ملف الأقلیات وحقوق الأنسان

قضية الأقليات العرقية والدينية والمذهبية واللغوية بشكل عام تتسم بدرجة عالية من الحساسية، فی بلدان الشرق الأوسط، وينظر لها رغم أهميتها على أنها مسألة خطيرة، لذلك فإن هذا الموضوع الشائك يحتاج لكثير من الدقة،والرٶية،والموضوعية والانضباط، خاصة في ظل المرحلة الحالية التي تشهدها عملیة (نبع السلام) فی شمال سوریا من حرب یطلق علیها البعض تطهیر عرقی من حاله من السجال والجدل حول فحو عملیة ( نبع السلام) الترکیة ۔۔ وفی ظل المتغییرات المتسارعة فی سوریا ۔۔ وخروج القوات الأمریکیة من مناطق تمرکزها فی تل الأبیض وشرق الفرات، لا نعلم عن فحو المکالمة الهاتفیة التی جرت مع الرٸیسین (ترامب واردوغان) والأنسحاب المفاجٸ للآمریکان ۔ وإعطاء الضوء الأخضر للقوات الترکیة ۔ ومع التنسیق السابق مع روسیا وایران ۔۔ وتفاهمات بینهم فی غیاب الدور السوري والعربي ۔ قوات الجیش السوری الوطني او کما یطلق علیها الحر تحت قیادة ترکیا غطاء للعملیات ۔ وأکراد تطلعوا الی دور أکبر ولکن الحلیف تخلي عنهم ۔ یواجه مصیرهم ۔ المحتوم ۔ بین مطرقتین قوات بشار وقوات طیب اردوغان الترکیة ۔۔ الأکراد أخیرا تفتح ممرات للقوات السوریة فی مناطق نفوذها وتحت سیطرتها ۔۔ إن حقوق الإنسان بظننا لا تستقيم دون احترام قيم الوحدة والتماثل، ولا يمكن أن تكون مفاهيم حقوق الإنسان قضايا انتقائية على الطريقة الأمريكية، لأن البشر مختلفون منذ الأزل وسوف يظلون كذلك، لكن تجمعهم الإنسانية، فمن يقول: أن العرب مختلفين فقط عن الأكراد على سبيل المثال، بل هم أنفسهم مختلفين كعرب فيما بينهم؟

وكذلك حال المسيحي واليهودي والآشوري والتركماني والأرمني والشيعي والعلوي، جميعهم مختلفون عن الآخرين لكنهم أيضاً مختلفين فيما بينهم بنواحي عديدة.

كل هذه الاختلافات بين ما يسمى الأكثرية والأقلية، وبين مكوناتهما هو اختلاف طبيعي وموضوعي وإنساني، لكنه يفترض المساواة أخلاقياً وقانونياً، فلولا هذه الاختلافات لما كانت هناك حاجة إلى المساواة، فالاختلاف يستدعي ويتطلب مساواة سياسية واجتماعية وحقوقية أمام سلطة القانون في دولة مدنية حديثة، دولة المواطنة التي ترعى جميع مكوناتها دون تمييز.وماهو مصیر إدلب بعد عملیة نبع السلم !؟ إن الشرق الأوسط يواجه صراعات شبيهة بنمو النزعة القومیة داخل اوروبا فی مطلع القرن العشرین وتطلع الأقلیات الی الاستقلال والانفصال ۔ ولكنها أكثر اتساعا.

أن النزاعات الداخلية والدولية تقوى بعضها البعض، وأن الصراعات السياسية والطائفية والعشائرية والاقليمية والايديولجية والمصالح القومية تختلط بعضها البعض،تتفاقم مسألة الاقليات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وشهدت السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في أعمال العنف السياسي وعدم الاستقرار في هذه المجتمعات، وفي الغالب فإن أهم أسباب تفجر العنف يعود إلى فشل الأنظمة السياسية في المنطقة في إجراء مقاربات موضوعية وديمقراطية لهذه الإشكالية التاريخية، وبالتالي عجزت هذه الحكومات عن تقديم حلول جذرية لهذه القضية بدلاً من المحاولات المستمرة لاحتوائها وتجاهل الأسباب الموضوعية الكامنة وراء تصاعد العنف، وهناك أسباباً أخرى متعلقة بظهور خطاب قومي متطرف ومتشدد لدي بعض قادة الأقليات يدعو إلى الانفصال عن الدولة الأم، ويتبنى العنف في مواجهة الدولة، ويحرض على عدم الاستقرارالسياسي، الأمر الذي يولد خطابات متطرفة من الجانب الأخر، وهو ما يدخل هذه المجتمعات في دائرة الفوضى والفشل۔

ظهور الأقلیات قدیما

۔ومع قيام دولة الخلافة العثمانية ظهرت الدولة المركزية العسكرية وبدأت قضية الاقليات بالظهور وأخذ بعض أركان دولة الخلافة في تسييس هذا الموضوع الذي تعمق أكثر مع انهيار الخلافة العثمانية وظهور النظام الرأسمالي الذي ابتدع نظام حماية الأقليات، وجاء الاستعمار الاوروبي لتنتشر سياسة فرق تسد.

إن مرحلة الاستعمار في العالم العربي شهدت تأثر المنطقة ببعض إنجازات الثورات الاوروبية، ومنها قضايا حقوق الإنسان التي تم سنها في الدساتير الأوروبية، وتعامل الاستعمار مع الأقليات بصورة تظهره على أنه حامي مصالحهم ووجودهم کما حدث فی شمال سوریا من الوجود الأمریکي، وفي بعض الدول حاول المستعمر دمجهم قومياً عبر تشريعات، لكن الأكثرية الإسلامية رفضت وتصدت لهذه المحاولات بسبب رفضها أساساً الاستعمار على أراضيها وبالتالي رفضها لأي سياسات يحاول فرضها عليهم، ثم أن الأكثرية المسلمة رفضت أيضاً محاولات الاستعمار في تغريب المسيحيين الشرقيين، هذا الأمر خلق نوعاً من التصادم بين المجتمعات العربية المسلمة التقليدية، وبين الأفكار الغربية الديمقراطية، وهو ما أدى إلى تعقيد مسألة القوميات، ووضع العراقيل أمام الحلول الديمقراطية لاندماج هذه الأقليات بمجتمعاتها، وهكذا ظلت الدول العربية بعد حصولها على الاستقلال السياسي دولاً تضم مجتمعات تعاني من أزمات معلقة مربكة وملفات مفتوحة لا تتوفر ظروف معالجتها وإغلاقها، وأهمها قضية الأقليات، وهكذا وجدت هذه المجتمعات أنها غير قادرة على القيام بثورة ديمقراطية تؤسس لمعالجة جذرية سلمية وعصرية وديمقراطية لقضية الأقليات، وهذا واحد من أهم الأسباب التي جعلت من هذه الإشكالية في العالم العربي أزمة طائفية طاحنة تلخص أزمة الأمة، وتحتوي فتيلاً إشتعل في لحظة ويحرق اليابس والأخضر وما بقي من الأخضر في عموم المنطقة سوف یشتعل فی ای لحظة فی منطقة آخری .لقد طرح ملف الأسری من بقایا الدولة الأسلامیة (داعش) تحت سیطرة اکراد سوریا من الجانبین الأمریکی والترکی ومصیرهم فی حالة سقوط الأکراد تحت سیطرة الأتراك ۔۔رغم ان الغالبیة فی منطقه شرق الفرات من أهل السنة اکرادا او عرب لیحمل الدین السلاح فی خدمة الأهداف السیاسیة، وحالیا العملیات التی تجری شرق الفرات تستهدف المدنیین والقضاء علیهم بسبب انتماٸهم العرقی والطاٸفي بعیدا عن حقوق او الالتزامات الدولیة مبررة بذلك الأمن القومي ومتطلبات البقاء

ففی الحالة السوریة التی تفککت فیها الدولة وأصبحت ساحة للتنافس بین القوي المحیطة والتی عادة ما تحافظ علی قوتها وسطوتها دون مراعاة لحقوق وکرامة الإنسان ۔۔لقد اصبح صراع قومي عرقی دینی طاٸفی وجغرافی فی الشرق الأوسط ۔وقد ظهر کتل مکونة من نظام مذهبي تطلق علیها الکتلة السنیة وکتلة تقودها ایران فی الحرب الداٸرة فی سوریا من فصاٸل شیعیة وحزب الله وحماس ۔ ومع ظهور النعرات الإنفصالیة والقومیة مع ظهور عصر الإرهاب الانتحاری والقتل علی الهویة ۔ وأنتشار الفوضي فی مناطق متفرقة فی بلاد العرب والصراع الإقلیمی ۔یهدد مناطق شاسعة فی العالم کما هدد بها طیب اردوغان للاتحاد الاوروبی بفتح الحدود امام المهاجریین۔۔

إن العناصر المتشابكة والتعقيدات التاريخية في مسألة الأقليات تشكل واحدة من أهم الصعوبات أمام أي باحث يتناول هذا الموضوع بالدراسة والتحليل، ويضعه أمام تحديات وخيارات دقيقة، فإما أن تكون مع الليبرالية الجديدة في الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق الأقليات بشكل خاص، من خلال تبني براغماتية منفعية مقترنة مع دوغمائية لا تريد أن ترى إلا جانب واحد من الموضوع، وإما وأن تکون فی مواجهة التحدیات، وأن تکون صراعات ترتیب المجتمات البشریة، بما یتوافق مع المفاهیم الجدیدة لشرق أوسط جدید ۔ وبذلك تجد نفسك متهما بتجاهل حقوق الأقلیات إن حقوق الإنسان بظننا لا تستقيم دون احترام قيم الوحدة والتماثل، ولا يمكن أن تكون مفاهيم حقوق الإنسان قضايا انتقائية على الطريقة الأمريكية، لأن البشر مختلفون منذ الأزل وسوف يظلون كذلك، لكن تجمعهم الإنسانية، فمن يقول

أن العرب مختلفين فقط عن الأكراد على سبيل المثال، بل هم أنفسهم مختلفين كعرب فيما بينهم؟

وكذلك حال المسيحي واليهودي والآشوري والتركماني والأرمني والشيعي والعلوي، جميعهم مختلفون عن الآخرين لكنهم أيضاً مختلفين فيما بينهم بنواحي عديدة.

كل هذه الاختلافات بين ما يسمى الأكثرية والأقلية، وبين مكوناتهما هو اختلاف طبيعي وموضوعي وإنساني، لكنه يفترض المساواة أخلاقياً وقانونياً، فلولا هذه الاختلافات لما كانت هناك حاجة إلى المساواة، فالاختلاف يستدعي ويتطلب مساواة سياسية واجتماعية وحقوقية أمام سلطة القانون في دولة مدنية حديثة، دولة المواطنة التي ترعى جميع مكوناتها دون تمييز. ۔

محمد سعد عبد اللطیف

کاتب وباحث فی الجغرافیا السیاسیة

رٸیس القسم السیاسي نیوز العربیة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى