إسلامثقافة

مسألة فقهية ..كيف اسدد الدين بعد انخفاض قيمة العملة

ا.د حلمي الفقي
التضخم آفة كبرى ، تضرب الاقتصاد ، ضربات مؤثرة ، ومؤلمة ،ولا يزال الاقتصاد العالمي يتهاوى تحت مطارق ضربات التضخم ، المتلاحقة ، والمتتابعة ، والتي تحدث جراحا غائرة ، في بنية الاقتصاد الدولي، وتسبب خسائر فادحة للدول ، والمؤسسات ، والأفراد ، وكل هذا بسبب خطايا البشر التي اقترفتها أيديهم ، في اتساع الهوة بين الاقتصاد العيني ، والاقتصاد المالي ، واحد من الأعطاب الخطيرة التي تهدد بنية الاقتصاد العالمي كله ، والخلل في ميزان السياسة النقدية للدول ،ما يتسبب بكوارث كبرى لاقتصاديات الدول ، التي لا تضبط ميزانها النقدي ، بالقواعد المتعارف عليها لدى أهل الفن ، والربا وفي القلب منه فوائد البنوك المحرمة بالقرآن والسنه والإجماع ، والتي كانت سببا رئيسا في الأزمة المالية العالمية ، التي ضربت كيان الاقتصاد العالمي ، في نهاية العام 2008م ، وتسببت في خسائر فلكية ضخمة ، تجاوزت العشرة تريليونات دولار ، وأدت إلي اعتراف أساطين الاقتصاد في الغرب ، بأن الاقتصاد الإسلامي هو الحل الناجع ، والمخرج الوحيد ، للاقتصاد العالمي من كبواته الكبرى ، وعثراته العظمى.
والتضخم نكبة ، ومصيبة ، تحل بالاقتصاد ، فتسبب خسارات كبرى للأفراد ، والدول ، فإذا حل بدولة تضخم بنسبة 50% ، مثلا ، فهذا يعني أن الأفراد والمؤسسات قد خسرت نصف أموالها ، تقريبا ، ولكن المشاهد أن التضخم يضرب اقتصادات الدول بنسب متفاوتة ، من دولة لأخرى ، تتباين وتتفاوت من مكان لأخر ، ومن زمان لأخر ، لكن في الغالب لا تخلو منه دوله من الدول .
فإذا كان على إنسان دين ، بسبب معاملة ، أو قرض ، وحدث انهيار لقيمة العملة ، فكيف يسدد هذا الدين ؟ هل بمثله ؟ أم بقيمته ؟
أولا :
الدين يسدد بمثله ، دون زيادة ، ولا نقصان ، بإجماع العلماء ، وهذا هو الأصل في سداد الدين ، في حال عدم حدوث تضخم ، أو انهيار لقيمة العملة ، أو في حال حدوث تضخم يسير ، يحدث غالبا في كثير من الدول ، في حدود 5% أو 10% ، أو قريبا من ذلك ، فهذا تضخم يسير يحتمل ، فيجب سداد الدين بمثله ، دون زيادة مشروطة ، ولا يسدد بقيمته ، وذلك بإجماع العلماء .
ثانيا :
الاتفاق شريعة المتعاقدين ، أو العقد شريعة المتعاقدين ، هذه قاعدة لا خلاف عليها ، فيجب الوفاء بالعقد ، ويجب الالتزام ببنود الاتفاق كاملة غير منقوصة ، فإذا أقرض بالجنيه ، واتفق علي السداد بالدولار ، فيجب الوفاء بالاتفاق .
ثالثا :
إذا حدث تضخم كبير ، ولم يكن هناك اتفاق على طريقة السداد ، فكيف يسدد الدين ؟ هل يسدد بالمثل أم بالقيمة ؟
هذه القضية ناقشها مجمع الفقه الإسلامي قبل أكثر من ثلاثة عقود ، وانتهى الفقهاء حينها الى رأيين :
الأول : يجب سداد الدين بمثله ، وتحرم الزيادة على المثل ، الزيادة على المثل ربا محرم ، وظلم للمدين .
والرأي الثاني : يجب سداد الدين بقيمته لا بمثله ، وهذا ما أرجحه في حال حدوث تضخم كبير , وانهيار قيمة العملة .
وليس في هذا أي وجه من وجوه الربا ، لماذا ؟ لأن الدائن أقرض عشرة آلاف جنيه مثلا ، وكانت تساوي عشرة غرامات من الذهب ، وبعد شهرين أصبحت تساوي خمسة غرامات من الذهب ، فللدائن عشرة غرامات من الذهب ، التي كانت قيمة الدين ، فهو بالتالي لم يأخذ جنيها واحد عن زائدا عن حقه ، والذي كان يساوي عشرة غرامات من الذهب .
والقول بأن الدين في هذه الحالة يؤدي بمثله ، يتسبب في خسارة الدائن نصف ماله ، وهذا ظلم محرم في دين الإسلام ، فالإسلام يحرم ظلم المدين ، ويحرم أي زيادة على المدين ، وفي الوقت نفسه يحرم ظلم الدائن ، ويحرم أي نقص من حق الدائن .
ففي حال حدوث تضخم كبير ، يجب سداد الدين بقيمته ، حتى لا يظلم الدائن ، كما يجب ألا يظلم المدين ، وحتى لا نمنع المعروف بين الناس ، لأن الدائن إذا علم أنه يتحمل نتيجة التضخم بمفرده ، فهذا يمنعه من إقراض المدين ، حتى لا يتعرض لخسارة جزء كبير من أمواله ، والله أعلم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى