أحوال عربيةأخبارأمن وإستراتيجية

الإنتصار والثغرة

الإنتصار والثغرة

كريم عرفان

عند حديثنا عن حرب أكتوبر وعما عرف بثغرة الدفرسوار يجب العودة إلى نوفمبرعام 1971 وذلك المؤتمر الذى انعقد وحضره وزراء الدفاع ووزراء الخارجية العرب والذى شغل منصب السكرتير العام فيه الفريق سعد الدين الشاذلى بصفته رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقتها ؛ والذى تمت فيه مناقشة الخطط المعدة لحرب التحرير وعندما ثارت مسألة إرغام العدو الإسرائيلى على القتال في جبهتين ..الجبهة المصرية والجبهة السورية ..
بين الشاذلى رأيه بوضوح وهو الرأي الذى يصل إلى حد أن يكون عقيدة عسكرية تكونت لديه فقال في حسم : –

  • ليكن معلوما لدى الجميع أنه نظرا للوضع المركزى الذى تتمتع به إسرائيل ؛ ونظرا لتفوقها الساحق في الطيران فإنه لن تستطيع الجبهة المصرية أن تخفف الضغط على الجبهة السورية ولا الجبهة السورية ان تخفف الضغط على الجبهة المصرية ..فيما لو حصل أن العدو ركز على إحدى الجبهتين ..
  • – ولذلك طالبت بأن تكون كل جبهة لها القدرة على الصد ( وقد فسر الفريق الشاذلى ذلك بقوله والقدرة على الصد شيء والقدرة على الهجوم شيء آخر ؛ فالقدرة على الصد أن تكون أقل من العدو في القوة لكنك قادر على أن تصده وتمنعه )

وهذه المعلومة ثابتة راسخة لديه وهى قناعته العسكرية التى خطط وأدار بها حرب السادس من أكتوبر فلا مجال للتقدم داخل سيناء في ظل تفوق جوى للعدو ..وهذا التقدم سيكون خطأ من الناحية العسكرية ومن الناحية العلمية ومن جميع الوجوه .
ولقد كان الفريق الشاذلى يعارض بشدة النظرية التي قدمها الفريق محمد صادق والذى كان وزيرا للحربية فالفريق صادق كان لا يريد ألا نقوم بعملية هجومية إلا إذا وصلنا إلى مرحلة التفوق على العدو ثم نقوم بعملية كاسحة نحرر بها سيناء كاملة ؛ وذلك كان يجرى في المشاريع الإستراتيجية التي كان يتدرب عليها القادة والتي بدأت منذ سنة 68 ؛ 69؛ وآخرها سنة 70 قبل أن يتولى الشاذلى رئاسة الأركان ..وكان في هذا المشروع يتم تحرير سيناء على الورق في 13 يوم ..
فلما تولى الشاذلى رئاسة الأركان وجد ان هذا كله كلام “ورقى” – على حد تعبيره -و لا يتماشى مع الإمكانيات الفعلية ..
لذلك طالب بالقيام بعملية محدودة ..وقال :-
” في استطاعتنا أن نقوم بعملية محدودة ؛ بحيث اننا نعبر القناة وندمر خط بارليف ونحتل 10-12 كيلو شرق القناة ؛ ونقوم بالحرب بالإمكانيات المتاحة ونعوض ضعف قواتنا الجوية والدفاع الجوى المتحرك ؛ بأننا نزحزح الدفاع الجوى الثابت من غرب القناة 20 ك إلى الحافة الغربية للقناة فتعطينا عمق 10 -15 كيلو فنغطى نقطة الضعف بالدفاع الجوى الثابت .”
واستدرك الشاذلى ” هذه هي فلسفة الخطة التي تغيب عن كثير من الناس حتى العسكريين عند حديثهم عن حرب أكتوبر “
وهذه الخطة عرفت بخطة ” المآذن العالية ” .
وبدأت الحرب وفقا للخطة التي وضعها الشاذلى وهى خطة المآذن العالية كما ذكرنا ..
وتمكن الجيش المصرى في السادس من أكتوبر من عبور قناة السويس واجتياح خط بارليف وكان نجاحا باهرا أدهش الجميع ..
ولكن في 14 أكتوبر أصدر الفريق أحمد إسماعيل القرار بتطوير الهجوم نحو المضايق ؛ وأضاف أنه قرار سياسى الغرض منه تخفيف الضغط على الجبهة السورية ..وقد نال هذا القرار رفض واستنكار معظم القادة العسكريين وبطبيعة الحال رئيس الأركان سعد الدين الشاذلى ..فهو قرار يتعارض مع خطته ومع سير العمليات الحربية التي يقوم بإدارتها .
وتم تنفيذ هذا القرار وتكبدت القوات المسلحة خسائر فادحة تحدث عنها الفريق الشاذلى فقال :
” إن قرار التطوير كان خاطئا من كل الوجوه ؛ فكيف يمكن أن نشن هجوما بقوة حوالى 400 دبابة ضد العدو الذى كان قوامه حوالى 900 دبابة فوق أرض من اختيار العدو ؛ وفى ظل تفوق معادى ساحق ؛ وعدم توافر وسائل دفاع جوى صاروخى لقواتنا المهاجمة ؛ وكانت النتيجة الحتمية هي فشل ذلك الهجوم ؛ وخسرت قواتنا المسلحة 250 دبابة .”
وقد اعترف الكثير من القادة بخطأ هذا القرار فيقول اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى :
” قررت منذ فترة طويلة عدم الخوض في هذا الموضوع ولكن امام إغراء الحقيقة لابد أن أعترف بأن قرار تطوير الهجوم نحو المضايق كان قرارا خاطئا مائة بالمائة ؛ وكان خطأ جسيما لأنه ترك الفرصة للعدو لأن يكون على اتصال قريب من قواتنا ؛ وكانت دفاعات العدو وصمود قواته قوية بدرجة ملحوظة الأمر الذى يوضح ان القوات الإسرائيلية كانت على استعداد لهذه المواجهة كما أن أرض وسماء المعركة تساعدها ؛ أي القوات اليهودية المتواجدة في ميدان المعركة ؛ لأنها كانت تستخدم الساتر أي من خلف مصاتب مجهزة لتدمير الدبابات المصرية ؛ إذن كان الهجوم صعبا للغاية وكان من الأفضل أن نكون في موقع الدفاع لأن مدى الصواريخ التي كنا نستخدمها تستدعى مباداة العدو بالهجوم . “
وقد اعترف بذلك الأمر أيضا اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى الميدانى حتى يوم 14 أكتوبر ..
” إن قرار تطوير الهجوم نحو المضايق يوم 14 /10/1973 كان قرارا خاطئا “
وقرار التطوير تسبب في حدوث الثغرة وهو الامر الذى أشار إليه صراحة المشير عبد الحليم أبو غزالة والذى كان يشغل منصب قائد مدفعية الجيش الثانى أثناء حرب أكتوبر إذ يقول :
” من المؤكد أن هجوم 14 أكتوبر لتخفيف الضغط على سوريا هو الذى أدى بعد ذلك إلى حدوث الثغرة ؛ إذ تكون فراغ استراتيجى غرب القناة وبفضل معلومات الإستطلاع التي وفرتها الأقمار الامريكية وطائرات الإستطلاع الإستراتيجى الأمريكية لإسرائيل هي التي سمحت لهم باختيار مكان العبور وأدت إلى نجاحها .”

مصادر —————————————————————————–
1- برنامج شاهد على العصر – تقديم / أحمد منصور .
2- المجموعة 73 مؤرخين ؛ group73historians.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى