مع إني أرفض تسمية المحال على المعاش ، باسم المتقاعد ، لأنني أجد فيه من السلبية ما يثير الحساسية ، فالمحال على المعاش إنسان طبيعي ، يوم إحالته على المعاش ، كان يوما في قمة عطائه ، كان يشغل وظائف إدارية وتربوية واقتصادية إنتاجية ، بعضها في غاية الأهمية ، بل المؤسف إنها لم تعوض بعد إحالة الموظف للمعاش .
فالموظف المحال على المعاش ليس رجلا سلبيا ، كما يظنه بعض أشباه المثقفين ، بوصفه أنه لا يجد كيف يسد فراغ وقته ، أو أنه يعيش الوحدة والعزلة ، يملأ فراغه بين أعتاب الطرقات أو في المقاهي ، أو يتفرش صناديق الأوراق المرمية.
نعم ، قد تعيش فئة من المحالين ضنك العيش بسبب زهادة الراتب الشهري ، أو بسبب الأمراض المزمنة التي يعاني منها فئة الشيوخ والعجزة ، وهذا موجود ولا نخفيه.
وهذه الحالات يتوجب أن يحتويها نظام اجتماعي تضامني يتكفل بالعلاج والرعاية ، يعوض للمحال جزءا من ضريبة عمره التي قضاها في الخدمة ، يوم كان يبدل قصارى جهده في تفان طيلة مساره الوظيفي ، وهذا التعويض غير مفعل في نظامنا الاجتماعي ، أو غير موجود على أرض الواقع ، فالمحال من هذه الفئة بحاجة لاهتمام يعوضه تعب الأيام وضيقها .
وهناك فئة عريضة من المحالين ، يمارسون حياتهم الطبيعية بكل سلاسة ، يقومون بوظائفهم الحيوية كسائر أصحاب الوظائف ، في نشاطهم المعهود ، لم يتغير في وضعهم سوى المكان والوظيفة السابقة ، يمارسون نشاطاتهم في التجارة أو الفلاحة أو في مشاريعهم الخاصة ، يساهمون كغيرهم في الدخل الخام الوطني ، وهناك فئة أخرى تمارس أنشطتها التطوعية في الخدمة العامة ، تقوم بأدوار مكملة نفعبة ، رغم أنها ليست ربحية ؛ لكنها في ميزان التنمية المستدامة لها دور بالغ الأهمية .
لهذا لا يجب أن نقلل من دور هذه الفئة من المجتمع ، التي كانت يوما ما تشغل حيزا في خريطة الوظيفة العمومية ، ساهمت في التنمية بقسط وافر ، الواجب على القيادة السياسية أن تحتويهم كجيش احتياط نفعي مهم ، يستفاد منه في استكمال النقص حسب الحاجة والضرورة ، خصوصا الكفاءات منهم ، وهذا النظام تستفيد منه الأنظمة المتقدمة أو العالم الأول ، و نحن أولى به منهم ، لما نمتلكه من قيم حضارية ودينية ، جميعها تشجع على استباق الخيرات من جميع عطاءات كل الفئات العمرية .
الأستاذ حشاني زغيدي