إقتصادفي الواجهة

هشاشة الاقتصاد العالمي

اجتماعات الصندوق والبنك… وهشاشة الاقتصاد العالمي غازي أبو نحل
رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات: Nest Investments (Holdings) L.T.D والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية

اتابع، منذ اعوام عدة، اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين، فهي تقدم صورة متكاملة عن
واقع الاقتصاد العالمي والمشاكل التي يتخبط بها، بالتفاصيل والارقام، كما تطلق توقعات
علمية ودقيقة حول مسار الامور الاقتصادية في مختلف دول العالم.

اجتماعات هذا العام، التي عقدت في واشنطن العاصمة، واجهت التحديات العالمية بكثير من
الجرأة والصراحة، فأشارت الى مواقع الوجع والألم الناجمة عن الخسائر ورسمت مساراً غير
متفائل للاعوام المقبلة، بالاستناد الى مجموعة من المشاكل التي تبدأ بتداعيات الحرب
الروسية- الاوكرانية ولا تنتهي عند معدلات التضخم والركود والغلاء وسلاسل التوريد
وارتفاع ارقام الفقر والمجاعة في دول نامية ومختلفة عدة.

في بعض التفاصيل التي يمكن التطرق اليها، نتوقف عند الآتي:
 تزايد مخاطر الدخول في مرحلة ركود عالمية مع ارتفاعات غير مسبوقة في معدلات
التضخم تدفع البنوك المركزية على رفع اسعار الفائدة مما يعيق النمو الاقتصادي.
وفي هذا المجال ابدت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا بالغ القلق من
ركود على نطاق واسع سيكون مؤلما للدول النامية التي تتضرر من تشديد الأوضاع
المالية، وعدم توافر رأس المال لمساعدتها، إضافة إلى أزمة الديون. وقالت إن تكلفة
الاقتراض المرتفعة بدأت تؤثر بشكل سلبي للغاية على الدول الفقيرة. فيما حذر رئيس
البنك الدولي ديفيد مالباس من حدوث انكماش اقتصادي خلال العام المقبل مع تزايد
قوة الدولار الأميركي بما يضعف العملات المحلية للدول النامية ويرفع من مستويات
الديون وخدمة الديون إلى مستويات مرهقة للغاية، داعيا إلى تقديم الدول الغنية لمزيد
من الدعم للدول التي تعاني من الصعوبات.

وقالت غورغييفا في مؤتمر مشترك مع رئيس البنك الدولي، إن المؤسسات المالية
الدولية تواجه تحديات اقتصادية متزايدة وكوارث نتيجة التغيرات المناخية مع عدم
توافر الموارد المالية لمواجهتها. وأوضحت أن ثلث اقتصادات العالم ستشهد ربعين
متتاليين من النمو السلبي خلال بقية العام الجاري وبداية العام المقبل، وتباطؤ
الاقتصاد سيكلف العالم 4 تريليونات دولار حتى عام ٢٠٢٦.
يتمثل التحدي الذي يواجه صندوق النقد الدولي في إيجاد طرق لحكومات الدول لطلب
المساعدة دون أن يقلق ذلك المستثمرين في أسواق رأس المال، فإذا كانت الدولة مثقلة
بالديون فقد لا تتمكن من الحصول على برنامج قروض من صندوق النقد الدولي على
المدى القصير.
ومن بين التحديات الكبيرة أيضاً إيجاد طرق لإصلاح الأوضاع المالية لبنوك التنمية
متعددة الأطراف، حيث جادل الخبراء في مجموعة العشرين أن البنوك يمكنها أن
تقرض الدول الفقيرة مئات المليارات من خلال تحمل المزيد من المخاطر واستخدام
التمويل المبتكر. وقد دعت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين البنوك إلى أخذ
خطوات تطوير واسعة والسماح بإقراض الدول الفقيرة لمكافحة الفقر وتأثيرات التغير
المناخي، وقالت إنه لا يمكن لدولة أن تتصدى بمفردها لهذه التحديات.
 تراجع توقعات النمو العالمي لعام 2023 الى 2.7 في المائة، انخفاضاً من 2.9 في
المائة قبل نحو شهر من الآن، وذلك وسط ضغوط الازمات الجيوسياسية المتشابكة من
الحرب في اوكرانيا وارتفاع اسعار الطاقة والغذاء وارتفاع معدلات التضخم وأسعار
الفائدة بشكل حاد…
في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي ورد أن التوقعات تظهر أنه من المرجح أن ينكمش
ثلث الاقتصاد العالمي بحلول العام المقبل، حيث ستواجه الاقتصادات الثلاث الأكبر
وهي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين انكماشاً اقتصادياً وتعثراً اقتصادياً، مع
ارتفاع معدلات التضخم إلى حوالي 8,8 في المائة، وترشيحات لأن تظل مرتفعة
لفترة أطول من المتوقع، ولن تعود نحو 4.1 في المائة حتى عام ٢٠٢٤. وأشار
خبراء إلى أن هناك خطراً متزايداً من انزلاق الاقتصاد العالمي إلى حالة ركود عام.
صندوق النقد الدولي وضع احتمالات أن ينخفض النمو العالمي إلى أقل من ٢ في
المائة العام المقبل – وهي ظاهرة حدثت خمس مرات فقط منذ عام 1970 – وقال إن

هناك احتمالاً لانكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأن يكون أداء الاقتصاد
العالمي أسوأ من التوقعات، محذراً من أن هذا السيناريو المتشائم قد يمثل ضعفاً
اقتصادياً عالمياً وسيكون مؤلماً جداً لكثير من الدول .
ان الارتفاع السريع في اسعار الطاقة والغذاء سيتسبب في صعوبات خطيرة، ورغم
التباطؤ فان ضغوط التضخم أصبحت أوسع واکثر ضغطاً مما کان متوقعاً، حيث تشير
التوقعات أيضاً الى بلوغ التضخم العالمي ذروته عند 9.5 في المائة في الربع الأخير
من العام الجاري، بما يعني ان العام المقبل سیکون عام الرکود بامتیاز.
ووسط حالة من عدم اليقين غير العادية بشأن التوقعات والتضخم المرتفع والمتزايد،
واصلت البنوك المركزية تطبيق سياسات لاستعادة استقرار الاسعار وقامت بتشديد
السياسات المالية والنقدية منذ شهر نيسان/ ابريل الماضي، مؤكدة العزم على محاربة
التضخم والحد من ارتفاعه.
 تسبّبت الحرب في اوكرانيا بصدمة كبيرة في اسواق السلع الاساسية وغيّرت نمط
التجارة في العالم، علماً ان تلك الصدمة تفاقمها قيود على تجارة الغذاء والوقود
والاسمدة التي تزيد بالفعل ضغوطاً تضخمية حول العالم. وروسیا هي اکبر مصدر
للغاز الطبيعي والاسمدة في العالم وثاني اکبر مصدر للنفط الخام، وتشکل مع اوکرانیا
حوالي ثلث صادرات القمح العالمية و19% من صادرات الذرة و80% من
صادرات زیت دوار الشمس، وقد تعطل معظم انتاج وصادرات هذه السلع وسلع
اخرى منذ بداية الحرب في ١٤ شباط/ فبراير الماضي.
 تركت الازمات العالمية المتتالية 54 دولة، تضم اكثر من نصف افقر سكان العالم،
في حاجة ماسة لتخفيف الدين، مما دفع رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس إلى التحذير
من أن العالم يواجه “موجة خامسة من ازمة الديون”، داعياً الى مزيد من الدعم للدول
التي تعاني صعوبات، مع الاشارة في هذا المجال الى انه في العام 2022 وحده،
اصبحت نحو ٤٤ ملیار دولار من مدفوعات خدمة الدين الثنائية والخاصة مستحقة في
بعض الدول الفقيرة العاجزة عن دفعها، بما دفع البنك الدولي الى دعوة الدول الدائنة
الى ان تكون اكثر انفتاحاً بشأن الاقراض، وان تکون اکثر نشاطاً في جهود اعادة
هیکلة الديون، وهي عملیة تواجه صعوبات عدة.
 ارتفاع معدلات الفقر المدقع عالمیاً، بفعل جائحة کورونا أولاً وما تبعها من حرب
مدمرة في اوروبا وارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية.

تقریر البنك الدولي بعنوان “الفقر والازدهار المشترك 2022: تصحيح المسار”
اوضح إن ما يقرب من 71 مليون شخص في جميع أنحاء العالم قد دفعوا إلى براثن
الفقر المدقع بسبب الوباء، مشيرا إلى أن الهند تمثل 56 مليونا، أو ثمانية من كل 10
أشخاص (79 في المئة) تم دفعهم نحو الفقر المدقع في عام 2020، مما يؤكد العبء
الهائل للوباء في البلاد. وأشار التقرير إلى أن الهند شهدت “انكماشاً اقتصادياً واضحاً”
في نفس العام، موضحا أن “وباء كوفيد-19 لم يبطئ النمو فحسب، بل عكس التقدم
الذي حققته العديد من البلدان في العقود الأخيرة للحد من الفقر، حيث أدى إلى قلب
حياة العديد من الناس، وأدى إلى توقف شبه تام للصناعات، وعطل الأنشطة
الاقتصادية العالمية.”
وأفاد بأن “الوباء أصاب الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وأدى إلى
ارتفاع معدل الفقر المدقع العالمي، الذي ارتفع من 8.4 في المائة في عام 2019 إلى
9.3 في المائة في عام 2020. كما كشف ان الصدمات الناجمة عن الجائحة وحرب
اوكرانيا تعني ان العالم لن يحقق على الارجح، هدفاً طویل الامد يتمثل في القضاء
على الفقر المدقع بحلول العام 2030.
في الواقع تمثل جائحة کورونا نقطة تحول تاريخية بعد عقود في الحد من الفقر، اذ
كان 71 ملیون شخص یعیشون في فقر مدقع العام 2020، ای بأقل من 2,15 دولار
يومياً، وقد ارتفع العدد الى ۷۱۹ ملیوناً، اي نحو 9.3% من سكان العالم، بعد
الجائحة، مع الإشارة الى ان استمرار الحرب في اوكرانيا وارتفاع اسعار المواد
الغذائیة والطاقة… امور تهدد بزيادة عدد الفقراء في العالم مما دفع برئيس البنك
الدولي الى القيام بتغییرات كبيرة في السياسات حول العالم لتعزيز النمو والمساعدة في
اطلاق جهود القضاء على الفقر، بعد الاعتراف “ان التقدم في الحد من الفقر الشديد قد
توقف بالتوازي مع النمو الاقتصادي العالمي الضعيف” ملقياً باللوم على التضخم
وانخفاض قيمة العملة والازمات المتداخلة الأوسع نطاقاً في ارتفاع معدلات الفقر
المدقع، الذي يتركز حالیاً في افریقیا جنوب الصحراء التي يبلغ معدل الفقر فيها نحو
٣٥ في المئة، بما يمثل 60 في المئة من جميع الاشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع
حول العالم.
قالت 140 مجموعة من منظمات المجتمع المدني، في رسالة الى مجلس ادارة
صندوق النقد الدولي، انه يجب على الصندوق اصدار 650 مليار دولار من

احتياطات الطوارئ الجديدة لمساعدة الدول الاعضاء في مواجهة ازمات الصحة
والغذاء والطاقة والتضخم المتداخلة. وتقول معلومات ان هذا الامر كان من بين
الخيارات التي درسها الصندوق لمساعدة البلدان التي تكافح مجموعة متشابكة من
الازمات… لكنه لم يصل الى نتيجة حاسمة لاسباب سياسية واقتصادية عامة.
القارئ في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين يدرك خطورة الازمات الاقتصادية
والمالية والنقدية والاجتماعية التي تضرب الاقتصاد العالمي وتجعله في فترة هشاشة
تاريخية لم يعرفها في السابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى