أحوال عربيةأخبارأخبار العالم

التاريخ يضبط على توقيت “دمشق- بكين”

التاريخ يضبط على توقيت “دمشق- بكين”

الدكتور خيام الزعبي- عضو منتدى القانون الدولي في جامعة القاهرة

التاريخ لا يكذب ولا يتجمل أيضاً، والغريب أن أعداء سورية لم يتعلموا الدرس بعد، ولم يستوعبوا المتغيرات التي حدثت في المنطقة، وأمام إصرار سورية على إفشال المخططات الأمريكية الخبيثة هناك حالة أعادت للنفس آمالاً عريضة بان الغد سيكون مشرقاً في بلادنا وإن ما جرى خلال تلك السنوات إنما هو غيمة سوداء لابد لها ان تنجلي ولابد ان تشرق الشمس على وطننا الكبير “سورية”.

بعد محاولات عديدة استمرت لسنوات بهدف عزل دمشق وإسقاطها شهدت الساحة السياسية السورية تحولاً كبيراً في مواقف عدد من الدول نحو الأزمة السورية، حيث سعت بعض الدول العربية والأوروبية إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، بعد أن تفهمت أن محاربتها للحكومة السورية ومساندة الجماعات المسلحة لن تجدِ نفعاً، لتدرك أن قرار القطيعة مع سورية كان متسرعاً، في إطار ذلك تأتي زيارة الرئيس الأسد الى الصين كرافعة ضرورية للعلاقات السورية الصينية وسط ظروف متأججة ترسم علامات إستفهام كبيرة في المنطقة، وتأتي هذه الزيارة لتؤكد حقيقة ضبط التاريخ على التوقيت السوري- الصيني، بدلالة انزعاج الإدارة الامريكية من تلك الزيارة.

انطلاقاً مما سبق، لا نتردد في القول إن زيارة الرئيس الأسد الى الصين، وسط امتعاض امريكي، هي اشعار بنهاية الأحادية القطبية، وأن الأسد خلال تلك الزيارة، و في ظل الأجواء الدولية شديدة التعقيد  دق المسمار الأوّل في نعش الأحادية القطبية معلناً أن العالم بدأ يستعيد توازنه و إن ببطء.

و هي زيارة من شأنها أن تعبّد الطريق أمام علاقات مميزة مستقبلاً بين سورية وحلفاء الصين، ويعد استقبال الرئيس الأسد، رسالة في غاية الاهمية، مضمونها أن دمشق اليوم باتت ضمن الاهتمام الصيني، وأن الصين قد دخلت فعليا على خط الأزمة السورية، في محاولة كسر العزلة الدولية لدمشق، وبالتالي فإن هذه الزيارة سواء لجهة استقبال الاسد، أو تصريحات الساسة الصينين، تؤكد واقعاً لا يمكن تجاهله، هو واقع عنوانه الرئيس، بداية مرحلة جديدة، مع ازالة عوائق منع الإستثمار، والعمل على حل سياسي، مع كسر الطوق الأمريكي.

كما تعتبر هذه الزيارة هي إعلان لعودة سورية إلى الساحة الدولية، باعتبار دمشق شريكا استراتيجياً ينبغي تعزيز واقعه السياسي والاقتصادي، وعدم السماح للولايات المتحدة، باستثمار هذا الملف من أجل إطالة أمد الصراع والحرب في سورية، وعليه، خاصة بعد محاولات الغرب لعزل سورية سياسياً، واقصاء تأثيرها وفعاليتها الإقليمية والدولية، لتكون هذه الزيارة وأبعادها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، معادلة ستؤرق واشنطن كثيراً، وتُجبرها على إعادة النظر في سياساتها، ومنظورها للملف السوري المتأزم.

اليوم الملف السوري نحو مسار جديد تريده العديد من العواصم الإقليمية نتيجة جملة من التحولات في السياسات والمواقف والمعطيات، رفض ما يجري أو محاولة عرقلته، لكن الثالوث الإستراتيجي “الصين، روسيا، سورية” قادر على تشكيل تحالف إقليمي ليكون صداً في وجه الإختراق الأميركي للمنطقة، و لجم الإندفاع والتهور الأميركي تجاه العديد من الملفات الدولية المعقدة، وتجاه العديد من المواضيع المثارة على كل المستويات الأممية.

أمام ذلك، أرى إن الولايات المتحدة أصبحت غير قادرة على التعامل مع جميع الأزمات الدولية، في الوقت الذي تلعب فيه واشنطن دور القيادة من المقاعد الخلفية، عن طريق إعطاء توجيهات ومساعدة القوى الأخرى أكثر من تدخلها بشكل مباشر في حل الأزمات، لذلك هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم الصين وروسيا وعودتهما بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن وحلفائها.

في السياق ذاته إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهين بالعلاقات الايجابية بين كل من دمشق وبكين وموسكو، وعلى الدول التي تعيش في حالة من التردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً واقليمياً، وكما لجأت بعض الدول الى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب ان يلجأ محور أعداء دمشق الى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها من أجل تحقيق أمن المنطقة.

مجملاً… إن إنشاء مثلث ” دمشق، بكين، روسيا” وهو مثلث يمثل في الظروف الحالية حاجة استراتيجية للأطراف الثلاثة، فهي أطراف تتكامل فيما بينها، على الأقل سياسياً، والتنسيق بينها داخل مثلث إقليمي سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن إلى جانب أنه سيشكل حاجزاً للدور الغربي المدمر سياسياً للعالم العربي، ومنطلقاً للتأسيس لحالة من الاستقرار في خضم المرحلة المضطربة حالياً.

ببساطة، اليوم التاريخ يضبط على توقيت “دمشق- بكين”، فسورية التي انفتحت أمامها أخيراً الأبواب العربية والإقليمية تجد نفسها تتعافى بعد أن  تحولت إلى عاصمة العالم تطرق أبوابها قوى الشرق والغرب وفي إطار ذلك  كانت سورية ولا زالت مفتاح السلم والحرب في العالم، هي من ترسم المعادلات، وهي من تقرر التحالفات، وهي من تقود المعارك على الأرض لترسم خارطة المنطقة.

وفي النتيجة، سورية إختارت ان تؤسس محوراً مقاوماً مع الصين وروسيا مقابل المحور الغربي وحلفاؤه من الدول العربية، محور يدعو الى حلول سلمية سياسية لأزمات المنطقة على خلاف المحور الآخر الذي طالما سعى ولا يزال للتدخل عسكريا في دول المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى