رأي

محاولة تغيير هوية الجزائر..لصالح من؟

سبحان الله…لا يحدث هذا إلا في الجزائر: العربية تحارَب بالعربية، وحري بذلك المجلس أن يسمى “المجلس الأعلى لمحاربة اللغة العربية”، فرئيسه يقول في كتابه “المسألة الأمازيغية” ص 179:” الفرنسية والعربية لغتان أجنبيتان في الجزائر”، ويمكن تلخيص نشاطه في  خدمة ما يسمى الأمازيغية، وآخر إنجازاته ذلك العمل الغريب الموسوم بالمعجم_الطوبونيمي، وهو عمل باطل من أساسه، فالطبونيميا هي علم أسماء المواقع( أماكن و مدن)، وهو تخصص لغوي في علم اللسانيات يبحث تسمية الاماكن و أقدميتها، ومعناها، وأصولها، وتطورها، وعلاقتها باللغة التي يتم التحدث بها حاليا أو باللغات التي اختفت. (لا تنسوا – بالمناسبة – أن أركون بني “تجديده” للإسلام على اللسانيات فأفرغه من محتواه الرباني ونزع عنه القدسية)، ويركز على  ” الانسان المالك الاصلي للأرض”، وقد أكد هذا المعجم أن المالك الأصلي للأرض هم “الأمازيغ” أما العرب فهم أجانب دخلاء جاء بهم ما سمّاه بكل وقاحة “الغزو العربي” !!! وهكذا صرنا بقدرة قادر أحفادا للغزاة…هذا ما يحدث عندما يسند التأريخ لغير المؤرخ والأدب لغير المؤدب!… فمرجع هذا المعجم هو فيسبوك في حين كان ينبغي الاعتماد على تاريخ الجزائر العام للشيخ عبد الرحمن الجيلالي، وتاريخ الجزائر الثقافي للدكتور سعد الله، وهما المنجزان الأكاديميان النّوعيان اللذان يفيضان بسخي المعلومة وموضوعية الطرح وأمانة الشاهد…إننا – مع الأسف – أمام وضعية وطن يختطف من أهله جهارا نهارا و أغلبية أهله في غفلة نائمون، وإلا كيف نفسر مرور هذا “الإنجاز” الذي يؤكد أن 16 بلدية من بلديات معسكر اسمها امازيغي، وأن معظم سكان الولاية أمازيغ؟ وأن تسمية “الأبيض سيدي الشيخ ” أصلها أمازيغي؟ وأن تسمية أم البراقي أصلها امازيغي؟ (وأنا من هذه الولاية و أعلم مثل جميع العقلاء أنها تسمية عربية واضحة)…إنها ليست أخطاء بل هو التحريف والتزييف الذي يستهدف وحدة شعب وحّده الإسلام ويعتز بلغته القرآنية، بل أقول – وأنا لست تحت تأثير الغضب بل أبصر الحقائق الصارخة – إن هذا العمل  ليس مجرد شطحات عنصرية كما يتصور البعض و إنما هو حرب حقيقية على هوية الجزائر و هوية شعبها،  يهدف بوضوح إلى إقرار كل عربي في الجزائر بواحدة من اثنتين: إما أنه غجري يعتنق ما يسمى الأمازيغية أو أنه عربي و بالتالي غريب عن الجزائر طارئ عليها، ولا يحق له فيها ما يحق لمن يسمى “الساكن الأصلي”…أو ليست محاولة تغيير أسماء المدن وخلق دراسات مزيفة تحت اسم مدينة أمازيغية ومدينة عربية اثارة لحرب مرتقبة عرقية بين العروش بعدما نجانا الله تعالى من هذه الاشكالية بفضل الإسلام والعربية الجامعة التي لم تسيء إلى أي لهجة في طول الجزائر وعرضها؟ إنه التلاعب بالتاريخ و الجغرافيا  لنشر السموم وخلق فتن نحن في غني عنها، والبلاد في حاجة لنهضة وليس لخرافات للتستر على الفشل في التسيير لأن هناك جهات كأنها تبتهج بهذا العبث أو تقف خلفه، لو أرادت وضع حد له لفعلت، لكنها تفضل – فيما يبدو – معارك الهوية بدل معركة التنمية، ونحن في زمن تحتاج فيه المدن والقرى إلى تنمية وليس إعادة تسمية، فالاحتلال الفرنسي غيّر الألقاب وهؤلاء يريدون تغيير أسماء الأماكن كأن هذا امتداد لذاك العمل…هل يراد من هذا استئصال كل ما هو عربي؟ نحن نعلم تضايقهم الشديد من الشعارات الباديسية الخالدة “الاسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا” – “شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب” – “فإذا هلكت فصيحتي***تحيا الجزائر والعرب”…مما أدى إلى تضييقهم الشديد على جمعية العلماء وتهميشها ولمزها بكل مناسبة.

أهو عهد تخريب التعليم وإقصاء العربية وإحلال الخرافات محل الحقائق؟ أيُعقل أن يصرح رئيس ما يسمى المجلس الأعلى للغة العربية أن “الفرنسية والعربية لغتان أجنبيتان”؟ وأن يصرح بأن ” تعريب الجامعة خطأ، والفرنسية مكسب”؟ ألم نلاحظ كيف يحتفي التلفزيون  بما يسمى “اللغة الأم” على حساب العربية؟ ما سبب هذا التطرف والاستفزاز للأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري، وهذا الحقد على العربية الذي صارت تبديه حتى جهات رسمية تابعة للدولة؟

يبدو – لا قدر الله – أن الفتنة تُطبخ على نارٍ هادئة، وصانعوها ومنفذوها لهم من الإصرار وطول النفس وتعدد الوسائل والأساليب الشيء الكثير، هم يرفعون شعار “لا للفتنة” وينشرون الفتنة، ويظهر ذلك من خلال خطوات استفزازية دأبت عليها جهات ثقافية وإعلامية تتعمد تحقير اللغة العربية والانتقاص من أسلافنا الذين حملوا الدين، وتزوير التاريخ، ونشر الشعوبية، وإحياء التراث الوثني على حساب التاريخ الإسلامي لبلادنا…وأحسن رد هو تجند النخبة الواعية وعامة الجزائريين لخدمة اللغة العربية في الميدان والدفاع المستميت عن الوحدة الوطنية، وهناك اطباء بدؤوا بكتابة الوصفات بالعربية كخطوة رمزية مباركة يمكن النسج على منوالها…أذكر انه في خضم هذه الضجة عقدت هيئة الأمازيغية ملتقى في جامعة تلمسان أوصت فيه بإصدار قوانين صارمة لمعاقبة “الكراهية”…ومفهومهم للكراهية معروف، وهي سهام نعرف جميعا مَن تستهدف.

وأختم برسالة لكل مثقف: سكوتك عن المعجم الطوبونيمي  والإساءة إلى ثوابتنا لا يعني أنك مثقف ولا تهتم بالتفاهات بل يعني أنك جبان.

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى