إقتصادالجزائر من الداخل

مواطنة الشركات

محمد العزاوي

يمثل مفهوم مواطنة الشركات تطوراً مهماً في دور المنظمات في مجتمعاتها. هذا التطور يعكس تغيير ايديولوجي في النظر الى تحول هذه المنظمات الى لاعب مؤثر في تنمية وتطوير المجتمع بوصفها مواطنأ لها حقوق وعليها واجبات.
مفهوم مواطنة الشركات:
تعرف مواطنة الشركات بانها مجموعة من الاستراتيجيات والانشطة التي تصورالعلاقة بين المنظمة والمجتمع. كما أنها عرفت على أنها امتداد لمفاهيم اخرى لتصوير العلاقة بين المنظمة والمجتمع. من ناحية اخرى، فان مواطنة الشركات هي مفهوم يقوم بربط الانشطة التشغيلية للمنظمة بانشطة المجتمع لغرض تعزيز فكرة ان المنظمة هي مواطن يمتلك حقوق وتترتب عليه مجموعة من الواجبات.
ووفقاً للمركز الدولي لمنظمات القطاع الخاص فان مفهوم مواطنة الشركات يعرف بأنه مفهوم ينظر الى ما وراء الارباح المتحققة في المدى القصير والأخذ بعين الاعتبار مصالح اصحاب الحقوق ووجود معايير الاخلاقية عالية لخلق بيئة جيدة للتجارة والاستثمار.
أما المنتدى الاقتصادي العالمي فقد عرف هذا المفهوم عام 2003 بأنه عملية دمج سياسات وتطبيقات الشركة التي تؤثر في البيئة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
وقد عرف ايضاً بأنه ذلك المفهوم الذي يتجلى في استراتيجيات وتطبيقيات الشركات لتطوير مفهوم تشغيلي يؤثر على مصالح اصحاب الحقوق وعلى البيئة الطبيعية.
وضمن نفس السياق عرف المفهوم بانه محفظة من الانشطة الاجتماعية- الاقتصادية التي تقوم بها الشركات حيث تدرك واجباتها كعضو في المجتمع.

خصائص مواطنة الشركات:
لمفهوم مواطنة الشركات عدة خصائص منها:
1- يتغلب المفهوم على الصعوبات التشغيلية والتنفيذية لمفاهيم اخرى ذات علاقة مثل المسؤولية الاجتماعية، وهذا يعني ان هذا المفهوم اكثر عملية من المفاهيم الاخرى.
ان هذه الصفة تعد من الصفات الاساسية لهذا المفهوم بسبب الصعوبة المرتبطة بعمليات قياس كلف ومنافع الانشطة الاجتماعية. ومن هنا فقد اصبح مفهوم المواطنة اكثر تحديداً وارتباطاً بالجوانب التشغيلية لانشطة الشركات، كما أن المفهوم تضمن جوانب مادية ملموسة قابلة للقياس.
2- ان هذا المفهوم اعاد بناء علاقة الشركات بمجتمعاتها،فالفضائح المالية للشركات زادت حدتها آواخر القرن العشرين مما حتم على الشركات ضرورة إعادة بناء علاقاتها مع المجتمع وزيادة مستوى الثقة بأعمالها و انشطتها. ولم يعد مفهوم المسؤولية الاجتماعية كافياً لاعادة بناء هذه العلاقات والثقة وبالتالي فان تبني مفهوم جديد يظهر مدى ولاء الشركات لمجتمعاتها اصبح ضرورة حتمية وقد وجدت هذه الشركات ضالتها في مفهوم مواطنة الشركات,
3- يركز هذا المفهوم على فكرة ان الشركات لديها حقوق وعليها واجبات وحالها في ذلك كحال المواطن الفرد الطبيعي. إن مفهوم مواطنة الشركات يوسع دائرة العلاقة بين الشركة ومجتمعها ويصور هذه العلاقة على ان الشركات وكأنها مواطناً طبيعياً من حيث تحمله للواجبات وحصوله على الحقوق. وبهذا فإن مفهوم المواطنة لم يقتصر على مجموعة محددة من الاتشطة وإنما يمتد ليشمل كل ما من شأنه ان يعزز علاقة الفرد بمجتمعه بإعتباره مواطناً ذا حقوق وعليه إلتزامات.
4- يتضمن المفهوم القضايا الاخلاقية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية معاً. حيث يمزج مفهوم مواطنة الشركات القضايا الاخلاقية والبيئية والتعليمية والاقتصادية والسياسية وغيرها مزجاً يؤدي الى تحول في طريقة تفكير الشركات في علاقتها بمجتمعاتها ويعزز فكرة الشركة المواطن. وعلى هذا فان إنشطة مواطنة الشركات تمتد لتشمل انشطة التعليم والصحة ومكافحة الجوع والفقر والقضايا المرتبطة بتحسين طويل الامد في البيئة وغيرها.
5- ان هذا المفهوم يركز على تلبية حاجات اصحاب الحقوق (Stakeholders) بدلاً من المساهمين (Stockholders)لقد هيمن مفهوم المساهمين على الفكر الاداري والمالي والمحاسبي لفترة زمنية طويلة. يشير هذا المفهوم أن على الشركات ان تخدم مصالح ملاكها بالدرجة الاولى عن طريق تعظيم مصالحهم الشخصية وزيادة مستويات الارباح. لقد أثرت وجهة النظر هذه على الفكر المحاسبي بشكل واضح من حيث تبني وجهة اظر المساهمين في تسجيل وتقويم العمليات المحاسبية واعداد الكشوفات المالية لتوفير معلومات لهذه الفئة تحديداً.
وفي ثمانينيات القرن العشرين برز دور مفهوم أصحاب الحقوق كوجهة نظر بديلة لتفسير سلوك المنظمة. يركز هذه المفهوم على وجود مجموعات اخرى تؤثر وتتأثر بأنشطة الشركات ولكن ليس لديها القدرة على توجيه المنظمة كما تريد ومثلما يفعل المساهمون. ومن هنا فان مفهوم أصحاب الحقوق جاء ليعكس التغير في نمط دور الشركة في مجتمعها، ذلك ان الشركة عليها ان لا تتجاهل وجود هذه المجموعات التي بدا تأثيرها واضحاً في تلك الفترة التي شهدت تحولاً اجتماعياً نحو زيادة الاهتمام بالمجتمع.
6- أن هذا المفهوم يتضمن استراتيجيات وسياسات وتطبيقات لربط الشركات بالمجتمع. ويتم ذلك عن طريق بناء استراتيجية طويلة الامد لعلاقة الشركة بمجتمعها. إن أنشطة مواطنة الشركات تعد ضمن خطة استراتيجية تتضمن مجموعة من الاهداف الملزمة للشركات وضمن مدى زمني معين. هذه الاهداف تترجم ضمن خطة تشغيلية الى مجموعة من السياسات والاجراءات والتطبيقات التي تصبح دليل عمل يلتزم بها موظفوا الشركة وتؤخذ بالحسبان عند إتخاذ القرارات المتعلقة بالشركة.
7- لا يركز هذا المفهوم على عملية توزيع الارباح على أصحاب الحقوق وأنما يركز على مسألة الاستثمار في المجتمع.
مع تطور مفهوم أصحاب الحقوق وإنخفاض أهمية مفهوم الارباح كقوة محركة وحيدة للشركات، أصبح من الضروري تحويل الانتباه الى ما تقدمه الشركة الى المجتمع نظير حصولها على الارباح بحيث تتمكن الشركة تبرير ارباحها ومستويات الارباح المختلفة بسبب مجموعة انشطة مواطنة الشركات المحتلفة. لقد اوضحت أحدى الدراسات أن المستهلكين في السويد مستعدون لشراء السلعة بزيادة 20% في ثمنها اذا تأكدوا ان هذه السلعة تتضمن مزايا ومواصفات تحافظ على البيئة. إن الدور الاساسي للشركات ينبغي ان يتحول من مجرد استثمار لتحقيق ارباح في المدى القصير الى استثمار اجتماعي يمكن ان يحقق الارباح في المدى الطويل عن طريق زيادة ولاء الشركات لمجتمعاتها. ان الشركات تستطيع استثمار تطبيقات المواطنة الاجتماعية بشكل كبير عن طريق ما يسمى “بالمنتجات الاخلاقية”. هذه المنتجات تتضمن عدداً من منتجات الاستثمار في البيئة كتمويل الاستثمار الاخضر والتي أدت في النهاية الى ظهور شركات الاستثمار الاخضر كما في هولندا في تسعينيات القرن العشرين مثل Biogrond Beleggingsfonds والمدرجة في بورصة امستردام.
وتشير بعض الدراسات في هذا المجال الى ان على الشركات ان تفصح أكثر عن هذه المنتجات لان الاعتبار الاخلاقي أصبح أحد محددات القرار بالنسبة للمستهلك عند شراء منتجات الشركات بشكل أصبح يضع ضغطاً أكبر على الشركات لترويج المنتجات الاخلاقية وتقديمها بشكل يحقق متطلبات الاستثمار في المجتمع.
8- يوضح هذا المفهوم أن الحكم النهائي على تصرفات الشركات هو مدى ولائها للمجتمع. حيث يرتبط الولاء للمجتمع بمدى قدرة الشركة على الالتزام بتعهداتها تجاه المجتمع. فطالما أصبحت أنشطة مواطنة الشركات واقعاً ملموساً للشركات، فان هذه الانشطة ستمثل قياساً لمدى ولاء الشركة لمجتمعاتها حيث ينظر المجتمع بشكل او بأخر الى مدى مساهمة الشركة في قطاعات غير محددة ولا يقتصر الامر على مجرد مساهمات متناثرة هنا وهناك، بل أن تكون هذه المساهمات طريق عمل للشركة وتعكس مدى التزامها بتقديم هذه الانشطة للمجتمع بشكل مستمر.

9- يعكس هذا المفهوم الصورة الاجتماعية للشركة. هذه الصورة تتجسد من خلال قبول الشركة رقابة المجتمع (الرقابة الاجتماعية). أن مفهوم مواطنة الشركات يوسع من دائرة الرقابة على انشطتها ويضيف اليها رقابة المجتمع والتي تمثل قدرة المجتمع على تنفيذ اعمال رقابية لاجبار الشركات على العمل لمصلحة المجتمع. ان هذه الرقابة الاجتماعية تمثل وجود آليات رقابية تضمن تحقيق توافق الاهداف بين المجتمع والشركات. يعود السبب في ذلك الى تعارض المصالح بين الشركات ومجتمعاتها. فالشركات تروم تحقيق أعلى مستوى من الارباح بأقل التكاليف، في حين يسعى المجتمع للاستفادة من انشطة وعمليات الشركات دون تدمير لموارده وبما يحقق أعلى قيمة مضافة للمجتمع. وبسبب هذا التعارض فقد ينشأ صراع بين الشركة ومجتمعها، وبالتالي تصبح هناك ضرورة قصوى لازالة هذا التعارض عن طريق الرقابة الاجتماعية.
إن ما يعزز خاصية الرقابة الاجتماعية هو مدى قبول الشركة لرقابة ومسائلة المجتمع وقيامها بوضع الآليات المناسبة لذلك، ومن ثم اعداد خطة التحسين في ضوء التغذية العكسية القادمة من المجتمع حول نشاط الشركة، وفيما اذا كانت هذه الاخيرة قد اوفت بالتزاماتها تجاه المجتمع وحققت الاهداف المنشودة.
التطور التأريخي لمفهوم مواطنة الشركات:
لا يعد عمر مفهوم مواطنة الشركات (كمصطلح) طويلاً مقارنة بمفاهيم الفكر الاداري الاخرى وحتى بالمفاهيم البديلة المرتبطة بالمجتمع. بشكل عام، فان مسؤولية الشركات تجاه المجتمع مرت بحقب زمنية مختلفة وطويلة. إذ أن هناك الكثير من الشواهد التي تشير الى ان المسؤولية الاجتماعية موجودة في زمن حمورابي في العراق. ومروراً بالحضارات المختلفة ووصلاً الى عهد الحضارة الاسلامية حيث نمت المسؤولية الاجتاماعية بشكل مثير وتجسدت في تعاليم الدين الاسلامي الحنيف من خلال الايات القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة والعديدة في هذا الصدد. وقد نمت المسوؤلية الاجتماعية وتطورت في احضان الشركات المساهمة بشكل كبير. فيعزو بعض الباحثين ظهور مفهوم المسؤولية الاجتماعية بالمعنى الحديث الى الشركات المساهمة التي ظهرت منذ اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث اعتبر ظهور المفهوم وكأنه تحول في نمط العلاقة بين الشركات المساهمة والمجتمع. ومع ازدياد حجم الشركات وكبر الاستثمارات فيها وظهور الملكية العامة للجمهور ظهر وتطور اتجاه لمسوؤلية الشركة نحو المجتمع وضرورة الاخذ بنظر الاعتبار مصالح اطراف متعددة فيه نحو طريقة عمل واهداف الشركة المساهمة. وقد ظل هذا المفهوم محل صراع بين الاقتصاديات الرأسمالية والاشتراكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى