دراسات و تحقيقاتفي الواجهة

جرائم الاتجار بالبشر : المفهوم – الأسباب – سبل المواجهة

هاني جرجس عياد

امرأة تستعبد كعاملة في منزل ، فتاة في مقتبل العمر تحبس من أجل الاستغلال الجنسي ، فتى من بيئة فقيرة يخطف لتسرق أعضاؤه ، صور مؤلمة من صور الجريمة المصنفة في مؤسسات الأمم المتحدة ضمن جرائم حقوق الإنسان والمعروفة باسم “الاتجار بالبشر”.
تعرف هذه الجريمة بأنها عملية استغلال الإنسان ، عبر التهديد أو الابتزاز واستغلال ظروف الشخص المستهدف ، بقصد التربح من ورائه من خلال البغاء ، أو العمل الإجباري ، أو نقل الأعضاء.
كما عرف الاتجار بالبشر على أنه أنشطة استقطاب شخص ، أو إيوائه ، أو نقله، أو توفيره ، أو استحواذه ، لإرغامه على العمل القسري أو ممارسة الجنس التجاري ، وذلك من خلال استخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه ، وقد يطلق عليه أيضا مصطلحات مثل “الاتجار بالأشخاص” و”العبودية الحديثة”.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ، فإن الاتجار بالبشر قد عرف دوليا للمرة الأولى في المادة الثالثة من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص ، على أنه يتألف من ثلاثة عناصر هي : (أ) فعل : يتمثل في تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم ، (ب) وسيلة : تساعد على تحقيق الفعل ، مثل التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة ضعف أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر، (ج) غرض : من الفعل المعتزم أو من الوسيلة ، أي الاستغلال. وبالتالي فإن موافقة الضحية على الاستغلال المعتزم غير ذي أهمية عند استخدام أي من الطرق المذكورة. ويتعين توافر العناصر الثلاثة في أي فعل لكي يعد “اتجارا بالأشخاص” في القانون الدولي . والاستثناء الوحيد هو أن عنصر “الوسيلة” لا يكون جزءا من التعريف عندما يكون الضحية طفلا.
يعتبر اتجارا بالبشر في المفهوم الشامل أي فعل أو تعامل يتم بمقتضاه نقل أي شخص أو مجموعة من الأشخاص سواء كان طفلا أو رجلا أو سيدة إلى أشخاص آخرين نظير مقابل ، وذلك لاستغلالهم جنسيا (بكافة الأنشطة الجنسية) ، أو استغلالهم تجاريا في بيع أعضائهم ، واستغلالهم في البحوث العلمية ، أو استغلالهم في الحروب كمرتزقة ، أو استغلالهم في الأعمال القسرية في الصناعة أو الزراعة على نحو يعرض حياتهم للخطر، أو استغلالهم في الهجرة غير الشرعية والتسفير الوهمي ، سواء تمت هذه الأفعال بمقابل أو من دون مقابل.
باتت جريمة الاتجار بالبشر تؤرق الضمير العالمي في الآونة الأخيرة ، فهي تشكل شكلا من أشكال الرق المعاصر ، كما تعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
وتعتبر جريمة الاتجار بالبشر ظاهرة دولية ، لا تقتصر على دولة معينة ، وإنما تمتد لتشمل العديد من الدول المختلفة والتي تختلف صورها وأنماطها من دولة إلى أخرى طبقا لنظرة الدولة لمفهوم الاتجار بالبشر ومدى احترامها لحقوق الإنسان ، ووفقا لعاداتها وتقاليدها وثقافتها والتشريعات الجنائية النافذة فيها في هذا المجال والنظام السياسي المتبع بها ، فمنها على سبيل المثال الاتجار بالنساء والأطفال لأغراض الدعارة والاستغلال الجنسي ، وبيع الأعضاء البشرية وعمالة السخرة ، واستغلال خدم المنازل ، وبيع الأطفال لأغراض التبني ، والزواج القسرى ، والسياحة الجنسية ، واستغلال الأطفال في النزاعات المسلحة والاستغلال الجنسي للأطفال لأغراض تجارية ، والاستغلال السيئ للمهاجرين بصفة غير شرعية ، واستغلال أطفال الشوارع .
ويجب التنويه إلى أننا لا نستطيع حصر الأشكال والصور التي يمكن أن تتخذها جريمة الاتجار بالبشر ، ولكن ما يمكن الجزم به هو أن هذه الأشكال وتلك الصور تتطور بسرعة فائقة وفي اتجاه تصاعدي في ظل العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات ( شبكات الانترنت ) حيث برزت على الساحة الدولية الجريمة المنظمة والتي تتسم بالعنف ودقة التنظيم وقدرتها على التوسع الرأسي في مجالات متعددة ، مما ينعكس أثره على أمن وسلم البشرية وتهديد اقتصاديات الدول والأفراد ولاسيما الدول النامية والتي تمر بمرحلة انتقالية .
كما يجب الإشارة إلى أن جريمة الاتجار بالبشر قد تتم على المستوى المحلي أو الدولي على السواء ففي المجال الدولي تعتبر جريمة الاتجار بالبشر إحدى صور الجريمة المنظمة حيث تسعى عصابات الإجرام المنظم التي احترفت الإجرام في ارتكابها وتجعل من الجريمة مجالا لنشاطها ومصدرا لدخلها ، وتهدف من ورائها إلى تحقيق أرباح طائلة مخالفة بذلك المواثيق والأعراف الدولية والتشريعات الداخلية الأمر الذي يتطلب ملاحقة دولية وفعالة لعصابات الإجرام المنظم لتقديمهم ليد العدالة الجنائية .
ويمثل الاتجار بالبشر ثالث مصدر للتربح من الجريمة المنظمة بعد تجارة المخدرات و تجارة السلاح ، حيث يحصد من ورائها بلايين الدولارات سنويا ، حيث تسعى عصابات الإجرام المنظم إلى تعزيز أنشطتها الإجرامية من خلال زيادة قدرتها على التغلغل في الأعمال المشروعة للتستر خلفها وهو ما يعرف بظاهرة غسل الأموال.
كما يجب ألا نغفل عن ضحايا الاتجار بالبشر وما يجب توفيره لهؤلاء الضحايا من عدالة وإنصاف وحماية ورعاية عقب وقوع الجريمة ، وإشراكهم في الدعوى الجنائية ، وتوفير المساعدة لهم في جميع مراحل الإجراءات القانونية ، وإعلامهم بحقوقهم وسبل اقتضائها وتعويضهم عما لحقهم من أضرار مادية وأدبية من جراء وقوع الجريمة وغير ذلك من ألوان الحماية والرعاية . فمما لا شك فيه أن كل ذلك يعتبر نظرة إنسانية نبيلة جديرة بكل تقدير وتشجيع باعتبار أن هؤلاء الضحايا أو ذويهم أول من يقع عليهم القدر الأكبر من الأضرار والمعاناة النفسية والآثار السيئة الناجمة عن الجريمة .
وترتيبا على ما تقدم ، تسعى المنظمات الدولية والإقليمية في العديد من المحافل الدولية إلى عقد المؤتمرات والندوات الدولية لوضع الأسس والمعايير الدولية للحد من هذه الظاهرة ويكون ذلك من خلال إبرام الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف فيما يتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر ، وحث الدول المختلفة على سن التشريعات الداخلية بها التي تجرم الوقائع المرتكبة لصور الاتجار بالبشر ومتابعة الجهود المبذولة من كل دولة وما اتخذته من إجراءات وتدابير لمكافحة هذه النوعية من الجرائم وتقييمها .
أن هناك عدة أسباب أدت إلى انتشار جريمة الاتجار بالبشر، وهذه الأسباب في مجملها معقدة ، وتدور حول الأسباب التالية :
1- أنها تجارة سهلة وسريعة الربح ، حيث إن ربحها يقارب ربح تجارة السلاح والمخدرات ، حيث يتطلع الفقراء للعيش في مستوى أفضل ويستغل من يقوم بالاتجار بالبشر ذلك ، حيث يسهل لهم بيع بعض أعضاء جسمهم تحت دعوى التبرع أو تزويج بناتهم القصر وهم لا يدركون مدى خطورة ذلك.
2- عدم وجود قوانين رادعة لكثير من مظاهر وصور الاتجار بالبشر ، أو إمكانية التحايل على القوانين المنظمة لذلك ، وذلك كله يشجع على إهدار تلك القوانين ويلغي آثرها في إحداث الردع العام والخاص ويهيئ لظهور ضحايا جدد للاتجار بالبشر.
3- اختلال وضعف الوازع الديني وغياب الضمير لدى بعض من يمارسون الاتجار بالبشر كوسائل للضبط الاجتماعي ، مما يجعلهم يقومون بذلك كبعض الأطباء والممرضات أو عصابات خطف أو بيع أو استغلال الأطفال والفتيات في أعمال منافية للآداب.
4- انتشار الفقر والبطالة والأمية وما يرتبط بها من عجز قد يدفع البعض للسفر للخارج تحت دعوى العمل ، وخداع المتاجرين بالبشر والآمال الوهمية التي يطرحونها ، بالإضافة إلى القهر الذي يتعرضون له عندما يعملون تحت سطوة بعض الظالمين من التجار ومستغلي ظروف الحاجة ، أو يدفع البعض لبيع أعضاءه تحت دعوى التبرع بها.
5- التطلعات الشخصية غير الواقعية التي غالبا ما تؤدي إلى الوقوع في شرك المتاجرين بالبشر، خاصة عند الأقليات المضطهدة التي تعاني انتهاكا لحقوقها المدنية والقانونية ، فترى في الهجرة حياة أفضل ومجتمعا أحسن ، ولكن لا تلبث أن تكتشف أنها أصبحت ضحية للاتجار بالبشر.
6- العادات والعرف والتقاليد التي تميز بين الجنسين يمكن أن تكون سببا في انتشار الاتجار بالبشر ، حيث تبيح تلك العادات والأعراف للأب أو الولي حق التصرف في الأنثى التي لا تجد إلا القبول والطاعة دون أن يكون لها حق الاعتراض ، متمثلا في حالات زواج القاصرات من الأثرياء من خلال وسطاء يتربحون من ذلك.
7- توفر العوامل المشجعة على زيادة الطلب للاتجار بالبشر ومنها ممارسة الجنس ، وازدياد الطلب على العمالة غير القانونية والرخيصة والمستضعفة ، وزيادة فرص السياحة الجنسية وزيادة المواقع الإباحية ، وتوسع الخيارات المتاحة للمستهلكين من خلال سهولة استخدام الوسائل التكنولوجية ومنها الانترنت بما يسمح بزيادة فرص عقد صفقات الاتجار بالبشر.
أن ظاهرة الاتجار بالبشر في بداية ظهورها كانت تتمثل في تجارة العبيد وبالذات النساء ، حيث كان يتم شراؤهن للعمل في المزارع وأعمال الخدمة المنزلية ، وكانت تقام مزادات لبيع العبيد يتم فيها بيع الرجال والنساء الذين تخطفهم الجيوش الغازية . ثم تطورت ظاهرة الاتجار بالبشر بأن أصبحت تمارس عبر عمليات البيع المباشر للمرأة من خلال العمل في أعمال الدعارة . وقد أدى التطور والتقدم العلمي والطبي خلال القرن العشرين والحادي والعشرين إلى ازدهار عملية الاتجار في الأعضاء البشرية (كالكلى والدم وغيرهما) . ونظرا لانتهاء الحرب الباردة بين القوتين الكبيرتين وظهور ظاهرة الاسترزاق العسكري ، فقد صار الارتزاق العسكري في عصر العولمة يتم عن طريق إنشاء شركات مرتزقة أمنية خاصة وانتشار مهنة الجنود المأجورين ، وازدهرت خدمة ما تعرف بتجارة العنف والقتل والتعذيب في دول عديدة في العالم.
وتتميز ظاهرة الاتجار في البشر بعدة خصائص ، تتمثل في :
1- أنها ظاهرة إجرامية (أو جريمة منظمة).
2- ظاهرة مركبة (الضحية، والوسيط، والتاجر، والسوق).
3- ارتفاع العوائد من الاتجار.
4- السهولة النسبية ومحدودية التكاليف وانخفاض المخاطرة.
5- القدرة الاستثنائية على التجدد.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن هناك حوالي 4 ملايين يتعرضون للتجارة غير المشروعة بالبشر كل عام في مختلف أرجاء العالم ينتج عنها أرباح طائلة لمؤسسات إجرامية ، وتعتبر تجارة الجنس من أكثر أنواع التجارة غير المشروعة نموًا، وهناك آلاف من النساء والأطفال الذين يتم إغراؤهم يوميا للدخول في عالم تجارة الجنس الدولية من خلال وعودهم بالحصول على حياة أفضل وأعمال مربحة خارج أوطانهم.
ومن أهم الآثار الاقتصادية لظاهرة الاتجار في البشر:
1- إهدار الموارد الإنسانية والمادية.
2- دعم أنشطة الاقتصاد الأسود والفساد وتشويه الوعاء الضريبي.
3- تفعيل غسيل الأموال.
4- التأثير على ميزان المدفوعات وموازنة الدولة وأسعار الصرف.
5- الفقر كسبب رئيسي للظاهرة ومسؤولية الدول الغنية عنها.
وتعتبر مصر بلد المصدر والعبور والمقصد في نفس الوقت ، والشكل الأكثر شيوعا للاتجار بالبشر في مصر هو الاتجار بالنساء والفتيات لغرض الزواج ، واستغلال البالغين والأطفال في العمل (على سبيل المثال العمل المنزلي) ، والاتجار في أطفال الشوارع والاستغلال الجنسي . ويتعرض ضحايا الاتجار إلى العمل بالإكراه والأعمال المماثلة للرق ، ويتعرضون للإيذاء النفسي والجسدي والجنسي والحرمان من الطعام.
ويجرم القانون المصري رقم 64 لسنة 2010 عملية الاتجار في البشر وينص على تدابير الحماية المناسبة للضحايا ، وفي العام نفسه تم وضع إطار مرجعي وطني بقيادة المجلس القومي للطفولة والأمومة للأشخاص الذين يتم الاتجار بهم أو الذين يعرفون أشخاصا يعتقدون أنه يتم الاتجار بهم لمساعدتهم في تلبية الاحتياجات الصحية والمأوى والخدمات القانونية.
انه يجب حماية حقوق الإنسان الدولية والمحافظة عليها ، ولابد من تنفيذ ما ورد بالوثائق والمعاهدات الدولية الصادرة بشأن حقوق الإنسان ، ولمحاربة ظاهرة الاتجار بالبشر لابد من تكاتف الدول للقضاء على تلك الظاهرة ومحاربة العصابات الدولية.
وعن التزامات دولة الاستقبال تجاه ضحايا الاتجار في البشر، فانه يجب الآتي : تقديم المزايا والخدمات ، ومعرفة أحوال الضحايا فيما يتعلق بالحماية المتوفرة لهم وحقوقهم ، وإعادة الضحايا للوطن في حال اختيار العودة ، ومنحهم معونة الهجرة.
إن الوقاية والحد من الاتجار بالبشر تتطلب إستراتيجيات عملية تستهدف ثلاثة أوجه لهذه التجارة من جانب العرض والمتاجرين والطلب.
فعلى جانب العرض ، فإن الظروف تدفع هذه التجارة إلى أن تعالج بواسطة تنبيه المجتمعات إلى مخاطرها وتحسن فرص التعليم والأنظمة المدرسية ، وتوفر فرض عمل ، وتشجيع المساواة في الحقوق ، وتثقيف الجهات بشأن حقوقها القانونية ، وإتاحة فرص عيش أفضل وأوسع ، ومواجهة الفقر والتخلف وانعدام الفرص ، وذلك لحماية الضحايا من تكرار الوقوع ضحايا الاتجار.
أما على مستوى المتاجرين ، فيجب على أجهزة الأمن أن تعرف خطوط التجارة ، وتعترض سبيلها ، وتنسق مسؤوليات الأجهزة الأمنية ، كما يجب الادعاء بقوة على المتاجرين ، وأولئك الذين يساعدونهم ويدعمونهم ، ومحاربة الفساد الذي يسهل هذه التجارة ، ويجني مكاسب منها ، وكذلك تبادل المعلومات بشأن وثائق السفر لاكتشاف المتاجرين وتبادل المعلومات بشأن أساليب جماعات الاتجار.
وعلى مستوى الطلب ، يجب تحديد هوية الأشخاص الذين يستغلون الأشخاص المتاجر بهم ومقاضاتهم ، إذ يجب تسمية أرباب العمل الذين يستخدمون عمالة قسرية وضحايا الاستغلال الجنسي ، كما يجب وصمهم بالعار، ويجب القيام بحملات توعية في بلدان الوجهة النهائية للضحايا ، ويجب سحب الناس من أماكن عملهم التي تتسم بالاستبعاد على أن يعاد دمجهم في عائلاتهم وفي مجتمعاتهم ، ويجب تعزيز الضوابط الحدودية وضمان عدم تزوير الوثائق للقضاء على تلك الظاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى