أحوال عربيةأخبار العالمأمن وإستراتيجية

تقنيات منظومة الأبارتهيد الكولونيالي الصهيوني

عُرض في الآونة الأخيرة الفيلم الوثائقي “h2: مختبر الاحتلال”،
للمنتجين اليهوديين عيديت أفراهامي ونعوم شيزاف، والذي استغرق
تصويره وإنتاجه أكثر من ستِّ سنوات، وثّق خلالها المنتجان واقع
الاحتلال الصهيوني في مدينة الخليل منذ احتلالها في نكسة 1967
وحتى يومنا هذا، ورغم تعرضه لحملة انتقادات يمينية فاشيةٍ واسعة
في أوساط المنظومة الصهيونية، ومنعه من العرض في المدن
والمجالس المحلية الصهيونية، والتّهديد بسحب تمويله، إلاّ أنّه عُرض
على القناة الصهيونية.
يتضمّن الفيلم مواقع أرشيفية وثائقيّة مرئية تُغطّي معظم مراحل
تطوّر الاحتلال الصّهيوني للخليل وتمدّده، ومقابلات مع العديد من
الضّباط الكبار الصادقين في جيش الاحتلال، الشاغلين مناصب حكّام
المقاطع لإدارة الاحتلال للمدينة، وعليه فإنّ الفيلم يشتغل بالسّياق
التّاريخي لتطوّر عمل منظومة الاحتلال في الخليل وتقنياتها، حيث
يوجد أحد أقدس الأماكن الدينية عند المسلمين واليهود سوية: الحرم
الإبراهيمي.
يعرض الفيلم بناء آليات الحُكم العسكري للخليل وتصميمها، في ظلّ
المُحدّدات الرئيسيّة المتصارعة، والمؤلّفة من الجيش والمستوطنين
والفلسطينيين، وينتقل إلى كيفيّة عمل المنظومة على تطوير تقنياتها
وآليات عملها وإيجاد ما يناسبها، في ظلّ الكراهية والأجواء المشحونة
مع أحد طرفي الصّراع، والدعم اللاّمحدود الذي تُقدّمه المنظومة
للطّرف الآخر، أي المستوطنين.
وتكمن خطورة التّوثيق الذي يستند إليه الفيلم فيما دجنه أحد ضيوفه،
المحامي والناشط اليساري ميخائيل ستارت، في قوله “إنّ كلّ ما
يمارسه أو يطبقه جيش الاحتلال في الضفّة الغربيّة والقدس
الشرقيّة، جرى تجريبه أولاً في الخليل، بالتّجربة والخطأ، ومن ثمّ
نرى تلك التقنيّات المُستخدمة للمرّة الأولى في الخليل، في مناطق
أخرى بعد عدّة أشهر أو سنة واحدة”.
ومن هنا، يُؤكّد ستارت أنّ الخليل مُختبر الاحتلال الخاصّ بالمنظومة
الصهيونيّة، حيث يجري التأكّد من فعاليّة تقنيات الضّغط والعقاب
والتحكّم والسيطرة فيها قبل اعتمادها بشكل مُوسّع في الضفّة
الغربيّة والقدس.
فقد طُبّقت في الخليل أولاً سياسة الفصل بين اليهود
والفلسطينيين، حيث يسكن اليهود في منطقة تُدعى h2 والعرب في

منطقة h1، وقد جرى استخدام الرّصاص المعدني المغلّف بالمطّاط
للمرّة الأولى في الخليل، إبّان الانتفاضة الأولى، وهكذا وصولاً إلى
تجريب الأنظمة المتطوّرة وتجفيف هويّات الفلسطينيين عبر تصوير
وجوههم.
وفي النهاية، يتوصّل المنتجان إلى أنّ ما يجري في الخليل لم ولن
يُطبّق في المناطق المحتلّة عام 1967 فحسب، بل سيجري تعميمه
وتطبيقه في الدّاخل الصهيوني، بجعل الواقع الصّهيوني خليلياً، عبر
تعزيز وتيرة الاستقاء اليهودي في قلب الوجود العربي داخل الأرض
المحتلّة عام 1948، ومُطالبة الصهاينة ببيوت تعود ملكيتها إلى اليهود
قبل عام 1948، كما يحدث الآن في حيِّ سلوان والشيخ جراح، وتأكيد
الوجود العسكري في محيط التجمّعات العربية.
تُعدّ الخليل مختبراً تجريبياً للاحتلال، يُسيطر عليها ويحوِّلها إلى
عامل ناظمٍ ومؤسّس لكافّة التقنيّات والمنظومات الأبارتهيدية
الكولونيالية الصهيونية، يتبع ذلك تداعيات أميركية، لا تخص الضفة
والقدس فحسب، بل قلب المنظومة الصّهيونية التي سيجري فيها
ضرب الوجود العربي وتهويد القدس، والفصل التعسّفي بين اليهود
والعرب، وإدخال الجيش إلى القرى والبلدات والمدن العربية، ومنع
اليساريين والمتضامنين من الدّخول إلى الأحياء العربيّة.
ولا يُعد ما تطرّق إليه فيلم h2″: مختبر الاحتلال” مجرّد توثيق آخر
لممارسات الاحتلال التعسّفية، فهو يُسلّط الضّوء على منهجيّة
الاحتلال المدروسة والواعيّة، والقادرة على إنتاج تقنيّات الضّغط
وتطويرها، والسّيطرة على الكائنات الخاضعة تحت منظومة الأبارتهايد
الكولونيالي، ما يعني، في النّهاية، أنّ الاحتلال ليس مجرّد تطبيقٍ
لحزمة من الإجراءات والسّياسات التعسفيّة والعنصريّة، بل منظومة
علميّة تجريبيّة متجدّدة ومستمرّة، مدعومة من أبعاد شعبوية
وأخلاقية صهيونية دينية.
ملاحظة: نُقلت معظم بيانات المقال عن تقرير نيريت أندرمان، المُلحق
الأسبوعي لصحيفة هارتس.
20/1/2023
باسم خندقجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى