الأولىرأي

مخاطبة الله أفضل من مخاطبة قدّيسيه

*

رشيد مصباح (فوزي)

الجزائر

*

توظيف الذكاء الاصطناعي في الحياة العامّة إنّما هو بغرض القضاء على الخصوصية. لن تكون هناك حاجة إلى البصمة الشخصية، سيصبح الانسان مجرّد رقم في سجّلات النظام العالمي الجديد.

لن تدرك البشرية معنى هذا الكلام الخطير إلّـا حين تُسلب منها إرادتها وتسلك نهج القطيع، عندها يكون قد فات الأوان، ولا سبيل للعودة إلى الوراء؛ إلى ما كانت عليه.

توظيف الذكاء الاصطناعي في الحياة العامّة يعني القضاء على الانتماء والجهة، وسيصبح كل شيء شكليا بلا معنى: الزمان، المكان، الدولة والحدود الجغرافية.

ولأن الحاكم الفعلي يومها عبارة عن نظام آلي يفرض على الجميع نمطا إجباريا ومقاسات محدّدة و موحّدة، فلن تكون البشرية في حاجة حينها إلى زعماء متفوّهين، ولا إلى خطب حماسيّة.

نحن نرى كيف تتسارع الأحداث وكأن الزّمان غير الزّمان. وما يحدث في هذه الأيّام لم يسبق له نظير في التاريخ كلّه. وهذا اليوم هو على الأبواب شئنا أم أبينا.

هذا ما يخطّط له أرباب هذا العالم، الحكومة الخفية التي تحكم العالم. هؤلاء بيدهم القوّة؛ قوّة المال والسلاح. يوجّهون العالم وفق نظريّة إبليس، كأنّ بينه وبيهم اتّفاق شراكة ”رابح رابح“.

انظروا إلى أفعالهم تدركون جيّدا طبيعة النوايا؛ ما كل هذه الأموال التي يتم تبديدها على حروب لتدمير الحياة فوق الكوكب الأزرق الجميل وقتل ملايين البشر؟ وعلى هذا اللهو لصرف أنظار النّاس عمّا يجري في الواقع… وثلثي البشرية تعاني من الجوع والتشرّد والظلم.

ماذا قدّمت هذه الأنظمة التي تحكمنا منذ زمن (سايكس بيكو) وتتمزّى علينا بأجور زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع. هل غيّرت من واقعنا شيئا يمكن ذكره؟

بالأمس لم نكن نستورد غذاءنا ودواءنا، وأما اليوم فحياتنا صارت مرهونة بما ينتجه الأخرون؛ نستورد الغذاء والدواء وحتّى اللّباس، وكل شيء تقريبا بالعملة الصعبة.

أين يذهب المال العام؟

كيف يتم توزيعه؟

يمنع على المواطن طرح مثل هذه الأسئلة بالطبع، وندّعي أنّنا ديمقراطيون أكثر من الديمقراطيين أنفسهم ولسنا مثل غيرنا من الشعوب التي ترزخ تحت نير العبودية والاستبداد، وأن جميع الحريّات مكفولة في دساتيرنا.

هذه الدساتير التي لا نعرف عنها شيئا، ولا عن القوانين التي نجهل عنها الكثير، وهذه المجالس والبرلمانات التي لا تفعل شيئا على الإطلاق، وهؤلاء الموظفين في مختلف القطاعات الذين ينفقون المال العام كما يشاؤون، ولا من حسيب ولا رقيب.

ليس للمواطن العربي الحق في معرفة أين يذهب المال العالم، ولا في المشاركة الفعلية في البرامج الوهمية التي تضعها الحكومات لتسخر من عقله. ولا يمكنُه محاسبة هؤلاء الرؤساء والزّعماء والقادة ”الخالدين“ على ما قدّموا وما لم يقدّموا، ولا في معرفة كم يتقاضون من الأجور وما يحصلون عليه من امتيازات علمها عند الله لا يعلمها إلّـا هو، و التي تجعل من حياتهم وحياة أبنائهم وذويهم جنّة فوق الأرض، بينما يعيش السواد الأعظم من الشعب تحت مستوى الفقر يحلمون بقطعة الرّغيف.

ليس لهذا المواطن العربي الحق في إعلام راقٍ وحر ونزيه؛ يفتح بصيرته وينوّر عقله.

كل شيء ملك للنّظام: السّلطة والإعلام والمال العام… فأيّ منطق هذا؟

حين تتولّى الحكومة الخفيّة تسيير هذا العالم بنفسها لن تحتاج في ذلك إلى حاشية متملّقة أو إلى طائفة معيّنة ولا إلى هذه الأنظمة الغبية الفاسدة، لأنّها ستسوق البشرية كلها بعصا واحدة، دون تمييز.

ولن نسمع مجدّدا عن الأيادي الخارجيّة و التآمر مع الغير. وسيتبيّن عندها أن كل ما كانت تقوله الأنظمة وتروّج له مجرّد أوهام و افتعالات. ويصبح من الضّروري على كل واحد الانضمام إلى أصحاب القرار الفعليين. وفي مثل هذا يقول المثل الفرنسيّ: [Mieux vaut s’adresser à Dieu qu’à ses saints] بمعنى: ”مخاطبة الله أفضل من مخاطبة قدّيسيه“.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى