إقتصادفي الواجهة

نهاية عصر النقود

أحلام طرايرة

يموت 15 مليون طفل في العالم سنويا بسبب الجوع، ويذهب 66 مليون طفل لمدارسهم كل يوم جوعى، فيما يعاني حوالي 150 مليون طفل من التقزم بسبب سوء التغذية و100 مليون طفل آخرين يعانون من الوزن الأقل من الطبيعي، ناهيك عن الملايين المنخرطين في مختلف الصراعات والحربو اليوم. أرقام مفزعة أتذكرهها كلما شاهدت أحدهم على فيسبوك ينشر صورة لطفل أفريقي على وشك الموت أو صورة لطفل لاجئ مشرد مكتفيا بقول: “لا تخرج قبل أن تقول الحمد لله الذي لم يبتلينا بما ابتلى به غيرنا!” بكل سلبية وفجور روحي رسّختهما المؤسسة الدينية بإلقاء اللوم دوما على الله الذي يبتلي والشيطان الذي يوسوس وليس على الإنسان الذي أسّس وبنى ورسّخ هذه المنظومة الظالمة التي تسحق كل هؤلاء الأطفال وغيرهم من الملايين من الكبار في حين أن ثلث الغذاء المنتج في العالم يُلقى في القمامة!
لا يموت الناس جوعا لنقص في الغذاء، وإنما لأنهم لا يملكون المال ليشتروه به. ويذهب الناس للحروب لأنهم لا يملكون شيئا يخسروه. ربما يسأل سائل: لماذا لا يملكون المال؟ الإجابة لأننا نعيش في نظام عالمي تتحكم فيه 12 عائلة في العالم أجمع بامتلاكها لأهم وأكبر المؤسسات النقدية العالمية، نظام يمتلك فيه 1% فقط من سكان الأرض ما يعادل 41% من ثروات الأرض، فيما يمتلك نصف سكان الأرض ما نسبته 1% فقط من ثرواتها. هل يُعقل أن يقضي الله بمثل هذا التقسيم الأعوج الأعرج؟ أم أن هؤلاء ال1% الفاحشي الغنى والنفوذ هم من بنوا هذا النظام وعززوه وأبقوه، وهم أيضا من يحاربون أية محاولات لزعزته أو حتى لمجرد التفكير بأنه نظام ظالم يجب هدمه؟ بل في الحقيقة أننا جميعنا- دون استثناء- في خدمته. فهو نظام قائم على أنك لا تمتلك شيئا بدون مال والمال بحاجة لعمل لجلبه والعمل بحاجة لوقت وبالتالي فلا وقت لديك للتفكير بأبعد من ذلك، فالهدف هو استنزافك بالعمل طوال عمرك لتأمين المال الذي تشتري به حاجياتك التي هي في الأصل ملكا لك، لكنك جُرّدت منها عبر التاريخ حتى وصل العالم إلى ما وصل إليه الآن. وإذا لم يكن لديك عمل، فهناك حرب بانتظارك!
قد يبدو هذا ليس أكثر من هراء أو هلوسات حالمين، فقد تم برمجة عقول أغلبية أهل الأرض أنهم يولدون بلا أملاك إلا ما تركها لهم آباؤهم وأن عليهم أن يتعلموا في المدارس كي يتسنى لهم أن يجدوا عملا يقضون فيه حياتهم حتى يستطيعون تغطية أبسط حقوقهم من الغذاء والمسكن، بل أن من لا يعمل هو عالة وعار على نفسه وعلى من حوله، ونعلم جميعنا مصير من لا يعملون، مجرد مشردين على الأرصفة أو في قبو بيت لأحد المحسنين في أحسن الأحوال، أو ربما يغدق عليهم أحد أفراد عائلتهم من كرمه وينفق عليهم وما يتبعه ذلك من هيمنة للمنفِق على المنفَق عليه. أو أن ينخرط هذا الذي بلا عمل في عصابة ما، حرب ما، أو أي نزاع من أي نوع يتناسب بالضرورة مع البلد التي يقيم فيها. إنه من الصعب بمكان أن يدرك العقل البشري اليوم أن يتعايش الناس في نظام اقتصادي قائم على التبادل أو قائم على الموارد بدل هذا النظام الكارثي القائم على المال وما جرّه للبشرية وللأرض عامة من ويلات وحروب وظلم وفقر وموت. حتى وصل الأمر بالعقول المغيّبة المخدِّرة أن يقول البعض وبكل وقاحة بأهمية وضرورة إقامة الحروب والنزاعات، لأنه على قسم من البشر أن يموتوا لقلة موارد الأرض من غذاء وطاقة على وجه الخصوص.
هذا التفكير الخطير لم يأت من فراغ، فالنظام العالمي الحالي يروّج في المناهج التعليمية على مستوى العالم أن الأرض فقيرة بالموارد الطبيعية، وأن هذه الموارد إلى اضمحلال وأنه سيأتي على البشرية يوم يقتل الناس بعضهم البعض لأنه لن يبقَ على وجه الأرض ما يكفي من غذاء وماء ونفط.
نعم، هذا صحيح فقط إذا سمحنا لهذا النظام أن يستمر. لأن هذه النخبة الحاكمة التي ذكرتها آنفا تروّج في المناهج التعليمية التس تشرف عليها في كل بقاع الأرض بأن كل شيء بحاجة لطاقة وتوليد الطاقة بحاجة لنفط، والنفط محدود وسينضب بوما ما ولهذا هو محط صراع لا ينتهي. ولهذا ركّزت المناهج مثلا على اختراع توماس ايديسون مخترع المصباح وقصته النضالية التي احتوت على آلاف المحاولات الفاشلة، بينما تجاهلت وبشكل شبه تام اختراعات نيكولا تيسلا العظيمة في مجال الطاقة المجانية التي لا تحتاج لنفط من قريب أو من بعيد، والتي لا يدفع الناس مقابلا ثمن امتلاكها والحصول عليها. تقول الدراسات أنه لو يتم تطبيق ما توصل إليه تيسلا لحصل جميع البشر على احتياجاتهم من الطاقة التي لا تنضب. قد تتضح الصورة أكثر إذا ذكرنا أنه تم اضطهاد تيسلا والتضييق عليه من قبل شركات تجارة الطاقة (صناعة الكهرباء المدفوعة الثمن) مثل جي بي مورجان الشهيرة ومورجان بالمناسبة هي إحدى ال12 عائلة التي تحكم العالم التي ذكرتها في بداية المقالة. ومن المهم أن نذكر أنه بعد وفاة نيكولا تيسلا- الذي مات وحيدا ومفلسا- في عام 1943 داهمت الحكومة الأميركية مختبره وصادرت كل ما فيه من معدات ووثائق لم تخرج إلى النور حتى يومنا هذا.
أما الغذاء، فإنه وبمعطيات اليوم ومع أن جزء كبير من الناس لم يعودوا يزرعونه بأنفسهم، فإن ثلث ما يُزرع لا يصل إلى الموائد، هذا غير ما يلقيه الناس في القمامة مما يطبخوه. تقول الدراسات أن الغذاء المتوفر اليوم يمكن أن يُطعم 12 مليار إنسان، أي 5 مليارات آخرين غير الموجودين حاليا على الأرض. القصة ليست قصة موارد تنضب ولا أرض لا تتسع للجميع، وإنما قصة جشع ممتدة منذ زمن ليس بالقصير. قصة جشع تؤدي بشركة مثل نستلة أن تُعلن أن الماء ليس حقا بشريا ولهذا تقوم اليم بسرقة مياه قرى صغيرة فقيرة- في باكستان مثلا- لتبيعها كمياه معدنية فيما بعد، لمالكيها الحقيقيين على الاغلب!
الملخص هو أنه إذا استغنى الناس عن المال لن يضطروا للعمل، لن يكونوا عبيدا ولن يكون هناك أي سبب لأي كان أن يذهب لأي حرب كانت. هذا ما أطلقه جاك فريسكو في مشروع “فينوس” والذي يدعو لإقامة اقتصاد قائم على الموارد، وتؤيده حركات عالمية مثل الزايتجايست والتي بات لها فروع في جميع أنحاء العالم. ويبقى الأمل أن لا يساعد “العبيد” العاشقين للعمل لدى أسيادهم في حربهم ضد أية محاولات إصلاحية وتغييرية من أجل البشرية جمعاء، ومن أجل الأرض الأم وكل من عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى