أخبار هبنقةتعاليقرأي

القطّة التي قتلها الاعتصار

رشيد مصباح (فوزي)

**

مرّ شيخ في الطريق؛ عادة ما يكون الشيخ رمزا للموعظة، فصادفه صبيّ يغسل قطّة بالماء والصّابون؛ الصبي كثيرا ما تأتي صورته مقرونة بالبراءة وأحيانا بالطّيش، والقطّة المسكينة تزمجر وتصرخ تحاول التملّص من بين يدي الصبي فيعيدها بقوّة. استنكر الشيخ الأمر على الولد وأمره أن يكفّ عن تنظيف القطّة فإنّ رغوة الصّابون ستتبّب في موتها.. فما كان من الصبي إلاّ أن قام إلى الشيخ النّاصح يطمئنه بأنّه تعوّد على تنظيفها بتلك الطّريقة. ولما رجع الشيخ التقى بالصبي صاحب القطّة مجدّدا في نفس المكان الذي تركه فيه، لكنّه وجد القطّة المسكينة جثّة ، قد فاضت أنفاسها. فقال للولد معاتبا إيّاه: “ألم أقل لك يا بني إن غسل القطّة بالماء والصابون ستسبّب في قتلها؟”. ردّ الصّبي على كلام الشيخ بأن الاعتِصار هو من تسبّب في موتها، وليس الصابون كما تقول.

مافتئت تذكّرني هذه “النكتة” بشيخ “الچنّارة”: إمام مسجد (أولاد سي موسى): ببلدية الرّچوبة بضواحي سدراتة ولاية سوق أهراس. وكنتُ حينها واحد من بين عشرات المريدين الذين كانوا يزورونه في كل جمعة طلبا للموعظة. ويأبى الإمام السّخي إلّـا أن يكرمنا في بيته بعد كل صلاة. وكان من الصّعب جدّا أن تفلت من الامام بعد الخطبة بسبب إلحاحه. وفي إحدى الجُمعات، بينما كان الشيخ ينكّت كعادته والجمع الكريم يطلق القهقهات المرحة مدويّة تردذها الجدران، وإذ بأحد الأشخاص من بينا يقطع كلام الشيخ بعبارات فرنسية. فتلكّأ و تلعثم كأنّهابتلع لسانه. فتدخّل الشيخ اللّبيب بحنكته وحكمته لينقذ الموقف. وروى لنا قصّة الشيخ مع الولد صاحب القطّة.

من الجزائريين من لا يملك من الهوية سوى بطاقة التعريف الوطنية. يجدون صعوبة النّطق بالعربية، ومنهم من يعتصر نفسه ليتكلّم بالفرنسية، فيشعر بالفخر والاعتزاز عندها. فهل أصاب ابن خلدون حين قال في مقدّمته إنّ: ((المغلوب مولّع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه و نحلته و سائر أحواله و عوائده))؟ا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى