ثقافة

خيانة زوجية

تثاؤب قصة قصيرة يوسف المحسن كاتب، روائي

حين قرر أخيرا أن تصطحبه زوجته الشابة في الجولة ، لم يكن يدرك بأنه سيكون فريسة لشكوكه التي لا تنتهي، لأنه يعرف بأن هنالك ما يبرر كل هذه الخيالات ، وكل هذه الكوابيس، فزوجته الشابة المليئة بنشوة حصان تؤكد له يوما بعد آخر .. بأن هنالك ما تحتفظ به عنه ..وأنها تخطط منذ زمن لأطلاق الرصاص على رأسه وهو نائم .. لقد كان يشعر بعد كل وجبة عشاء يرفض أن يتناولها لعلمه بالسم الذي فيها أن نظراتها تخبره بأن الليلة هي ليلته الأخيرة ولهذا وزع واجب الحراسة بين عينيه بالتساوي.. اليسرى تستيقظ حتى الثالثة وتكمل اليمنى حتى الصباح ، انه يقفز جالسا كلما تحركت الزوجة في منامها ، فهي تريد التأكد من نومه لتنفيذ خطتها التي باتت مكشوفة لديه ، لقد افرغ البيت من الأسلحة مبتدأ بالمطبخ ومنتهيا بغرفة الأطفال التي جردها من آخر قلم رصاص في حقيبة ابنه الصغير فالرصاص هو الرصاص في المسدس أو القلم.. في الثالثة صباحا وحين تتبادل عيناه نوبة الحراسة اليومية ، كان ينزل من السرير على أطراف أصابعه ، ليأكل (الساندويج)التي يجلبها معه مخبأة في جيب سرواله الخلفي انه يأكل بنهم مصوبا نظراته على الزوجة التي تتظاهر بالنوم حالمة بإطلاق النار على رأسه.. لقد فهم متأخرا سبب إلحاحها على الدخول معه، فلقد سمع جاره السكير وهو يصرخ ليسمعه بأن (دخول الحمام مش زي خروجه).. فجاره يعلم بأنه سيقتل هناك ،ولهذا فهو لم يستحم في الأشهر الأخيرة مفضلا أن يبقى متيقظا وبتراب المعركة التي يستعد لها. بعد إن تأكد من خلو البيت من الأدوات الحادة ،أراد ككل ليلة أن يباغتها مهاجما ، لكنه تذكر بأنها لا زالت تمتلك أسنانا قوية واظفرا طويلا في إصبعها الصغير ، فكر أن يقطعه أولا ومن ثم يقوم باقتلاع أسنانها الواحد تلو الآخر .كانت متيقظة ومستعدة لمقاومته هكذا بدا الأمر له اقترب منها ببطء لقد تعلم في المدرسة الحربية أن المباغتة تؤمن نصف النصر وربع الخسائر (المباغتة والغدر..الاثنان سواء …ابتعدوا ..ابتعدوا) طرد هذا الهاجس كمن يطرد ذبابة عن أنفه خطا بحذر ثم تجمد انبطح على ارض
الغرفة بعد أن تقلبت في نومها، زحف نحو السرير ليتفادى أن يفتضح أمره، اخترقه زاحفا من الأسفل وخرج من الجهة الأخرى وتعلق ليعود الى نومه ، لتبدأ عينه اليمنى نوبة الحراسة .
كانت الحافلة تتهادى بهم في شارع ضيق مليء بالحجارة الصغيرة المتناثرة شعر باهتزازها وقفزتها العصفورية.
وأصر على ان تجلس قريبة من باب الحافلة ، لا أن يكون هو.
،فهي تريد أن ترمي به من الباب لتتخلص منه لكنه كان يقظا .نعم ..نعم ..أنا يقظ ..ماذا ستخبرهم في المستشفى
لا يأكل من السم الذي أعده له ..لا ينام حتى لا أملأ
رأسه بالرصاص. رأى من زجاج الحافلة أطفالا يقذفون بالحجارة على عربة .تسارع انزلاق مشاهد الشارع أمام عينيه متفرجة عليه ..متأكد بأنها تضمر له وأنها تسعى للانقضاض عليه ، استجمع قواه ليرمي بزوجته الشابة لكن السائق انتبه إليه في المرآة ..وتعاقب الركاب بالنظر إليه – انهم يتناوبون على مراقبتي ..لا بد ان أحدهم هو من خطط معها لتتخلص مني وتنتظر منه إشارة البدء ..
تثاءب أحد الواقفين ، تثاءبت الزوجة الشابة ، صعق متجمدا لقد أعطاها الإشارة ليبدؤوا بالتخلص مني ..لاحظ أنها جلبت أظفرها الطويل واسنانها الحادة معها، كانت التثاؤبة ما زالت تنقل كالعدوى بين ركاب الحافلة .جميعهم يعملون معها ..بدأ يغلي ..توقفت الحافلة عند الشارة الحمراء .. والركاب يتثاءبون الواحد تلو الآخر..حين اشتعل الضوء الأصفر كانت التثاؤبة قد قفزت الى سيارة أخرى تحمل فوقها مدفعا رشاشا وثلة من الجند ، شاهد سائقها وهو يتثاءب ..دلفت السيارة الى أول اليمين بينما كانت التثاؤبة تتجول بين الجنود دخلت السيارة من باب السجن الكبير ودخلت معها التثاؤبة التي انتشرت كرائحة البيض الفاسد ..في ساحة إعدام السجن ..تثاءب الضابط وهو يأمر الجندي بإطلاق الرصاص على الرجل المربوط الى خشبة .. تثاءب الجندي تثاءب الرجل المربوط الى الخشبة انطلقت رصاصة ، قتلت التثاؤبة في صدر الرجل ولم يتثاءب أحد وما زال هو في الحافلة المنطلقة يراقب زوجته والركاب ويفكر بطريقة لألقائهم من الباب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى