نهاية الدنيا!!
د. صادق السامرائي
من المدهش أن يرى الكثيرون ما يحصل في عالمنا يشير إلى إبتداء العد التنازلي للحياة الدنيا، ويأتي في مقدمتهم الذين يتخذون من الدين منطلقا لما يرون.
فمعظم الأديان إن لم تكن جميعها تذهب بهذا الإتجاه، الذي يفسر ما يجري بأنه إشارات على نهاية الدنيا القريبة.
وهذه الرؤية ليست جديدة، وإنما رافقت البشر منذ الأزل، وتجدنا بين فينة وأخرى نتحدث عنها، وقد تكررت في القرن العشرين عشرات المرات، وراح ضحيتها عدد من البشر المتوهم بها.
واليوم يخاطبني أحد الزملاء من ديانة أخرى، ويصر على أن نهاية الدنيا إقتربت، وما وجدت من الحكمة الخوض في حوار معه لأن ما قاله يمليه عليه إعتقاده، والإعتقاد أعمى، ووهم راسخ لا يقبل المحاججة والجدل.
فكلٌ يؤمن بما يؤمن وحسب.
ولولا وهم الإيمان لما تواصل البشر، وأدرك أن لحياته معنى وقيمة، وعليه أن يسعى وفقا لمتطلبات ومقتضيات ما يؤمن به.
وفي تأريخنا عندما سقطت بغداد (1258) ظن المسلمون أنها النهاية والواقعة، لكنهم بعد معركة (عين جالوت) عادوا ودحضوا ما كانوا يرونه واقعا.
فالوعي البشري محدود، لا يستوعب الكثير من الأحداث والتفاعلات الأرضية، لأنها ذات قدرات خارجة عن قابلياته الإدراكية، فينتهي به الرأي إلى أنها ذات معاني ومنطلقات ختامية، مما يعبر عن عجزه وضعفه، وإستسلامه أمام حالات لا يقدر على تغييرها والتأثير الإيجابي فيها.
هذه الرؤى والتفاعلات تؤكد بدليل قاطع على أن الإنسان خلق ضعيفا، ومهما تصور ففعله محدود، وهو يسبح في مدارات ذات مستويات متعددة، وأكثر البشر يدور في أضيق مدارات الوجود، والقلة إستطاعوا أن يقفزوا إلى مدارات أكبر وأسرع، فتحقق التباين بينهم وبين الذي يرى في طبقات المدارات الإدراكية العلوية!!
فهل ستتوقف الأرض عن الدوران ذات يومٍ بعيد؟
الكيان الكوني نظام متكامل ملتهب دوّار ومحكوم بأبدية مطلقة، وهذه الطاقة البقائية من المستحيل قراءة مساراتها وتحديد محطات إنتفائها، وما أوتينا من العلم إلا قليلا.
فما نتداوله تهيؤات وهذيانات مضللة لإرضاء ما فينا من الحاجات التي يمليها الغيب الذي يرعبنا.
فهل لنا أن نفكر بالدنيا لا بنهايتها؟
فالتراب خالد وما فوقه بائد!!
د. صادق السامرائي