أخبار العالمإسلامدراسات و تحقيقاتفي الواجهة

مسلمو أراكان وجحيم ما بعد الحداثة.

 دكتور محمد عمارة تقي الدين مسلمو أراكان وجحيم ما بعد الحداثة.

” هم أكثر الأقليات اضطهاداً في هذا العالم”( 1)، هكذا عَرَّف الأمين العام للأمم المتحدة مسلمي الروهينجيا في إقليم أراكان وما يُرتكب بحقهم من مجازر من قبل العصابة الحاكمة في ميانمار.

وفي تلك الدراسة سنحاول الغوص في أكثر مستويات التحليل عمقاً للوقوف على كافة جوانب هذه القضية ومن ثم سبل حلحلتها بشكل عادل وإنساني في آن.

غير أن الحقيقة التي تطل برأسها هنا، هي أن تلك القضية هي في عمقها تعبير عن أزمة ما بعد الحداثة التي ألقت بظلالها الدامية على العالم أجمع والمنبثقة من رحم الحداثة الغربية، حيث قتل الأبرياء دون وخز من ضمير قد أضحى خصيصتها المركزية، والإفراط في القتل والإبادة على نطاق واسع عبر استخدام أسلحة ما بعد حداثية متطورة لا تفرق بين أطفال وشيوخ ونساء، وتبني الكثيريين مواقف سلبيىة عبر إلقاء اللوم دوماً على الضحية، وإن كانت هناك مواقف ايجابية فلا تعدو كونها إدانات كلامية لا أكثر، واستشراء مبدأ المصلحة البراجماتية والنفعية السياسية، فالمواقف يجري تقديرها بمقياس الربح والخسارة، فطالما لن أستفيد فلما أتدخل؟

كما قادت قيم ما بعد الحداثة ومنطق الانتهازية النائم في عمقها إلى إنتاج نسخ عنيفة من الأديان، فها هي البوذية وقد تحولت في ميانمار من ديانة محبة وصفح وسلام لأيديولوجية قتل وانتقام.
كما يتم النظر للضحايا باعتبارهم فائض إنساني يجب الخلاص منهم، فهم نفايات سامة يتحتم دفنها بأسرع وقت، ولا مكان للضعفاء في هذا العالم مهما تكن عدالة قضيتهم، ونسبية كل شيء وإعادة تفسير كل معتقد وزعزعة كل أساس ومبدأ وقيمة فكلها أمور تدور مع المصلحة حيث دارت ولا ثوابت يمكن القتال من أجلها.

ما بعد الحداثة إذن هي قطيعة كاملة مع الإنسان بما هو إنسان، هي سلسلة تفاعلية من الإبادات التي لن تتوقف بل ستزداد عدداً وبشاعةً بمرور الوقت، ولن تسلم منها بقعة في هذا العالم.
في حين أن ما نريده هو إحداث تفاعل إنساني قيمي عكسي ليصبغ الحداثة بصبغة روحية أخلاقية، ما نريده حقاً هو زرع جين أخلاقي قيمي تراحمي في نخاعها(يمكن أن نستفيد من المخزون الديني في ذلك) من أجل إعادة إنتاج نظام عالمي جديد أقل نفعية وأكثر تراحمية وانحيازاً للضعفاء في هذا العالم.

حاجتنا وبحق هي لشق نهر جارف من القيم الإنسانية التراحمية لإخماد جحيم ما بعد الحداثة وإلا التهمنا جميعاً.

والآن، دعنا نتأمل جيداً كافة ملامح هذه الأزمة الأراكانية منذ البداية وحتى تطوراتها في الوقت الراهن، وصولاً لاقتراح سبل إنهائها، بل والحيلولة دون تكرارها مرة أخرى.

بدايةً، فإن كلمة (ميانمار) هو الاسم الحديث لدولة بورما، والتي تقع في جنوب شرق آسيا، حيث تقبع الصين في شمالها، وفي الشمال الغربي تحدها كل من الهند وبنجلاديش، ومن الغرب نجد خليج البنغال، ثم تايلاند في الجنوب الشرقي.
تتكون ميانمار من اتحاد عدة ولايات لعل أبرزها: بورما وكابا وشان وكارن وشن وكاشين، إذ تنقسم إلى أربعة عشر وحدة إدارية.
يتحدث غالبية سكانها اللغة البورمية، ومن بين تلك الجماعات والعرقيات المكونة لميانمار تأتي جماعة الأراكان، حيث ينتشر الإسلام بينها بشكل كبير، ويؤكد عدد من المؤرخين أن كلمة( أراكان) هي مشتقة من الكلمة العربية (ركن) حيث أطلقته القبائل العربية التي استقرت هناك.

وفيما يتعلق بمصطلح الروهينجيا يؤكد بعض المؤرخين أنه مشتق من الكلمة العربية “رحمة” (راهام) وبمرور الزمن أصبح رهوهانج ثم روهينجيا، في حين يؤكد آخرون أن الروهنجيا هم امتداد لأجدادهم القادمين من منطقة (الروها) في أفغانستان.
وتؤكد طائفة أخرى من الباحثين أن مصطلح (مروهاونج) وهو اسم لمملكة أراكانية قديمة، وقد جرى تحريفه بمرور الوقت إلى (روهانج)، ومن ثم أُطلق على سكان تلك المنطقة مسمى الروهنجيا( 2).
أما بورما فهو اسم جرى اشتقاقه من البورمان، وهي تلك الطائفة الإثنية التي يتألف منا أغلب السكان هناك، وبعد عام 1057م, بدأ البورميون في اعتناق مذهب التيرافادا (Theravada)البوذي (هو أحد المذهبين الرئيسيين للديانة البوذية)، ومن ثم انتشر بين الغالبية العظمى من سكانه.

وتعد ميانمار من أكثر الدول البوذية تدينًا، إذا ما أخذنا في الاعتبار النسبة الكبيرة من الدخل القومي التي يجري إنفاقها على الديانة البوذية، كذلك الارتفاع الكبير في عدد الرهبان البوذيين مقارنة بعدد السكان، أضف إلى ذلك مدى الالتزام بالطقوس الدينية.
وفي عام عام 1886م وقعت ميانمار في قبضة الاستعمار البريطاني وظلت مستعمرة لفترة زمنية طويلة، إذ كانت إحدى ولايات الهند البريطانية، حتى نالت استقلاها عام 1948م.
في تلك الحقبة الاستعمارية كان المسلمون أكثر الطوائف تصدياً لهذا الاستعمار الإنجليزي، فبدأ المستعمرون بتأليب الطوائف الأخرى ضد هؤلاء المسلمين وفقاً لسياسة واستراتيجية (فرِّق تسُد) التى اتِّبعها المستعمرون في كل مستعمراتهم.
ومن ثم قاموا بطرد المسلمين من الوظائف الحكومية وإحلال البوذيين مكانهم، ومصادرة أملاكهم وأراضيهم وتوزيعها على البوذيين، بل وتحريض هؤلاء البوذيين ضد المسلمين بحجة أنهم يريدون أسلمة البلاد، وكان من نتائج ذلك مذبحة عام 1942م والتي قُتل فيها ما يقرب من مئة ألف مسلم من إقليم أراكان وتهجير أكثر من نصف مليون آخرين، حيث جرى مد البوذيين بالسلاح وترك المسلمين العُزَّل لمصيرهم المحتوم(3 ).

ومنطقة أراكان، التي هي مسرح الإبادة العرقية للمسلمين، كان يسكنها قبل الطرد والإبادة، وكما تؤكد المصادر الروهينجية، قرابة 5.5 مليون نسمة، منهم 4 ملايين مسلم، إذ يشكلون نحو 70% من سكان هذا الإقليم.
وتبلغ مساحة ميانمار ما يقرب من 676 ألف كيلو متر مربع، في حين تبلغ مساحة أراكان ما يقرب من 37 ألف كيلومتر مربع.
وفيما يتعلق بعدد المسلمين داخل الكيان الميانماري كله، تذكر وكالة أنباء الروهنجيا، أن عدد سكان بورما (ميانمار) هو حوالي 55 مليون نسمة، وأن نسبة المسلمين بها يقترب من 15 % من مجموع السكان، وأن ما يقرب من نصفهم يعيش في إقليم أراكان وحده، في المقابل تذكر المصادر الرسمية لدولة ميانمار أن العدد أقل من هذا بكثير، فهي تتعمد التقليل من شأنهم.
والروهينجيا المسلمون المكونون لإقليم أركان هم الجماعة الإثنية الثانية في البلاد من حيث العدد بعد البورمان، والغالبية العظمى من أهل أراكان هم سنيون على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان.
لقد وقعت ميانمار تحت الحكم العسكري الممتد من عام 1962م والمستمر حتى الآن، نعم قطعته بعض الأوقات المتخفية في ثوب وملامح ديموقراطية، إلا أن العسكريين هم من كانوا يديرون المشهد دائماً .
ومنذ هذا الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال المتعصب (ني وين) عام 1962م تعرض المسلمون الروهنجيا لشتي صنوف القتل والتصفية العرقية والظلم والاضطهاد.
إذ قام هذا الجنرال بعمليات عسكرية وإبادات بشعة ضد المسلمين في أراكان، لعل أبرزها على الإطلاق العملية العسكرية التي وقعت عام 1978 م وأطلق عليها عملية (الملك التنين(.

والبورمان هم الطائفة الحاكمة وأصلهم يعود إلى منطقة التبت بالصين ، وقد بدأت موجات هجرتهم إلى ميانمار في القرن السادس عشر الميلادي غير أنهم سيطروا عليها سياسياً في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، والحقيقة المركزية هنا أن وجود المسلمين أقدم من وجودهم خاصة في أراكان كما سنوضح لاحقاً.

وميانمار هي بحق أرخبيل عرقيات، إذ يتكون اتحاد ميانمار من عرقيات كثيرة جدا تصل وفقاً لبعض المصادر الرسمية إلى أكثر من مئة وأربعين عرقاً.
وفيما يتعلق بتاريخ الوجود الإسلامي في ميانمار، تذكر وكالة أنباء الروهنجا أن الإسلام دخل منطقة وإقليم أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وذلك في القرن السابع الميلادي، عبر التجار العرب المسلمين، وبمرور الوقت أصبح الإقليم دولة مستقلة حكمها ثمانية وأربعون ملكاً مسلماً على التوالي، وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، وهي الفترة الممدة ما بين عامي 1430م و 1784م .
وقد بدأت بحكم الملك سليمان شاه عام 1430م، الذي وضع حجر الأساس لأول دولة إسلامية في أراكان بمساعدة حاكم البنغال المسلم السلطان “جلال الدين شاه”، ثم خلفه في الحكم سبعة وأربعون ملكاً مسلماً على التوالي( 4).
لقد كان نظام تنصيب الملوك في أراكان يشترط على الملوك الحصول على شهادة التخصص في العلوم الإسلامية قبل توليهم الحكم( 5) .

إذن فطائفة الروهينجا قد استقرت في منطقة أراكان قبل الماغ البوذيين بفترة زمنية طويلة (6 )

وفي عام 1784م قام الملك البوذي البورمي (بوداباي) باحتلال إقليم أراكان، وضم الإقليم جبراً إلى بورما، ومن ثم بدأ اضطهاد المسلمين وقتل العلماء ورجال الدين ونهب ثروات السكان والاستيلاء على ممتلكاتهم وإطلاق يد البوذيين في اضطهادهم، وقد استمر ذلك لمدة أربعين سنة، فقد انتهى الأمر بقدوم الاستعمار البريطاني في عام 1824م، لتبدأ مرحلة جديدة من الاضطهاد لسكان الإقليم( 7).

وفي عام 1947م عقد مؤتمر عام في بورما للتحضير للاستقلال، وقد تم توجيه الدعوة إلى جميع الطوائف والعرقيات داخل القطر، فيما عدا المسلمين الروهينجيا، وبالفعل وفي عام 1948م حصلت بورما على استقلالها من الحكومة البريطانية شريطة أن تمنح الحكومة الجديدة لكل العرقيات الاستقلال عنها وحق تقرير المصير بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك، ولكن هذا لم يحدث، إذ استمر البورمان في احتلال أراكان من دون رغبة حقيقة من سكانها المضطهدين.
لقد جرت في إقليم أراكان، وكما تؤكد المصادر الروهينجية، العديد من عمليات الإبادة والتهجير والطرد الجماعي كما في الأعوام التالية:
عام 1962م عقب الانقلاب العسكري حيث طرد أكثر من 300 ألف مسلم إلى بنجلاديش، وفي عام 1978م تم طرد أكثر من 500 ألف، مات منهم قرابة 40 ألف، وفي عام 1988م تم طرد أكثر من 150 ألف، وفي عام 1991م تم طرد 500 ألف، وفي عام 2012 تم طرد حوالي 300 ألف، وفي عام 2017م تم طرد ما يقرب من 730 ألف أراكاني.

وبالمجمل، ووفقاً للمصادر الروهينجية، تم تهجير حوالي أربعة ملايين مسلم وقتل مئات الآلاف منهم.
ففي بنجلاديش وحدها يعيش أكثر من مليون وربع المليون لاجئ، ويعتبر مخيم كوكس بازار وحده ملاذًا لأكثر من مليون لاجئ، بالإضافة لانتشار الآخرين في أكثر من ثلاثين دولة.
لقد بدأت بنجلاديش، وهي الدولة الفقيرة، تئن من حجم العبء الواقع عليها، فاعتمدت خطة لنقل عدد من اللاجئين الروهينجا المسلمين إلى جزيرة نائية في خليج البنغال وهي جزيرة(بهاشان شار) لتوطينهم هناك رغم معارضة كثيرين لأن الجزيرة منخفضة ومعرضة للفيضانات المستمرة ومن ثم الغرق، ولا تتوافر بها مقومات حياة حقيقية.

ولم تتوقف ممارسات سلطة ميانمار عند هذا الحد، بل يتم التضييق على من تبقى من المسلمين داخل ميانمار عبر حرمانهم من تقلد الوظائف الحكومية ومنعهم من السفر إلى الخارج حتى لو كان من أجل أداء فريضة الحج، وفرض الضرائب الباهظة عليهم، وتغريمهم بغرامات مالية كبيرة، ومنع بيعهم المحاصيل الزراعية التي ينتجونها إلا للدولة وبسعر زهيد لإبقائهم فقراء، بل وتم حرمان المسلمين من أداء شعائر دينهم وفرض قيود مالية على الزواج والعمل بالسخرة ومعسكرات الجيش وجرى منعهم من التسمي بأسماء إسلامية، ولا يسمح لهم بالسفر دون إذن رسمي مسبق، ومنعوا من امتلاك الأراضي، وألا يكون لهم أكثر من طفلين( 8) .
وتؤكد المراجع التاريخية أن حملات الإبادة العرقية والتهجير القسري في بورما هي ما أدت إلى انخفاض عدد المسلمين بها بشكل ملحوظ وبخاصة في إقليم أراكان.
كما أممت الحكومة العسكرية في ميانمار 90% من ممتلكات المسلمين في أراكان.
جدير بالذكر أن المسلمين في ميانمار ليسوا هم الروهينجيا فقط بل هناك: المسلمون الهنود، والماليزيون، وغيرهم من الأقليات الأخرى .

والحقيقة أن تاريخ اضطهاد المسلمين في ميانمار هو تاريخ قديم وممتد، ففي عصر الملك (باينوانغ) (1550 – 1589م) بدأت أول إجراءات اضطهاد المسلمين في بورما، إذ منعهم من ممارسة الذبح الحلال وتقديم الأضاحي والاحتفال بالأعياد.
ثم جاء بعده الملك (بوداوبايا) (Bodawpaya) (1782م – 1819م) والذي أعدم أشهر أربعة أئمة مسلمين في بورما بسبب رفضهم أكل لحوم الخنزير باعتباره مُحرَّم في الشريعة الإسلامية( 9).
وفي عام 1785 م أعدم الحكام البورميون آلاف الأراكانيين، فهرب حوالي 35 ألف أراكاني إلى بنجلادش خوفا من اضطهاد هؤلاء البورميين لهم.
وفي عام 1947م وبعد تزايد الاضطهاد ضد مسلمي أركان، تم تأسيس (حزب المجاهدين) وهي حركة عسكرية أعلنت الجهاد في شمال أراكان من أجل إقامة دولة مسلمة مستقلة.

الملاحظة الجديرة بالتأمل هنا، هي أن إقليم أراكان هو إقليم غني بالثروات الطبيعية والنفط والفحم، إضافة لخصوبة أرضه الزراعية، ولعل ذلك أحد أسباب الأزمة، فهي أطماع لاتتوقف للسيطرة عليه.
كما أن البورميين يصرون على إبادة المسلمين الروهينجا لكونهم مجتمع متماسك ذو تاريخ جمعي مشترك، وله نفس الدين والعرق، بالإضافة للعزلة الجغرافية التي يتمتع بها الإقليم عن ميانمار، إذ يقع بين سلسلة جبال أراكان يوما، وخليج البنغال، ونهر ناف، فهو يمتلك كل مقومات الاستقلال كدولة.
وها هو قائد المجلس العسكري للانقلاب الحالي (مين أونج هلاينج)( Min Aung Hlaing) وقد تردد عنه أنه قال :” كلمة روهينجيا هي مصطلح مُتخيّل”(an imaginary term)( 10) وهو ما يفضح قناعاته كمجرم يريد الخلاص من عرق وأمة بأكملها( 11) .
إذن أراكان، والتي كانت دولة إسلامية مستقلة استمرت لعدة قرون، قد احتلتها بورما عام 1784م ومن ثم أضحت واحدة من ولايات ميانمار( 12).
ويعد مسجد (بدر مقام) أحد أهم الآثار التاريخية الإسلامية، والذي يقع في مدينة أكياب عاصمة إقليم أراكان، والذي يقف شاهداً على هذا التاريخ الإسلامي الممتد في تلك البقعة ( 13).
لقد بدأت الأمور تتجه نحو الأسوأ بداية من عام 1982م حين تم تطبيق قانون الجنسية الجديد في ميانمار، حيث تم حرمان المسلمين من تقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، أو تملك المساكن والعقارات، أو القيام بأعمال التجارة، وكثير من الحقوق السياسية( 14) (15 ).

والحقيقة أن هذا القانون العنصري يذهب إلى أن المواطنين ينقسمون إلى:
أولاً: مواطنون من الدرجة الأولى وهم: الباهييون والصينيون والكامينيون والكارينون والشائيون.
ثانياً: مواطنون من الدرجة الثانية وهم: خليط من أجناس أصحاب الدرجة الأولى.
ثالثاً: مواطنون من الدرجة الثالثة وهم: المسلمون باعتبارهم أجانب دخلوا بورما كلاجئين أثناء الاحتلال البريطاني، ومن ثم فجنسيتهم هي أمر مشكوك فيه (16 )(17 ).

ومن هنا بدأت حملة واسعة لطمس الوجود الإسلامي هناك، يقول محمد عتيق الرحمن نائب رئيس اتحاد الطلاب المسلمين في إقليم أراكان “: قامت حكومة ميانمار في عام 2001م بتدمير نحو 72 مسجداً كما منعت بناء المساجد الجديدة أو ترميم وإصلاح المساجد القديمة، بل وأصدرت قانوناً بهدم أي مسجد بُنِيَ خلال العشر سنوات الأخيرة”( 18).
وحول تاريخ المقاومة الشعبية في أراكان، يقول عطا الله نور الأركاني: ” في عام 1948م وعندما تزايد اضطهاد الروهنجيين قاموا بثورة سلمية بقيادة السيد محمد جعفر كوال، والجنرال عبد الشكور ديبوي، وتواصلوا مع حكومة باكستان آنذاك لبيان ما يتعرضون له من اضطهاد من البوذيين”، ويضيف : “وفي عام 1949م اجتمع قادة الروهينجا مع رئيس وزراء بورما “أونو” وأخذوا منه وعداً بإعطاء الروهنجيين جميع حقوقهم، لكنه لم ينفذ وعده فيما بعد… وفي عام 1951م عندما ماطالت حكومة بورما في إعطاء حقوق الروهنجيا، نشأت حركات مسلحة روهنجية بقيادة جعفر قوال وعبد الشكور ومحمد عباس وغيرهم “(19 ).

لقد بدأت الإدانات الدولية تتصاعد ضد ما يجري في أراكان غير أنها تبقى أدنى من مستوى وبشاعة الأحداث التي تجري على الأرض بكثير.
ففي نوفمبر من العام 2009م، جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان في مينمار، وداعياً الجيش والنظام لوقفها فوراً.
وفي عام 2011م نص تقرير منظمة (الحرية في العالم) على أن المجلس العسكري البورمي هو المسؤول الأول عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تجري بشكل بشع وعلى نطاق واسع.
لقد تردد أن البابا فرنسيس قد تبرع في فبراير من العام 2020 م بقيمة جائزة الأخوة الإنسانية التي حصل عليها لصالح مسلمى الروهينجا، داعيا إلى عدم استغلال الدين فى إشعال نيران التعصب والاضطهاد، وإحياء رسالة الأديان الداعية للحفاظ على كرامة الإنسان وحريته.
وفي مارس من العام 2022م، اعترفت الولايات المتحدة بشكل رسمي بأن ما جرى ضد الروهينجا المسلمين هي عملية (إبادة جماعية) وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها الجيش الحاكم في ميانمار بغرض التطهير العرقي( 20) .
كما تعرضت (أون سان سو تشي) (Aung San Suu Kyi) رئيسة وزراء ميانمار لانتقادات حادة نتيجة صمتها على ما يجري في بلادها للأقلية المسلمة من اضطهاد عرقي وديني في ميانمار في عام 2012م و 2016م وغيرها، بل إنها صرحت بأنها لا تعلم هل الروهينجيا يمكن اعتبارهم كمواطنين بورميين أم لا!!

وفي لقاء لها مع قناة بي بي سي رفضت (سو تشي) إدانة العنف ضد الروهينجيا المسلمين، بل وأنكرت تعرضهم لأي تطهير عرقي، وقالت إن البوذيين يتعرضون لاضطهاد مماثل وأنه نتيجة للإرث الطويل للديكتاتورية وعلى الجميع أن يقبل التعايش في ظل الدولة، وهو تضليل متعمد للحقيقة وقد تردد أن (سو تشي) أعربت بعد هذا اللقاء عن ضجرها من اختيار مذيعة مسلمة من أصول باكستانية هي ميشال حسين لإجراء اللقاء معها، إذ قالت:” لم يخبرني أحد أنني سألتقي بمذيعة مسلمة”( 21)، وذلك بعد أن أثار اللقاء ردود فعل عالمية غاضبة من حديثها المضلل.
لقد تزايدة حدة المطالبة العالمية من كثيرين بسحب جائزة نوبل للسلام منها، فقد أصدرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في سبتمبر من العام 2017م بيانًا دعت فيه لجنة جائزة نوبل لسحب الجائزة منها، بدعوى أنها فقدت الأحقية بالجائزة بسبب دعمها للمجازر ضد المسلمين في بلادها.

غير أن منظمي الجائزة أكدوا أنه من المستحيل سحبها، كما ينص البروتوكول المنظم لها، فهي للأعمال السابقة للجائزة وليست مسئولة عن التصرفات الشخصية اللاحقة والمستقبلية للذين حصلوا عليها ( 22).
في المقابل قامت مدينة أكسفورد البريطانية بتجريد (سو تشي) من جائزة (حرية أوكسفورد)( the Freedom of Oxford) التي سبق ومنحتها إليها(23 ).

والجدير بالذكر أنه، ومع كل هذا التواطؤ من قبل السيدة (سو تشي) مع حكم العسكر البورمي، قام هؤلاء باعتقالها في فبراير من العام 2021، بذريعة قيامها بتزوير الانتخابات العامة التي جرت في نوفمبر من عام 2020 م.
لقد أظهرت صور الأقمار الصناعية في عام 2017م حرقاً ودماراً لأكثر من عشر مناطق كاملة في شمال أراكان نتيجة للحرائق الشاسعة التي أشعلها الجيش البورمي عمداً في التجمعات السكنية للمسلمين( 24).

وقد أكد كثيرون أن جيش ميانمار استخدم طائرات هليكوبتر لإطلاق النار على الفارين دون تفرقة بين طفل أو شيخ أو امرأة، بل إن القوارب التي تحمل اللاجئين من الروهينجيا تم إطلاق النار عليها من قبل قوات الجيش.
وفي فبراير 2017م، أصدر مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان تقريراً عن المجازر في أراكان، أقرت فيه نصف النساء اللواتي تم إجراء حوار معهن في مخيم كوتوبالونج (Kutupalong) للاجئين في بنجلاديش بأنهن تعرضن للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي من قبل قوات الجيش وأتباعهم، كذلك تم ذبح الأطفال أو إلقائهم في المنازل المحترقة (25 ) .
لقد أضحى مسلمو أراكان نتيجة لتلك المجازر وأعمال الطرد هم أكبر عدد من البشر عديمي الجنسية في العالم وفقًا للأمم المتحدة .

تقول (كوتيسا بيجوم) التي فرت من ميانمار إلى بنجلادش في عام 2017م، والتي مشت على الأقدام لمدة ثلاثة أيام دون طعام، تقول”دخل الجيش منزلنا وعذبنا، عندما أطلقوا النار، ركضنا، تم إلقاء الأطفال في النهر، لقد قتلوا أي شخص في طريقهم”( 26) .
وتلك هي بعض من شهادات عدد من الأطفال والفتيان والفتيات الروهينجا الذين قابلتهم صحيفة (Benar News) في مخيمات اللاجئين في بنجلاديش، قالت الطفلة (تاسمين خاتون) : “الجيش أخذ أخي بعيدا وقتلوه، وأشعلوا النيران في منزلنا، وتحرشوا بالنساء”، وقال آخر وهو (ظهور علي) :” قام المسلحون التابعون للجيش البورمي بانتزاع شقيقي الصغيرين من والدتي وألقوا بهم في النيران التي أشعلوها في منزلنا”. فيما أكد تحقيق أجرته الصحيفة أن النساء الفارين من ميانمار والذين قابلتهم الصحيفة، تعرض كثير منهن للاغتصاب من قبل القوات البورمية وأتباعهم، فقد التقت الصحيفة بعدد 57 فتاة، أقرت 17 منهن أنهن تعرضن للاغتصاب( 27) .

وفي أغسطس من عام 2022م صرح توم أندروز مقرر الأمم المتحدة المسئول عن حقوق الإنسان في ميانمار في بيان بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لمأساة الروهينجا قائلاً”: لقد مضى وقت طويل في انتظار أن يسمي المجتمع الدولي بأسره هذه الهجمات كما هي(إبادة جماعية)، فهو ذلك القدر الهائل من العنف الجنسي الممنهج ونهب وحرق وهدم قرى بأكملها، ولم تجري محاسبة جيش ميانمار على هذه الجرائم حتى الآن” ( 28).
يقول محمد زولكار ناين سفير بنجلاديش لدى الجزائر:” لقد فر أكثر من مليون ومئة ألف من الروهينجا إلى بنجلاديش هربًا من الفظائع ولإنقاذ حياتهم، هذا هو أسرع نزوح في تاريخ البشرية حدث في أسبوع واحد في عام 2017 م”(29 ).

لقد أكدت الأمم المتحدة أن المسلمين في ميانمار، يعانون من أربعة بنود من أصل خمسة بنود جرى اعتمادها لتعريّف جريمة الإبادة الجماعية، وأن تحقق أحدهما وحده يعد إبادة جماعية، بل وصفت الأمم المتحدة الاضطهاد في أراكان بأنه (مثال نموذجي على التطهير العرقي)( textbook example of ethnic cleansing) ( 30) .
كما أثبتت واحدة من الدراسات أن جيش ميانمار قتل ما يقرب من 25 ألف شخص، واغتصب 18 ألف امرأة ، وألقى 36 ألف آخرين في النيران، وتم حرق ما لايقل عن 115 ألف منزل في إقليم أراكان(31 ).
إن ما يجرى تداوله من صور وفيديوهات متطرفة في بشاعتها ولا معقوليتها والتي تتناقلها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول المذابح ضد المسلمين في ميانمار، جعلت البعض يشكك في مصداقيتها وأنها بشاعات يستحيل أن تحدث بهذا الشكل في القرن الواحد والعشرين ، ومن ثم ذهب كثيرون إلى أنها صور ممنتجة ومفبركة ( 32) .

لكن وبمرور الوقت بدأ العالم ينتبه لحجم هذه المأساة ومصداقيتها، من هنا أهمية التركيز على إدارة معركة إعلامية متطورة وذات استراتيجية محكمة، فهي وحدها التي من شأنها إيقاظ الضمير العالمي من ثباته العميق، وبخاصة غير الرسمي منه ، كما يتحتم التواصل مع إدارات مواقع التواصل الاجتماعي لإيقاف خطاب التحريض الذي يشنه البورميون ضد الروهينجيا بشكل مكثف.
وبالفعل فقد طالب مسلمو الروهينجا في عام 2021م بتعويضات تتجاوز المئة وخمسين مليار دولار من إدارة فيسبوك، حيث رفع مجموعة من الروهينجا دعوى قضائية على الشركة المالكة، يتهمونها فيها بالسماح بانتشار خطاب الكراهية والتحريض على العنف والإبادة ضدهم دون أدنى محاولة لحجبه ( 33).

فقد وجّهوا الاتهام فيها لموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بالمساهمة في نشر خطاب الكراهية المعادي لهم والداعي لإبادتهم، والمعلومات المضللة عنهم، وكذلك التحريض على العنف ضدهم( 34).
لقد توصلت رويترز في أحد تحقيقاتها إلى أن فيسبوك لم يتخذ إجراءات كافية لمنع التحريض ضد الروهنجيا، حيث بلغ مستخدمو الفيسبوك في عام 2013م في ميانمار قرابة 18 مليون مستخدم يصر كثير منهم على نشر خطاب معاد للروهينجيا.

وقد حدد مركز حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في بيركلي أكثر من ألف مثال على المنشورات والتعليقات والصور ومقاطع الفيديو التي تهاجم مسلمي ميانمار، حيث يجري وصفهم بأنهم كلاب وديدان ويتحتم القضاء عليهم، بالإضافة إلى نشر صور إباحية تعادي المسلمين وتهين معتقداتهم(35 ).
لقد نشر أحد البورميين على فيسبوك في ديسمبر 2013م، تعليقاً قال فيه: “يجب أن نقاتلهم بالطريقة التي اتبعها هتلر مع اليهود، اللعنة عليهم”، ونشر آخر صورة لقارب يحمل لاجئين من الروهينجيا وعلق على الصورة : “صبوا الوقود عليهم وأشعلوا النيران حتى يتمكنوا من لقاء ربهم بشكل أسرع” (36 )( 37) .
كما ذكرت صحيفة الواشنطن تايمز في ديسمبر من العام ٢٠٢١م أن اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية قد وجهت اللوم إلى موقع وإدارة فيسبوك لعدم بذله جهوداً حقيقية من أجل منع خطاب الكراهية المنتشر على صفحاته ضد مسلمي الروهينجا في ميانمار (38 ) ( 39).

تقول ابتسام هجرس أمين عام منظمة مملكة أراكان :” الإهمال الذي تعرضت له قضية الروهنجيا من المجتمع الدولي أحد أهم الأسباب التي عرضتهم لجرائم الإبادة الواحدة تلو الأخرى، في حين فسر الصمت الدولي تجاه قضيتهم وكأنه تصريح مفتوح للمجرمين لقتلهم وإبادتهم”، ومن ثم طالبت الإعلاميين والصحفيين بتحمل المسؤولية المهنية والأخلاقية في الكشف عن تلك الجرائم ومرتكبيها لتقديمهم لمحاكمات عادلة من أجل وقف مثل تلك الجرائم(40 ) .

من هنا حتمية تطوير خطاب إعلامي جيد ومتعدد المستويات، ليطرح القضية بكل معقولية واقتراح سبل حلها، فالخطاب الإعلامي الحالي هو في معظمه خطاب صياح وشكوى وأنين، دون أن يطرح رؤية لما الذي يمكن فعله على الأرض(41 ) .
وها هو تشارلس بيتري(Charles Petrie) مساعد الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وكان يشغل منصب نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في رواندا خلال الإبادة الجماعية عام 1994م، ها هو يحذرنا من مصير رواندا وما حدث بها من جرائم إبادة على نطاق واسع إن لم نمنع تلك المأساة الأركانية سريعاً، إذ يقول:” انتهى وقت الكلام، ويجب على المجتمع الدولي أن يتدخل سريعاً، وإلاّ فقد يفشل في إنقاذ مسلمي ميانمار، كما فشل من قبل في وقف مذابح رواندا ” (42 ) ( 43) .

والسؤال الذي يطل برأسه الآن : لماذا لم تتوقف هذه المأساة، مع كل هذه الجرائم، وكل هذا الوقت الممتد، وكل هذه الإدانات الدولية؟

في محاولة للإجابة على هذا التساؤل يعدد لنا أنس الشوحي: أسباب استمرار مأساة الروهنجيا، فيقول:” مأساة الروهنجيا قضية مسكينة؛ لأن أصحابها عاجزون عن تقديم الخدمات لصالح الدول الكبرى؛ ولذلك بقيت تنزف إلى يومنا هذا.. وقوف الصين خلف هذه المجازر منع الكثير ممن يريدون نصرة هذه القضية من التصدي لها دبلوماسيا وسياسيا، فليست هناك دولة مستعدة لقطع مصالحها التجارية مع الصين بسبب هذه الأمة البائسة، وتشرذم الروهنجيا وعدم وجود مرجعية واحدة لتتحدث باسمهم أضعف صوتهم أمام المحاكم الدولية، وظهور أزمتهم في وقت شغل فيه العالم بأحداث أكثر أهمية”( 44).

ومن هنا يقترح محمد يونس رئيس منظمة تضامن الروهنجيا حلولاً لتلك القضية، إذ يقول:” تخطط بورما لإخراج المسلمين من أراكان وجعلها مستوطنة للبوذيين، ولن ينال المسلمون الروهنجيا حقوقهم إلا بأحد طريقيْن: إما أن تكون أراكان دولة إسلامية مستقلة، وإما أن تُجرى انتخابات في أراكان تحت رعاية الأمم المتحدة”( 45).

أو أن يجري ممارسة ضغوط حقيقية على النظام الحاكم في ميانمار لتوفير ضمانات قوية لتأمين عودة المشردين مع منحهم حقهم الكامل في المواطنة وإدارة مصالحة حقيقية بين كافة طوائف الشعب على المستويين العرقي والديني، في ظل حكم ديمقراطي تشاركي يقف في ظله الجميع على قدم المساواة، هذا إذا ما أردنا تجنب سيناريو الانفصال الذي قد تكون عواقبه وخيمة في ظل المعطيات الحالية على الأرض.

وفي التحليل الأخير، يمكننا القول أن هذه الاضطهادات الأكثر بشاعة في تاريخ البشرية ترجع لسببين مركزيين هما: السبب الأول: وهو عرقي، حيث الرغبة في الخلاص من العرق الروهنجي الأراكاني، والسبب الثاني: وهو طائفي ديني، حيث الرغبة في الخلاص من المسلمين.
والحقيقة المُرَّة أن النظام العالمي القائم وبصيغته الحالية لن يقوم بالدور المطلوب منه حيال هذه الأزمة، على الأقل في المستقبل المنظور، فهي حقاً أزمة بالغة التعقيد، تتقاطع فيها مصالح كثير من الدول الكبرى، فالصين تسعى لأن يكون لها موطيء قدم على المحيط الهندي من جهة الغرب عبر ميانمار وأراكان التي تتزايد الأطماع بها لثرواتها النفطية، والولايات المتحدة الأمريكية، وكما يؤكد بعض المتخصصين، توظف القضية وديمومة التوتر في تلك المنطقة كخنجر في ظهر الصين، في حين أن دول الجوار ترى أن من مصالحها عدم تبني موقف جاد من الأزمة لتجنب إغضاب أي من الدولتين الكبيرتين.
ومن ثم نرجو من العالم الإسلامي أن يكون له دور أكثر فاعلية، فهو المعني بشكل مركزي بتلك المأساة، وها هو (عطا الله نور الآراكاني) يطالب منظمة المؤتمر الإسلامي بمزيد من الجهد من أجل إعادة حق المواطنة المسلوب للمسلمين في ميانمار وإنشاء صندوق لدعمهم وتقديم الدعم والمساعدة لهم خاصة في إقليم أراكان، وإنشاء (لجنة آراكان) تماماً كما جرى إنشاء (لجنة القدس) الخاصة بالقضية الفلسطينية والمنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، لتكون مهمتها الوقوف على كل تطورات القضية الأراكانية وتقديم الدعم لأصحابها، كذلك على هذا العالم الإسلامي الضغط بقوة لإجبار النظام البورمي على مراجعة سياساته حيال تلك المأساة.
مع أهمية اختيار زعيم للروهينجيا ليتحدث باسمهم، وذلك عبر إجراء انتخاب داخلي بينهم لتكوين مجلس إداري يرأسه هذا الزعيم.

غير أن الملاحظة المركزية هنا، والتي أطلت برأسها بقوة عبر صفحات هذا البحث، هي وجه التشابه الكبير بين كل من القضية الفلسطينية والقضية الأراكانية.
فكما أن هناك محاولة أسرلة الفلسطينيين وإذابة هويتهم العربية والإسلامية داخل الكيان الصهيوني، هنا محاولات (برمنة) ما تبقى من المسلمين وإذابة هويتهم في الكيان البوذي البورمي.
وكما أن هناك الاستيطان الصهيوني، هنا الاستيطان البورمي في أراكان لتغيير التركيبة السكانية.
كما أن هناك التطهير العرقي والإبادة والطرد في فلسطين، نجد نفس الأمر هنا في أراكان.
هناك بناء المستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهنا بناء القرى النموذجية للبوذيين داخل إقليم أراكان في محاولة لتغيير الوضع الديموجرافي.

ولعل ذلك ما يفسر الدعم العسكري وصفقات السلاح التي يقدمها الكيان الصهيوني للمجموعة العسكرية الحاكمة في ميانمار دون أن يعبأ بمطالب المجتمع الدولي لوقفها.

وفي النهاية، نعود لنؤكد أن تلك الأزمة هي في عمقها أزمة نظام عالمي تأسس على نسق القيم ما بعد الحداثية المغالية في لاإنسانيتها، إذ لا يؤمن إلا بمنطق القوة حيث البقاء للأقوى، ويذهب بعيداً فيما يعرف بالنفعية السياسية منزوعة القيم.
وأزمة أمة عربية إسلامية تلملم جراحها الداخلية، بل وأضحت أنظمتها السياسية الرسمية(والتي لا تعبأ كثيراً بتلك القضية) لا تعبر عن قناعات شعوبها المتعاطفة قلباً وقالباً مع مسلمي الروهنجيا.
كما أنها أزمة نظام سياسي عسكري داخلي في ميانمار يسعى جاهداً لتصدير أزماته والتغطية على إخفاقاته السياسية والاقتصادية عبر اختلاق عدو وافتعال حروب معه طوال الوقت، حتى لو تسبب الأمر في كل هذا القدر الهائل من الضحايا.


مراجع الدراسة:

(1) BBC,Myanmar Rohingya: What you need to know about the crisis,23 January 2020 .
(2) For more see: Sarwar J Minar and Abdul Halim ,Rohingya: Etymology, people and identity, daily Asian age, 24 July 2019.
(3) للمزيد راجع : أحمد عبد الرحمن: مسلمو أراكان وستون عاماً من الاضطهاد، الطبعة الثانية،2012م، صـــــ73 وما بعدها.
(4) المرجع السابق صـــــ144.
(5) ليلى حمدان : المسلمون الروهينجا: تاريخ مثقل بالمجازر، 4 أغسطس، 2021م.
(6) المرجع السابق.
(7) للمزيد راجع : كتاب مسلمو أراكان وستون عاما من الاضطهاد صـــــ144.
(8) للمزيد راجع: أحمد عمار عبد الجليل: المسلمون المنسيون في بورما، دار المنهل، 2016م.
(9) ليلى حمدان : المسلمون الروهينجا: تاريخ مثقل بالمجازر، 4 أغسطس، 2021م..
(10) Times of India, Myanmar junta revokes publishing license over book on Rohingya, May 31, 2022.
(11) ليلى حمدان : المسلمون الروهينجا: تاريخ مثقل بالمجازر، 4 أغسطس، 2021م..
(12) أمجد رمان: مقال الروهينجا.. حكاية شعب بلا وطن، أبريل،2012م.
(13) المرجع السابق.
(14) المرجع السابق.
(15) The Guardian,Myanmar casts minorities to the margins as citizenship law denies legal identity,Thu 3 Nov 2016 .
(16) أمجد رمان: مقال الروهينجا.. حكاية شعب بلا وطن، أبريل،2012م.
(17) محمد يونس : أراكان، السكان البلاد التاريخ.
(18) أمجد رمان: مقال الروهينجا.. حكاية شعب بلا وطن، أبريل،2012م.
(19) عطا الله نور :الحركات الروهنجية التحريرية في بورما من البداية إلى الانتهاء، الموقع الرسمي لوكالة أنباء الروهنجيا،
10ديسمبر 2015م.
(20) The Guardian ,US declares Myanmar army committed genocide against Rohingya, 21 Mar 2022.
(21) Heather Saul, Aung San Suu Kyi made angry Muslim comment after tense exchange with BBC presenter Mishal Husain, it is claimed, The Independent, 25-3-2016.
(22) Theguardian, Aung San Suu Kyi won t be stripped of Nobel peace prize despite Rohingya crisis,Thu 30 Aug 2018.
(23) BBC,How Aung San Suu Kyi sees the Rohingya crisis,25 January 2018.
(24) BBC,Myanmar Rohingya: What you need to know about the crisis,23 January 2020 .
(25) Devastating cruelty against Rohingya children, women and men detailed in UN human rights report,New report on Myanmar, https://www.ohchr.org/en,03 February 2017.
(26) راجيني فيدياناتان :الروهينجا: اقتلونا لكن لا ترحلونا إلى ميانمار،BBC) )، بتاريخ 25 أغسطس 2022م ..
(27) Jesmin Papri, Rohingya Children Give Eyewitness Accounts of Atrocities, BenarNews, 2017-01-23 .
(28) الموقع الرسمي للأمم المتحدة: في 24 اغسطس 2022م .
(29) جريدة الشروق الجزائرية،في 28 اغسطس 2022م .
(30) BBC,Myanmar Rohingya: What you need to know about the crisis,23 January 2020 .
(31) The daily star,Dutch House of Representatives adopts motion for probe on Rohingya genocide, Fri Jul 5, 2019 .
(32) مصطفى يوسف اللداوي : الروهينغيا بين الصور الممنتجة والجرائم الممنهجة، وكالة أنباء الروهنجيا، 10سبتمبر 2017م.
(33) Elizabeth Culliford:Rohingya refugees sue Facebook for -$-150 billion over Myanmar violence, Reuters December 8, 2021.
(34) الموقع الرسمي لمرصد الأزهر: الروهينجا .. أزمة إنسانية كشفت سلبيات منصات التواصل الاجتماعي “، ديسمبر, 2021م .
(35) Olivia Solon ,Facebook struggling to end hate speech in Myanmar, investigation finds, The guardian, 16 Aug 2018.
(36) الموقع الرسمي لمرصد الأزهر: الروهينجا .. أزمة إنسانية كشفت سلبيات منصات التواصل الاجتماعي “، ديسمبر, 2021م .
(37) Olivia Solon ,Facebook struggling to end hate speech in Myanmar, investigation finds, The guardian, 16 Aug 2018.
(38) الموقع الرسمي لمرصد الأزهر: الروهينجا .. أزمة إنسانية كشفت سلبيات منصات التواصل الاجتماعي “، ديسمبر, 2021م .
(39) Mark A. Kellner: U.S. commission dings Facebook in report calling for social media to fight religious hate speech, The Washington Times , Friday, December 3, 2021.
(40) وكالة أنباء الروهنجيا : 5 سبتمبر 2017م.
(41) للمزيد بهذا الشأن راجع: آيات أحمد رمضان : أزمة مسلمي الروهينجا في خطاب المواقع الإلکترونية الإعلامية العربية، دراسة تحليلية، قسم الصحافة والنشر، شعبة الصحافة والاعلام، کلية الدراسات الاسلامية والعربية بنات، جامعة الازهر،2017م .
(42) وكالة أنباء الروهنجيا: الجدل حول تعريف الإبادة لن ينقذ الروهينجا،الإثنين 10 سبتمبر 2018م.
(43) Charles Petrie, Debating the definition of genocide will not save the Rohingya, .the guardian,Tue 4 Sep 2018 .
(44) أنس أبو العالم الشوحي: أسباب استمرار مأساة الروهنجيا، وكالة أنباء الروهنجيا، 20 يناير 2020م.
(45) أمجد رمان: مقال الروهينجا.. حكاية شعب بلا وطن، أبريل،2012م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى