تعاليقرأي

هذه حقيقة الدين الابراهيمي

لن أناقش هذه البدعة المنكرة التي ابتدعها حٌكام دولة الإمارات من الناحية الدينية لأن الأمر لا يحتاج إلى ذلك، فكل واحدة من الديانات الثلاث تعدّ غير المنتسبين إليها كفارا، وهذا أمر منطقي، ونحن المسلمين عندنا كتاب نسخ الكتب السماوية السابقة فلم يبق لها سلطان على العقائد والشرائع، هذا وهي كما أنزلها الله تعالى فكيف وقد طالها التحريف والتزوير حتى إن ما بين يدي اليهود والنصارى من كتاب باطلُُه أضعافُ أضعافِ حقه،وحقُه منسوخ…نسخت البعثة المحمدية الأديان السابقة واستقر الأمر لدين الله الحق “إن الدين عند الله الإسلام”.

إن عباءة إبراهيم عليه السلام ليست سوى ذريعة لخلط الحق بالباطل، وإلا فإن البيان القرآني حسم الأمر من قديم:”ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين.”

فما حقيقة الأمر إذًا؟ هذا الدين المبتدع الهجين أداة إيديولوجية وسياسية لمضايقة الإسلام والإجهاز على قضايا الأمة الإسلامية باسم التطبيع وتحت لافتات براقة لا تخدع عاقلا مثل الأخوة والإنسانية والسلام والتعايش…التعايش مع من؟ مع من يحتلون أرضنا في فلسطين ويتآمرون علينا في العراق وسورية واليمن وغيرها، وقد أوكل الأمر إلى دولة “مسلمة” اشتهرت سياستها بالاصطفاف مع أعداء الإسلام وخصوم المسلمين في أرجاء المعمورة: تشيّد في جزيرة العرب معابد لليهود والمسيحيين والهندوس والبوذيين، وتحسن استقبال زعمائهم الأكثر تعصبا ضد الإسلام، وفي نفس الوقت تعتقل كل العلماء والدعاة المتواجدين على أرضها حتى لم يبق إلا “عالم” واحد هو باسم يوسف، مهمته التسبيح بحمد أعداء الله والتبشير يالديانة الإبراهيمية…الإمارات مع اليونان ضد تركيا، مع الهند ضد باكستان، مع الصين ضد الإيغور، مع حفتر ضد الشعب الليبي، مع الإنقلاب ضد الرئيس المصري المنتخب…وقبل كل هذا هي صديق حميم للصهاينة وسيف مسلط على الفلسطينيين، تصف الصهاينة بدعاة السلام، وتتشدد تشددا كبيرا مع المقامة الفلسطينية وتصفها بالإرهاب وتجيّش ضدها كل أعداء الداخل والخارج..

إن “الدين الإبراهيمي” حلقة إضافية في سلسلة طويلة من محاولات الإجهاز على الإسلام بطرق ملتوية، وإضعاف الأمة ثقافيا وسياسيا ودوليا، إنه المكر المتعدد لاحتواء الإسلام الذي يرى كثير من المفكرين يد  الماسونية – أي اليهود – خلفه، بدأ الأمر في القرن الماضي  بالقراءة التأويلية الحداثية للقرآن والسنة على يد “مسلمين” من أمثال أركون وشحرور انتهاء بجاب الخير، ثم التشجيع من وراء الستار لكل الحركات المتطرفة التي تهاجم الإسلام، ثم الشيطنة الممنهحة التي يتبعها الإعلام الغربي لمحاربة الإسلام ، ثم تغذية الحركات الجهادية المتطرفة للتخويف من الإسلام (وهذه الحركات لا تقتل إلا المسلمين والمسالمين في سورية والعراق والساحل وباقي البلاد، ولم يسقط على يديها صهيوني واحد ولا غازٍ روسي أو أمريكي واحد) ، ثم مروا إلى أنواع من  العبث الصبياني كإمامة المرأة للرجال (نموذج كاهنة بهلول و  آمنة ودود)، و تشييد مسجد للشواذ في المغب وجنوب إفريقيا وعدة دول غربية ونحو ذلك، بعد هذا  جاءت دعوة ماكرة كاذبة تفوح برائحة الخبث الكيد والعربدة هي “الديانة الإبراهيمية” التي يسوّق مروّجوها أن المسلمين واليهود والمسيحيين كلهم أهل كتاب، ينتمون إلى دين التوحيد (وهذا تزوير واضح لأن النصرانية هي الشرك بعينه، بيننا لا تتعدى اليهودية المعاصرة كونها دينا سياسيا عنصريا  ليست لديه علاقة قريبة ولا بعيدة بالتوحيد الذي كان عليه أنبياؤها من اسحاق ويعقوب إلى موسى وهارون عليهم السلام).

المسألة كما ذكرت في مطلع المقال سياسية بامتيازهي انخراط الكيان الصهيوني في النسيج العربي الإسلامي بذريعة سياسية هي التطبيع، وبغطاء ديني هو الإبراهيمية، وهذا بمباركة جميع الأنظمة العربية غير الشرعية التي تعتمد على أمريكا والكيان الصهيوني للبقاء في سدة حكم خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي كادت تستأصلها…إن الأمة بعيدة كل البعد ومغيبة تماما عن هذا المشروع الديني المبتدع الذي لا يمت إليها بصلة بل هو صنع المخابر المختصة في توجيه الرأي العام، ينفذه حكام الإمارات بكل حماس مع تأييد واضح – وإن كان إلى الآن ضمنيا – من قوى عربية إقليمية تبارك الأمر لنفس الأغراض السياسية ولإجهاض أي مشروع تحرري ونهضوي للأمة.

إذًا لا يعدو الأمر كونه مجرد حيلة أخرى لاحتواء الإسلام وتمييعه والقضاء على فاعليته لكي يصبح هيكلا فارغا مثل المسيحية وكنيستها، وحتى مثل اليهودية التي فقدت أي نسب لها بالربانية، وغدت على يد الصهيونية إيديولوجيا عنصرية جمعت كل أنواع المثالب…هذا ما تريديه “الإبراهيمية” من الإسلام: أن يكون إسلاما تابعا لا متبوعا، مفعولا به لا فاعلا، وأن يكون أتباعه عبيدا لا أحرارا وخداما لا أسيادا، حتى تكفّ أقلام المسلمين وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم، ممن كفرهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام…هذه “الشكـشوكة الدينية “تمثل التمييع الذي يعجب العلمانية حتى يأتي زمان لا يمكن فيه لأحد ان يقول”من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر”، هذا من الناحية الدينية، أما من الناحية

السياسية فليست الإبراهيمية سوى تسويقٍ لدين جديدٍ يؤازر التطبيع السياسي الذي تتبناه الأنظمة العربية وتمقته الأمة الاسلامية قاطبة.

تبقى الإشارة إلى أمر مؤسف جدا هو سكوت المرجعيات الدينية الكبرى عن هذا المنكر والخزي والباطل، باستثناء الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ودار الإفتاء الليبية، فقد أديا الواجب وبيّنا الحقيقة بوضوح كامل، أما المرجعية الدينية السعودية فقد لاذت بالصمت (مع العلم أن الفتوى المنسوبة إليها والتي انتشرت في فيسبوك مجرد كذب وانتحال ولا أساس لها من الصحة)، بينما سكت شيخ الأزهر دهرا ونطق هُجرا فقال كلاما عاما يؤيد “السلام والإخاء والقيم الإنسانية” أي يصب في صالح هذا الدين المفبرك، بل زاد على ذلك فأشاد بالبوذية ووصف بوذا بالمصلح الكبير ومصدر الروحانية والأخلاق الرفيعة…وقد وددت ان يتكلم شيوخ “السلفية” والشيخ فركوس ليبينوا الحق لأتباعهم وليؤدوا واجب النصح لمن يسمونهم “أولياء الامر” في الإمارات وغيرها.

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى