نبع الحب

نبع الحب
عندما يختار الكاتب اللبناني غسَان شبّارو عتبة العنوان لروايته “نبع الحب” فإنه
يؤشر على رؤيته الخاصة للكينونة الإنسانيّة ببعدها الأخلاقي المرتبط بجوهر النفس
البشرية؛ فالإنسان لا يتحقق وجوده ولا يكتمل إلا بالحب. ومن هنا أيضاً يمكن تحديد
المرسل إليهم في عتبة “إهداء” الكاتب: “إلى أبناء الوطن آملاً أنهم بتكاتفهم وإصرارهم
وتفانيهم سيظلّل سحر الحب والإيجابية والسرور سماء الوطن” مما يعني أن الكاتب
يراهن على الحب الكامن داخل كل واحد من أبناء هذا الوطن. ولكن ما هو ممكن على
الورق هل سيكون ممكناً في الواقع؟
في بلد يسير نحو المهوار في مختلف مناحي الحياة تأتي تسمية بلدة “المهوار”
فضاءً ملائماً للكتابة عن بنية النظام السياسي اللبناني ووضعه ضمن إطار سوسيولوجي
تاريخي عام، تُقدّم خلاله الرواية مظاهر الصراع الطائفي، خلال فترة الحرب الأهلية،
وتستمر إلى زمن مستقبلي صاعد يتجاوز الزمن الحاضر إلى العام 2029، وهو الزمن
الذي تتحقق فيه ثيمة الرواية كما تخيلها الكاتب وأرادها وهي أن انتصار الحب على
الكراهية ووصول لبنان إلى مستقبل مضيء تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والحرية
والأمان، إنّه الزمن الذي يتم القضاء فيه على الفساد ورموزه ويعيش فيه الإنسان اللبناني
ضمن شروط صديقة للبيئة من ماء وكهرباء وزراعة وصناعة. وهذا هو سرِّ الرواية
وسرِّ “نبع الحب”، الذي سيصيب بطاقته الإيجابية كل شخصيات الرواية، على أمل أن
تصيب كامل المجتمع اللبناني أيضاً.
تحتل مسألة تهميش الإنسان اللبناني حيزاً واسعاً في رواية “نبع الحب”، حيث يطرح
الكاتب شبّارو نماذج إنسانية طفيلية فاسدة، ويدرجها في ثنايا النص ومنهم شخصية
المختار “فارس مفسود” ومحافظ المنطقة “وجيه الصياد”، والنائب “فايز الشاطر”
وغيرهم من المستفيدين من الأزمات الراهنة، والذين يمثلون تحالف الرأسماليين مع
السياسيين للفوز بالغنائم. يقابل هؤلاء نماذج إنسانية إيجابية ومنهم شخصيات آل خرنوب
وآل ريّان اللذان يمثلان بأديانهما المختلفة عنواناً للتعايش المشترك الذي كان سائداً قبل
الحرب، وتأتي قصة الحب بين بنيهما زينة ورشيد وخطوبتهما في النهاية مؤشراً على
انتصار الخير على الشر مهما كانت الصعاب.
“نبع الحب” سردية لبنانية تقرع جرس الإنذار أن أيها اللبنانيون استفيقوا، وتصدّوا
لكل من يريد سرقة حياتكم وتهجيركم وإذلالكم. هيا اجتمعوا وأبحثوا عن مخرج، فالمفاتيح
بيدكم إذا ما قررتم أنكم أسياد أنفسكم، والتاريخ خير شاهد إلى أي واقع أوصلتنا إليه
التبعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى