أحوال عربية

نظرة المجتمع لتولي المرأة المناصب القيادية

 
حسن الشامي
إن التنمية لا تقاس بمستوى معدلات النمو وبارتفاع نسبة الإنتاج والإنتاجية فحسب، وإنما تقاس أيضًا بتأسيس مواطنة تُمكّن الفرد من المشاركة في الشأن العام، إذ لا توجد تنمية بدون مواطنة فعالة، ولا توجد مواطنة بدون إرساء دعائم الديمقراطية التي تكفل حق الاختلاف وتضمن الجدال الدائر بين مختلف القوى في المجتمع… وأيضًا لا توجد ديمقراطية بدون مشاركة فاعلة في صنع القرار، وبدون مساومة في كل ما يتعمق بالشأن العام لجميع فئات المجتمع، بصفة خاصة المرأة التي بغيابها وعدم مشاركتها في الشأن العام يُغيّب بوعي أو بغير وعي نصف طاقات المجتمع وقدراته.
وهناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تكفل للمرأة حقوقيا كمواطن كامل المواطنة، وتضمن لعا المشاركة في الشأن العام والمشاركة السياسية دون أية تمييز بينيا وبين الرجل، في ظل المجتمعات التي تنظر للمرأة نظرة دونية، وتقصر دورها في أمور المنزل.
ومن أهم هذه الاتفاقيات في هذت المجال :
ـ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر 1948 م ونص في مادته الثانية على “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.. وبالإضافة لما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود”.
ـ اتفاقية القضاء عمى جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باسم “السيداو CEDAW” : والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979 م، حيث نصت في مادتها الثانية على” تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء عمى التمييز ضد المرأة”.. وتحقيقا لذلك تتعين على الدول الموقعة على الاتفاقية القيام بما سمي “إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة” في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة. واتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة. وفرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البند، من أي عمل تمييزي. والامتناع عن مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام. واتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة. واتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منيا، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة. وإلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة.
وبالنظر إلى واقع المجتمعات العربية والمجتمع المصري تحديدًا نجد أن هذا الواقع يطرح علينا إشكالية لم تحل بعد، تتمثل في مكانة المرأة في المجتمع وتحديدًا في إطار العمل وأحقيتها للقيادة في المراكز العليا، وعلى الرغم من أن دعاة النهضة والتحرر الاجتماعي يعتبرون قضية عمل المرأة في قلب الحركة النسائية وفي صدارة الأسئلة التي طرحت بعد انطلاق المرحلة الليبرالية في القرن الماضي، إلا أننا مازلنا نتحاور حول نفس القضية في الألفية الحالية.. والتي تحدث عنها قاسم أمين في كتابه “تحرير المرأة” حينما ربط بين قضية المرأة والاستبداد السياسي حيث قال : ” لقد مضت القرون على الأمم الإسلامية وهي تحت حكم الاستبداد المطبق وكان من أثر هذه الحكومات الاستبدادية أن الرجل في قوته أخذ يحتكر المرأة في ضعفها، وقد يكون من أسباب ذلك أن أول أثر يظهر في الأمة المحكومة بالاستبداد هو فساد الأخلاق”.
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تجاوز فيه العالم الآن قضية الحقوق الأساسية للإنسان رجلًا كان أو امرأة في إطار من المسؤولية الاجتماعية، كبشر مستقلين قادرين على القيادة والإنجاز في ظل مساواة اجتماعية وقانونية، ما زلنا نتساءل: هل تصلح المرأة للعمل في المناصب القيادية؟.
وفي محاولة للإجابة على هذا التساؤل قامت “الجمعية المصرية للتنمية العلمية والتكنولوجية” باستطلاع رأي الشارع المصري، حول ما إذا كانت المرأة تصلح لتولي المناصب القيادية؟، وهل يؤيد الشارع المصري تولي المرأة لمناصب القيادية العليا مثل رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب؟، وما هي الصفات التي لا يمكن التنازل عنها في السيدات اللاتي ترغبن في تولي منصب قيادي؟.
العينة:
طبق الاستطلاع عمى عينة عشوائية من مختلف قطاعات الجمهورية، حيث تم التطبيق على أكثر من محافظة في كل قطاع، وفقاً لثقل هذه المحافظة من الناحية السياسية وكونها كتلة فارقة في نسبة التصويت.
وكانت نسبة المبحوثين في كل قطاع كالتالي :
قطاع القاهرة الكبرى )محافظة القاهرة، ومحافظة القليوبية، ومحافظة الجيزة نسبة % 58
الوجه البحري) محافظات الدقهلية، والفيوم، وكفر الشيخ، والمنوفية، والشرقية، والغربية، والإسكندرية، والبحيرة نسبة % 29
الوجه القبلي )محافظات أسيوط،, وسوهاج، والمنيا، وبني سويف، وقنا، والأقصر نسبة % 13
وفيما يتعمق بالنوع فمثل الذكور نسبة % 57 من إجمالي العينة، بينما مثلت الإناث نسبة % 43
وعن سن العينة فكانت النسبة الأعلى للشباب في هذه العينة، حيث بلغت نسبة من هم في الفئة العمرية بين 18 إلى 29 عاما % 57، تليها الفئة العمرية من 31 إلى 44 عاما بنسبة % 31، ثم فئة ما بين 45 إلى 61 عاما بنسبة % 9، تليها فئة أكثر من 61 عاما بنسبة % 4.
أما عن محل الإقامة فكانت نسبة % 85 من سكان المناطق الحضرية، ونسبة % 15 من سكان المناطق الريفية.
وعن المستوى التعميمي فكانت نسبة % 45 من ذوي التعميم الجامعي، تليها نسبة % 22 من ذوي التعليم فوق الجامعي، تليها نسبة % 11 من ذوي التعميم فوق المتوسط، ونسبة % 11 ذوي التعليم المتوسط، تليها نسبة % 6 ممن يقرؤون ويكتبون، وتليها نسبة % 4 من غير المتعلمين.
نتائج استطلاع الرأي لتولي المرأة للمناصب القيادية:
ـ رئاسة الجمهورية :
تبين أن نسبة %76من المبحوثين أقروا بأن المرأة تصلح لتولي المناصب القيادية بشكل عام، ونسبة 24 % يرون أن المرأة لا تصلح لتولي المناصب القيادية بشكل عام.
أما عن تولي المرأة لبعض المناصب القيادية مثل رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو مجلس النواب فتبين من نتائج الاستطلاع أن النسبة الأعلى من المبحوثين يؤكدون أن المرأة لا تصلح لتولي منصب رئاسة الجمهورية وذلك بنسبة% 55، ونسبة % 45يؤكدون أنه من الممكن أن تتولى المرأة المناصب.
ـ رئاسة مجلس الوزراء :
تبين أن نسبة % 69 من المبحوثين يؤكدون إمكانية تولي المرأة لهذا المنصب، ونسبة % 31 يؤكدون أن المرأة لا تصلح لأن تتولى المنصب.
ـ رئاسة مجلس النواب :
أكدت نسبة % 64 من المبحوثين أن المرأة تصلح لشغل هذا المنصب، بينما كانت نسبة% 36 من المبحوثين يؤكدون عدم قدرة المرأة لشغل المنصب.
وتعتبر النتائج السابقة تبعث التفاؤل حول وضع المرأة في المجتمع، وذلك لوجود عدد كبير من المبحوثين يوافقون على تولي المرأة المناصب القيادية، إلا أن ما يثير القلق وجود نسبة من المبحوثين ليست بالقليلة لا يوافقون على تولي المرأة هذه المناصب القيادية.. في ظل عينة نصفيا تقريبا من السيدات، وأكثر من نصفها من فئة الشباب، وما يقرب من ثلثيها من ذوي التعليم الجامعي وفوق الجامعي، ومعظمها من سكان الحضر.
وضع المرأة على المستوى التشريعي :
حققت المرأة تقدما نسبيا في الحصول على حقوقها دون تمييز، حيث كفل الدستور المصري الذي تمت إقراره في يناير 2014 للمرأة المساواة وعدم التمييز وأعطى لها حقوقا لم تحصل عليها من قبل في أي دستور مصري.. حيث نصت المادة 11 علي “تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور، وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة، والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها، وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا”.
ولكن على أرض الواقع ما زالت المرأة تعاني من النظرة الدونية والتهميش وحرمانها من الوصول المراكز القيادية، ذلك ليس بسبب نقص أو تكوين بيولوجي، بل بسبب حرمانها من الموارد التي يمكن أن توفر لها
حراكًا مبنيًا لتكون في أعمى المستويات القيادية، وهذه الموارد تتحدد كقاعدة أولية في التعليم والتدريب واكتساب المهارات، وكذلك استمرار الثقافة التقليدية التي تعزز التوجه الذكوري للقيادة واتخاذ القرار حول عمل المرأة.
وتتمثل خطورة استمرار تهميش المرأة في التأثير على الوعي الذاتي للمرأة، الذي يمكن أن نطلق عليه التهميش الإرادي القسري، الذي اختارته المرأة طوعًا، فالمرأة تختار التهميش ذاتيًا إزاء ما هو مفروض عليها من الثقافة العامة، وتعاني حالة من التهميش المركب من خلال مسارات من القهر التي تتعرض لو من قهر السلطة بكل مستوياتها، وقهر الرجل والقهر الاقتصادي وقهر الثقافة وقهر النوع أو الجنس.
صفات لا يمكن التنازل عنها في السيدات اللاتي ترغبن في تولي منصب قيادي:
وبذلك اتضح أن هناك مجموعة من الصفات لا يمكن التنازل عنها في المرأة الراغبة في تولي منصب قيادي وهذه الصفات هي :
ـ مهارات قيادية مثل الكاريزما وقوة الشخصية
ـ خبرة في العمل السياسي
ـ خطط ورؤية مستقبلية واضحة
ـ حصولها علي درجات علمية متقدمة
ـ العمل بضمير وجد
ـ مهارات في الإدارة
ـ النزاهة صفات لا يمكن التنازل عنها
إن وضع المرأة في المجتمع المصري يحتاج إلي مزيد من العمل والجيد، فعمى الرغم من حصولها علي حقوق وضمانات غير مسبوقة في الدستور الحالي، وعمى الرغم من زيادة الوعي لديها ومشاركتها في كافة مراحل التحول والأوقات الفارقة التي مرت بالمجتمع المصري منذ ثورة 25 يناير 2011.
وعلى الرغم من زيادة نسبة مشاركة المرأة في كافة الاستفتاءات والانتخابات التي حدثت بعد الثورة، إلا أن المرأة ما زالت بعيدة عن كافة المناصب القيادية العليا، بل لم نجد مرشحات سيدات في الانتخابات الرئاسية، وما زال هناك نسبة ليست بالقليلة ترى أن المرأة لا تسمح لتولي المناصب القيادية..
ولكي تسود ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة يجب أن تعمل منظمات المجتمع المدني والمنظمات التي تعمل على تمكين المرأة عمى ثلاث مستويات مختلفة وهي :
المستوى الأول : الضغط عمى الحكومة والقيادة السياسية لتنفيذ مواد الدستور والاتفاقيات الدولية التي تنص على عدم التمييز، وكذلك إتاحة فرص أكبر لتولي المرأة المناصب القيادية.
المستوى الثاني : تأهيل النساء لزيادة عدد الكوادر النسائية المؤدية لتولي المناصب القيادية.
المستوى الثالث : العمل عمى زيادة الوعي المجتمعي وتنمية ثقافة المساواة، والقضاء على القيم السلبية التي تقلل من شأن المرأة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى