أحوال عربيةأخبارأخبار العالم

خبايا معركة بالوكالة لا تتيح لسورية النهوض من عثرتها

خبايا معركة بالوكالة لا تتيح لسورية النهوض من عثرتها

الدكتور خيام الزعبي- عضو منتدى القانون الدولي في جامعة القاهرة

طال أمد الأزمة السورية ودخلت فيها حسابات عديدة ساهم فيها سوريون بكل أسف، ومن غير السوريين من وضع في حساباته أن الدولة سوف تسقط في الشهور الأولى للأزمة، لكن الصمود الذي حققته سورية، زاد من وتيرة وحجم التآمر، وزاد معه الدعم الخارجي الذي أصبح في حقيقته أمام أمر واقع لا يمكن الخروج منه، فإما أن يستمر دعمه للمؤامرة أو أن يسلك طريقا آخر، فقرر التآمر بكل وسائله وأدواته معلناً إن دعمه من أجل إسقاط سورية سيستمر.

اليوم تستخدم أمريكا الجماعات المسلحة و”قسد” كحليف ووكيل بالإنابة لها في سورية لتنفيذ مخططها لضمان استمرار هيمنتها و سيطرتها على المنطقة وضمان أمن إسرائيل، ونحن ندرك جيداً أن أمريكا هي التي تحرك العالم بأكمله مثل لعبة الشطرنج وتستخدم كل الوسائل الدنيئة واللعب بأوتار الفتنة الطائفية باسم الدين ونشر الفوضى وتقسيم الدول الى دويلات من أجل نهب واستغلال ثروات هذه البلاد وتقسيم الأدوار على بعض حلفاؤها بما يحقق مصالحهما وأهدافهما في المنطقة، وهذا ما يجعلنا أن نصف الولايات المتحدة بأنها دولة راعية وداعمة للإرهاب والفوضى في بلدنا الكبير “سورية”.

على هذه المنحنى ، إن الإدارة الأمريكية تستخدم “قسد” حالياً كأدوات مثالية لتنفيذ مخططاتها في المنطقة سواء لإثارة المتاعب والشغب للحكومة أو لتحقيق أهداف أخرى مختلفة ، وعلى الطرف الأخر ، تعمل الولايات المتحدة على تحريض القبائل العربية شرقي سورية للتحالف معهم من خلال استغلال الصراع القائم، وهو بدوره ما سيعزز وجود القوات الأمريكية بالمنطقة.

وعليه، نجحت الولايات المتحدة، في عقد عدة اجتماعات بين تنظيمي “قسد” الموالي لواشنطن، و”جبهة النصرة”، للتنسيق في عدة ملفات، والتفاهمات التي عقدت بين هذه الأطراف توحي باستراتيجية أمريكية جديدة، تستند إلى حشد كل ما يمكنها من مفاتيح، لتعويض خساراتها الاستراتيجية المتتالية في المنطقة، عبر تطوير أدوات جديدة ممسوكة بشكل جيد.

وفي حقيقة الحال هناك حرب شعواء بين أمريكا و روسيا وحلفاؤهم في المنطقة، فأمريكا تدعم “قسد” و الجماعات المسلحة في سورية، أما روسيا فتدعم الجيش السوري بكل ما تملكه من قوة، لذلك تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على ضرب سورية بأيدي عربية وبغطاء جوى أمريكي وذلك بالسعي لحشد إقليمي بالدرجة الأولى، وهو ما يذكرنا جيداً بأحداث العراق وليبيا، فالأحداث في سورية الهدف منها هو “التغيير الجيوسياسي” وتحقيق تغييرات في المواقع الاستراتيجية بالمنطقة، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة من قبل الإدارة الأميركية التي تعمل على تفتيتها وتخريبها.

رغم أن أمريكا وضعت آمالاً كبيرة على حلفائها، إلا أنه لم يكن بحسبانها أن يوجه إليها صفعات متتالية من قبل قوات العشائر العربية، ما جعلها في صدمة كبيرة وقلق شديد، بعد الإخفاق الأمريكي في تحقيق أي مكاسب في الميدان، خاصة بعد طرد “قسد” من بعض المناطق في ريف دير الزور.

دون ريب في الحسابات الجيوسياسية القادمة ان تواجد قوات امريكية في سورية سيزيد الأمور تعقيداً، فإذا كانت واشنطن ترى انها سوف تفرض واقعاً سياسياً جديداً في سورية بكامل جغرافيتها لتضمن بقاءها في المناطق المحتلة من خلال سعيها التآمري على وحدة الوطن السوري والسيطرة على مواقع النفط وسرقة القمح، فهي بذلك قد وضعت نفسها في دائرة الاستهداف الشاملة من اتجاهين، الأول من الداخل السوري وتكون قد فتحت جبهة برية واسعة ليس مع الجيش السوري فقط وإنما مع ابناء القبائل العربية شرقي سورية والثاني من الخارج “الجانب الروسي وإيران” خاصة وأن سورية توجه النداءات المتكررة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بإخراج القوات الأمريكية من سورية باعتبارها قوات غازية .

بالمقابل دعت العشائر العربية في الجزيرة السورية إلى توحيد الصف معلنة انطلاق المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الأمريكي وضد تجاوزات ميليشيات قوات سورية الديمقراطية “قسد” المدعومة أمريكياً والمتمثلة بالاعتداء على حرمات الوطن ونهب خيراته ، فالمقاومة الشعبية تشكلت وازدادت قوّة وأصبحت تنتقي الأهداف بدقّة، في جو إقليمي ودولي يساعد على ذلك، وكل خسارة لجندي أمريكي بين فترة وأخرى تؤدي للضغط على الإدارة الأمريكية، لسحب قواتها من سورية.

تأسيساً على هذه الوقائع، على قسد أن تستيقظ، وتقرأ المشهد الراهن، بكل تحولاته، وأن تقرأ بدقة ، الصمت الأمريكي، تجاه العمليات العسكرية التركية السابقة، التي أدت إلى احتلال عفرين وغيرها بكل يسر، وتحت مرأى ومسمع من الجيش الأمريكي المرابط هناك. فأمريكا وبالقطع لن تواجه تركيا الحليف التاريخي، من أجل عيون، “قسد”، استثمرت فيها أمريكا عند الحاجة، لأن العلاقات بين الدول، هي أقوى وأهم من علاقات الدول مع الحركات المسلحة، لذلك كان على الأكراد، أن يتوقعوا اقتراب زمن التخلي الأمريكي عنهم.

ومن الواضح أن واشنطن ستبدأ عملية عودة قواتها المسلحة إلى وطنها بعد انهاء جرائمها على الأراضي السورية وستترك الشعب الكردي في مواجهة المسائل المعلقة كما تركت الشعب الأفغاني في مواجهة مسلحي طالبان. ويجب على الشعب الكردي بأكمله وقادته أن يدرك وضعهم كـ “ورقة مساومة” في أعين البيت الأبيض فيجب عليهم أن يتفهموا عدم جدوى المزيد من التعاون والمساعدة للجانب الأمريكي على أمل حل مشاكلهم، بمعنى أن الولايات المتحدة لا تهتم بمصير عملائها أبداً.

بالرغم من كل ذلك فإن سورية اليوم أقوى من أيّ وقت مضى، كونها نجحت بدعم إقليمي ودَولي كبير، في منع انهيارها، فالقرار الروسي والإيراني بدعم الحكومة السورية في المحافل الدَوليّة، غير قابل للتبدّل، وبالتالي، في الاتجاه الآخر، يعرف الرئيس بايدن أنه في ورطة كبيرة لا يستطيع أن يمنع الجيش السوري من تحرير المنطقة من عصابات الإرهاب وفي نفس الوقت يدرك العواقب الوخيمة التي سترتد على قواته المتواجدة فيها وفي المنطقة التي تعددت فيها مغامراته اللامسؤولة ، بالتالي سيبتلع بايدن مرغما ما تلقاه من هزائم حتى الآن، وسيتقبل بحدود الدور المقرر له بعد التطورات الميدانية في سورية، كما يعرف أن القادم أصعب بالنسبة له كونه يدرك أن التراجع في سورية يعنى الهزيمة الصعبة التي وصلت إليها مغامراته في سورية.

وأخيراً… ينبغي علينا أن لا ننخدع بالتصريحات سواء من الإدارة الأمريكية أو حلفاؤها، لأن الاستراتيجية الغربية مازالت قائمة وإنما قد يتغير التكتيك، فالذي يحدث في سورية هو تهديد مباشر لأمن المنطقة، لذلك ينبغي معه مزيد من التضامن والتوحد بين أبناء الوطن الواحد لمجابهة الهجمة على بلدنا، ودعم مؤسسات الدولة السورية والالتفاف حول سورية وهي تخوض حرب حقيقية ضد الإرهاب الذي يهدد حياة ومستقبل الشعب السوري وشعوب المنطقة بأكملها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى