أحوال عربيةأخبار العالمأمن وإستراتيجية

ما وراء عودة القاذفات الأمريكية بي 52 ؟

لماذا أعادت واشنطن تنفيذ طلعات “بي 52” في المنطقة؟

د. محمد عباس ناجي

لا ينفصل اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تنفيذ طلعات بواسطة قاذفات من طراز “بي 52” الاستراتيجية في المنطقة عن تصاعد التوتر مع إيران، على نحو يعني أن واشنطن سعت عبر تلك الخطوة إلى تحقيق أهداف عديدة، منها دفع إيران إلى التراجع عن محاولاتها استهداف مصالح واشنطن والرياض، وتأكيد جدية التحذيرات الأمريكية بإمكانية الاستناد إلى الخيار العسكري في حالة استمرار تعثر المفاوضات النووية، والترويج لتحقيق أهداف جولة بايدن في المنطقة خلال يوليو الماضي.

راديو فردا (راديو الغد): سنتكوم: طائرات مقاتلة من 13 دولة شريكة في الشرق الأوسط ترافق قاذفات بي 52
أعلن الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في 11 نوفمبر الجاري، عن إجراء طلعة جوية لقاذفات “بي 52” الاستراتيجية بالتعاون مع 13 دولة من الشرق الأوسط، وأضاف: “تظهر مهمة فرقة عمل القاذفات هذه التزامنا بالأمن الإقليمي والقدرات الجماعية لشركائنا العسكريين في المنطقة”. ورغم أن هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها، إلا أنها تكتسب أهمية وزخماً خاصاً لجهة توقيتها الذي يتوازى مع تصاعد حدة التوتر مع إيران.

أهداف عديدة

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية عبر تلك الخطوة إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- منع إيران من استهداف المصالح الأمريكية: لا تستبعد واشنطن أن تتجه إيران إلى استهداف المصالح الأمريكية مجدداً، من أجل رفع كلفة العقوبات والضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن تأكيدها تراجع أولوية الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران خلال المرحلة الحالية، في ظل اهتمامها بالعمل على تحشيد الدول الغربية ضد إيران بسبب دعمها العسكري لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا، من خلال مدها بطائرات من دون طيار من طرازي “شاهد 136″ و”مهاجر 6”.

وقد اعتبرت اتجاهات داخل الولايات المتحدة الأمريكية أن مقتل مدرس أمريكي في العراق، في 7 نوفمبر الجاري، يمثل مؤشراً على أن إيران تتجه بالفعل نحو العودة إلى استهداف المصالح الأمريكية مجدداً.

وقد كان لافتاً أن تنظيم “سرايا أهل الكهف” الذي أعلن مسؤوليته عن قتل المواطن الأمريكي فسر ذلك بأنه جاء انتقاماً لمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني برفقة نائب أمين عام مليشيا الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في 3 يناير 2020 عبر العملية العسكرية التي أمر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشنها داخل العراق.

2- الترويج لنجاح جولة بايدن بالإقليم: ربما يشير حرص واشنطن على تأكيد أن تنفيذ الطلعة الجوية تم بمشاركة 13 دولة شريكة في منطقة الشرق الأوسط، إلى أنها تسعى إلى إقناع إيران بأن الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة من 13 إلى 16 يوليو الماضي، واختتمت بعقد قمة جدة للأمن والتنمية حققت الهدف منها، وهو رفع مستوى التنسيق بين واشنطن وحلفائها في المنطقة حول التهديدات التي تواجه مصالحهما، ولا سيما التهديدات التي تفرضها الطموحات النووية والإقليمية الإيرانية.

وربما يكون ذلك مرتبطاً بمحاولات إيران في الفترة الماضية التقليل من أهمية النتائج التي أسفرت عنها الجولة، خاصة بعد أن ربطت بين ذلك وبين قرار منظمة “أوبك +”، في 5 أكتوبر الفائت، بتخفيض سقف إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يومياً، حيث اعتبرت أن هذا القرار يمثل مؤشراً على أن الجولة التي قام بها الرئيس بايدن لم تحقق الهدف الأساسي منها وهو إقناع دول مجلس التعاون الخليجي بضخ مزيد من إمدادات الطاقة في السوق الدولية لتقليص حدة الضغوط التي تفرضها الحرب الروسية-الأوكرانية.

3- تأكيد دعم الموقف السعودي في مواجهة إيران: كان لافتاً أن الخطوة العسكرية الأمريكية جاءت بعد تصاعد حدة التهديدات التي توجهها إيران إلى السعودية تحديداً، التي تتهمها طهران بدعم الاحتجاجات الداخلية، خاصة عن طريق التغطية الإعلامية المستمرة، حيث تزعم أن السعودية تقوم بتمويل قناة “إيران إنترناشيونال” التي ترى طهران أنها تسببت في تأجيج الاحتجاجات، وتقليص قدرة السلطات على احتوائها على غرار الاحتجاجات السابقة، وهو ما أدى إلى استمرار الاحتجاجات واقترابها من إنهاء شهرها الثاني في منتصف نوفمبر الجاري.

وقد سمحت إيران لمسؤوليها العسكريين بتوجيه رسائل تهديد مباشرة إلى السعودية، على غرار قائد الحرس الثوري حسين سلامي، إلى جانب وسائل الإعلام الرئيسية وفي مقدمتها صحيفة “كيهان”، التي أشار بعض كتابها إلى أنه إذا كانت السعودية مصرة على أنها لا تدعم الاحتجاجات، فإن إيران ستصر بدورها على تأكيد عدم وجود صلة بينها وبين أي عملية هجومية تستهدف المصالح السعودية.

وربما يعود ذلك بدوره إلى محاولة واشنطن توجيه رسائل إلى القوى المعنية في منطقة الشرق الأوسط بأن الخلافات التي تنشب أحياناً بين واشنطن وحلفائها، ولا سيما الرياض، لها حدود على الأرض، ولا تعني أن الأولى يمكن أن تتخلى عن التزاماتها تجاه علاقاتها الاستراتيجية مع هؤلاء الحلفاء، وهو توجه يبدو أنه سوف يتزايد في ظل تطلع الحلفاء إلى محاولة توسيع نطاق الخيارات المتاحة على المستوى الدولي، من خلال الحفاظ على العلاقات مع روسيا وتبني سياسة أكثر توازناً إزاء الحرب الروسية-الأوكرانية، وفي الوقت نفسه تطوير العلاقات مع الصين، حيث يتوقع أن تُعقد ثلاث قمم: صينية-سعودية، وصينية- خليجية، وصينية-عربية، خلال المرحلة القادمة.

4- تصعيد الضغوط بسبب تعثر المفاوضات: جاءت الخطوة الأخيرة بعد أن وجهت واشنطن أيضاً رسائل تُشير إلى أنها سوف تبحث في خيارات أخرى، بما فيها الخيار العسكري، للتعامل مع التهديدات النووية الإيرانية، في حالة ما إذا فشل الخيار الدبلوماسي في الوصول إلى تسوية لأزمة الاتفاق النووي، في ضوء تعثر المفاوضات التي أُجريت في فيينا خلال المرحلة الماضية، في ظل الخلافات المستمرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول بعض القضايا الرئيسية في الاتفاق.

ففي هذا الصدد، قال المبعوث الأمريكي إلى إيران روبرت مالي، في 31 أكتوبر الفائت، إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تنظر في استخدام الخيار العسكري في حالة ما إذا فشلت الدبلوماسية في الوصول إلى تسوية مع إيران. مضيفاً أن “امتلاك إيران لسلاح نووي سيجعل العالم بأسره غير آمن، وسيجعل أمن الولايات المتحدة أكثر عرضة للخطر”.

وقد توازت هذه الخطوة أيضاً مع استمرار الخلافات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أعلنت، في 11 نوفمبر الجاري، أن اتصالاتها مع إيران لم تحقق نتائج تذكر حتى الآن، ولا سيما فيما يتعلق بالوصول إلى اتفاق بشأن إجابة إيران عن الأسئلة التي طرحتها الوكالة بخصوص العثور على آثار يورانيوم في ثلاثة من المواقع غير المعلن عنها من جانب إيران. ويُتوقع أن يؤدي ذلك إلى استصدار قرار من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي سوف يُعقد في منتصف نوفمبر الجاري، لانتقاد عدم تعاون إيران مع الوكالة.

خطوات تصعيدية

في ضوء ذلك، لا يُمكن استبعاد أن تتجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية ضد إيران خلال المرحلة القادمة، وربما لا تكتفي في هذه الحالة بفرض مزيدٍ من العقوبات، وإنما قد تتجه إلى شنّ ضربات عسكرية ضد بعض المليشيات المسلحة التي تتوقع أن تسعى إلى استهداف مصالحها خلال المرحلة القادمة. وهنا فإن الرسالة الأساسية سوف يكون مفادها أنه إذا واصلت إيران سياسة كسب الوقت فيما يتعلق بتطوير الأنشطة النووية، فإن كلفة ذلك سوف تكون عالية، خاصة إذا ما توازت مع محاولات إيران رفع كلفة ما ترى أنه دعم من جانب واشنطن للاحتجاجات الداخلية، في ظل إصرارها على إنكار الأسباب الحقيقية لتلك الاحتجاجات، وتأكيدها أنها عبارة عن مخطط خارجي لتقويض دعائم النظام الإيراني بدعم من جانب أطراف داخلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى