك العلم، فالأصول لابد أن تكون حاضرة في الصدور، وليس فقط في بطون الكتب.

والثاني/ هو حسن العبارة عنه، فأنت إن سئلت عن هذا الموضوع يكون لديك القدرة على الإجابة وحسن التعبير عن هذا العلم وما يتضمنه.

الثالث/ هو معرفة لوازم هذا العلم، وأدواته ومتعلقاته وما يرتبط به.

الرابع/ دفع الشبه عنه، أن يكون لديك القدرة على دفع الشبهات والاتهامات في هذا المجال، فكلنا على سبيل المثال نؤمن بالسنة النبوية الصحيحة، ولكن لو سألنا أحدهم على أي أساس جزم المحدثون أن هذا الحديث صحيح وهذا ضعيف، سنكون عاجزين عن شرح طبيعة عمل المحدثين رحمهم الله أو كيف يتم تخريج الحديث.

* تحدثنا عن أهداف البرنامج فماذا عن رؤيته ورسالته ؟

– قد لا أمتلك الآن العبارات المصاغة للرؤية والرسالة، ولكن في اعتقادي أن الجيل الصاعد اليوم يعاني من العديد من الامراض، سواء على مستوى الشبهات الفكرية أو الإلحاد أو ضعف التزكية أو قلة التدين أو السقوط في حالة التفاهة التي تعصف بوسائل التواصل ، وهذه كلها أمراض يستهدفها برنامج البناء المنهجي، فالأمر ليس قائما فقط على إنتاج أئمة وخطباء، وإنما إنقاذ جيل كامل من الضياع.

يكفي أن نتعلم أخذ المعلومة من مصادرها، هذه المهارة أصبحت غائبة عنا اليوم، تجد كثير ممن يناقشك في المجالس أو يحاججك في أمور في العقيدة أو التاريخ أو أحكام الحلال والحرام، ولكنك وعندما ترجع إلى مصادره تجد أنه قد قرأها أو سمعها من شخص على الفيسبوك أو مجرد مقطع Reel منتج بعناية على وسائل التواصل!! وربما يكون آخر كتاب قرأه من الغلاف إلى الغلاف كان الكتاب المدرسي!

هذه المقاطع وهذه المنشورات الأغلبية الساحقة منها لا تنشئ علماً ، بل على العكس من ذلك فإنها تسهم بحالة من التسطيح للمعرفة وتذويب لها.

* البرنامج ووفقا لما أعلن عنه ينقسم الى منحيين أولهما ” مقررات البناء المنهجي” وثانيهما ” منحى الثقافة الإسلامية” حبذا نبذة عن المرحلتين وأهم مناهجها الدراسية .

– هذا صحيح ، فالبناء المنهجي يتألف من مساقين: (المساق شرعي) وهو مخصص لدراسة الفنون الشرعية الستة: (العقيدة، علوم القرآن، علوم الحديث، الفقه، الأصول، اللغة العربية)، وهو كما قلت آنفا مقسم على مراحل التأصيل ثم البناء ثم التمكين.

وفي كل مستوى من هذه المستويات أنت تدرس العلوم الستة كاملة ولكن بدرجة أعمق وأكثر تشعبا، بمعنى أن الطالب لا يقضي السنة الأولى بتعلم العقيدة أو علوم القرآن فقط وهو لا يعرف أي شيء عن علوم الحديث أو الفقه! وإنما تسير الستة معا بالتزامن، وبطريقة منهجية منضبطة، وعلى يد متخصصين وأئمة كبار سواء من خلال الكتب المقروءة أو من خلال المحاضرات المسموعة والمرئية.

أما المساق الثاني فهو” المساق الثقافي” وهو مخصص لبناء الثقافة الإسلامية والفكرية اللازمة لطالب العلم حتى يسد الفراغات ويمتلك الأدوات ويفهم المشكلات، ولعلك تعلم أن بناء الأساس الشرعي والعلوم الشرعية لوحدها غير كاف لبناء الشخصية الإسلامية السوية، والتي لها أثر إيجابي في واقعها ومجتمعها، فكان لابد من منهاج مواز لصناعة هذا الوعي، من خلال الإيمان والتزكية والسيرة والتاريخ والأدب والفكر وفقه الواقع.

نفهم من خلالها تطور الفكر والحضارة على مر السنين، وكيف نتعامل مع الموجات والشبهات الحديثة، وأفكار مثل الإنسانوية والعلمانية والنسوية والليبرالية ، ما هي جذورها ومنطلقاتها وأبرز مبادئها؟، كما نتعرف من خلالها على سير العظماء من أمتنا وكيف أوصلوا لنا هذه العلوم وكل هذا مما يورث في النفس حالة من الاعتداد والاعتزاز واليقين، وبما يعصم الجيل ويقويه في مواجهة موجات التغريب والإنسلاخ من واقعنا ومن تراثنا وقيمنا الإسلامية الأصيلة.

*: كيف يتم التسجيل في برنامج البناء المنهجي، وماهي التطبيقات الالكترونية التي تتم الدراسة من خلالها والمراجعة عن طريقها ؟

– التسجيل يكون من خلال الموقع الإلكتروني للبناء المنهجي https://binaamanhaji.com/ (إنضم إلينا)، وكافة المعلومات والمحاضرات والكتب والاختبارات تكون من خلال الموقع نفسه، اضافة إلى قنواته على تطبيق التليجرام وعلى الرغم من أن الإخوة القائمين على البرنامج لديهم نفس طيب في المتابعة والتحفيز، إلا انني أنصح الإخوة الذين يحبون المشاركة أن يشاركوا على شكل مجموعات أو عوائل وأقارب، فهذا يساعد كثير في التحفيز، فيشجع بعضهم بعضا.

* هل يتضمن البرنامج محاضرات تفاعلية بين الطلبة الملتحقين، أم أنه يركز على القراءة والحفظ والمتابعة فقط لا غير؟

– البرنامج يتضمن العديد من الأنشطة التفاعلية والمسابقات والمبادرات ولقاءات الزووم ومسابقات Kahoot، ولكن بسبب الأعداد الكبيرة للمشاركين فإن البرنامج في بدايته يكون قائما على المحاضرات والكتب والاختبارات العامة، ولكن لاحقا سيبقى الجادون فقط، فيكون هناك أنشطة أكثر تفاعلية، حتى تصل إلى المرحلة الأخيرة التي قد يطلب فيها من الطالب إعداد البحوث والمشاريع أيضا.

* هل يشترط البرنامج عمرا محددا لقبول الطلبة، فضلا على مراحل دراسية معينة، أم أنه مفتوح لجميع – الأعمار والمراحل ، وما طبيعة الشهادة التي تمنح للطلبة عند تخرجهم ؟

– البرنامج لا يحدد أي عمر أو مرحلة دراسية، فتجد فيه الشباب من عمر المراهقة، صعودا إلى الشيوخ في السبعينات من العمر!! لا يجد المرء فيه إلى اجتهاده ومثابرته ومقدار التزامه مع مسيرة التعلم.

الشهادة الحقيقية والمكسب الحقيقي إنما يكون بما تكتسبه من علوم ومعارف وفكر وسلوك، أما الشهادة الورقية فهي موجودة في نهاية البرنامج بلا شك.

*ما هي مراحل البرنامج ، وكم تستغرق مدة الدراسة فيه، وما هي الضوابط والشروط لقبول المتقدمين اليه ؟

– كما أسلفت فإن البرنامج يتألف من ثلاث مستويات (التأصيل والبناء والتمكين)، وكل مستوى فيه يتكون من أربعة مراحل، وتستغرق مدة الدراسة تقريبا سنة ونصف لكل مستوى، بمجموع 5 سنوات للبرنامج كاملا

* بماذا تنصح المهتمين وأخص منهم جيل الشباب بشأن الالتحاق بالبرنامج ولاسيما وأنه ما يزال مفتوحا حتى الـ 18 من يناير /كانون الثاني 2024؟

– التحقت بالبرنامج بعد أن أكملت سن الأربعين، وقد انتفعت فيه انتفاعا عظيما ولله الحمد، سواء من حيث المعلومات والمعارف، أو من حيث تنظيم الوقت والإنجاز والعودة إلى القراءة والدراسة.

ولكني نادم أشد الندم لكوني لم أنخرط بمثل هذا النوع من البرامج وأنا في الثانوية مثلا، ربما كان سيكون لي مسار آخر في حياتي والله أعلم، خاصة وأنني في وقتها كنت أتمتع بحافظة جيدة في حفظ المتون والنصوص لم أستثمرها الاستثمار الأمثل في حينها.

لذلك فأنا أدفع أبنائي وأصدقائي ومعارفي من كل الأعمار للالتحاق بهذا البرنامج أو أشباهه ونظائره من البرامج النافعة ، أدفع الشباب لاستثمار شبابهم وضبط بوصلتهم قبل أن تعصف بها المغريات، كما أدفع الكبار والشيوخ أيضا لتدارك ما يمكن تداركه، فالعلم والتعلم لا يقف عند حد أو عمر معين.

ومع ذلك فإن موقع الشيخ أحمد السيد -جزاه الله خيرا- https://ahmadalsayed.net يتضمن عددا من البرامج الأخرى أنصح جدا بالاطلاع عليها والاختيار من بينها، منها ما هو تخصصي، ومنها ما هو عام، ومنها ما هو للصغار من الجيل الصاعد.

أيا كانت السفينة التي اخترت الإبحار بها.. فإن البقاء على الشاطئ لن يوصلك لأي مكان

شكرت الاستاذ عمر المشهداني،على حسن الاصغاء،وعلى سعة صدره،وسرعة إجاباته ودقتها ،يحدوني الأمل للالتحاق بهذا البرنامج الالكتروني المجاني التعليمي المبتكر، لتوضيح بعض ما أُشكل ،وتفصيل بعض ما أُجمل، وإضاءة بعض ما جُهل من علوم الآلة والغاية،والله تعالى يبارك لطالب العلم أيا كان لونه وجنسه وسنه،مصداقا لقوله ﷺ ” من سلك طريقا يبتغي فيه علما ،سهل الله له طريقا الى الجنة ” .

ولله در القائل وبما يزين صفحة “البناء المنهجي “على الفيس بوك :

سلّم على البانِين صرحا أتلَدا…شادوا منارا كي يدُل على الهدى

فبنوا مراقيَ للعلوم مدارجا….لتكونَ للطلابِ نهجًا مُرشدا

أودعناكم أغاتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى