إقتصاد

العملات الرقمية المشفرة في العالم

 
عادل عبد الزهرة شبيب
بدأت فكرة العملات الرقمية او الالكترونية البديلة للتعامل النقدي المعتاد في اواخر الثمانينات تقريبا في هولندا في سلسلة محطات للتزود بالوقود على الطريق السريع حيث كانت تحدث فيها سرقات كثيرة , ولذلك حاولت الادارة ايجاد حل لهذه المشكلة فقامت بالاستعانة بمجموعة من المبرمجين والمطورين لربط النقود ببطاقات خاصة يستطيع من خلالها السواق الراغبين في التعامل مع هذه المحطات للحصول على الوقود منها دون الحاجة للتعامل بالنقود الورقية في تلك المحطات , وبذلك ستقل بشكل كبير النقود من المحطات فتقل حالات السرقة .
تطورت بعدها فكرة ميلاد بطاقات النقود الذكية التي كانت تعكس فكرة النقود المحفوظة بشكل الكتروني مشفر في البطاقة , في حين يكون في محطة الوقود جهاز لفك تلك الشفرة وهو نقطة المبيعات او ما يعرف اليوم بفكرة POS او SALE – OF – POINT , وتعتبر صورة للنقود الالكترونية التي تطورت لتصل الى ما وصلت عليه الان .
واستكمالا لفكرة التعاملات الالكترونية وتقريبا في نفس الوقت او قبله بقليل , كانت هناك فكرة لدى مبرمج امريكي يدعى ( ديفيد شوم ) فحواها يدور حول الخصوصية المالية ومحاولة محاكات العملات المعدنية او الورقية الى نقود رمزية يكون لها نفس القدرة على التعامل في المدفوعات والانتقال من يد الى يد بأمان وبخصوصية , فقام بابتكار صيغة خوارزمية يمكن من خلالها تمرير الاموال بين المرسل والمتلقي بشكل خفي غير متتبع عبر عملة رمزية اسماها وقتها ( chaum ) واسس بعدها ( chaum Digicash ) كبنية اساسية لتنفيذ تلك العملة والتي استمرت لسنوات الى ان وقع في عدة اخطاء تسبب في افلاس ( Digicash ) عام 1998 والتي على الرغم من ذلك كان قد وضع من خلالها اساسا قويا لفكرة الصيغ الخوارزمية للمعاملات النقدية الرمزية او العملات الرقمية, واستكمالا للفكرة ذاتها طرح مبرمج آخر يدعى ( Wei DAI ) فكرة نظام نقدي متكامل خفي غير متتبع يحقق به فكرة الخصوصية والأمان اطلق عليه اسم ( B – Money ) حيث يتم التعامل من خلال اسماء مستعارة رمزية لتحليل العملات داخل شبكة غير مركزية , وقام بالفعل بصرف الورقة التقديمية لمشروعه الا ان الفكرة لم تلق الترحيب والرواج المطلوب , فلم يقدر لها النجاح.
والجدير بالذكر ان الورقة التقديمية التي عرفها ( ساتوشي ناك امورا ) لفكرة البيتكوين كانت تحتوي على بعض العناصر التي كانت مذكورة في الورقة التقديمية لمشروع ( B – Money ) مما يعني انها كانت البداية الحقيقية للسباق نحو العملات الرقمية .
نشأة العملات الرقمية :- بعدما اصبح الطريق ممهدا امام انشاء العملات الرقمية ومع التطور التكنولوجي والمعلوماتي ولدت بروتوكولات التشفير المعقدة المبنية على مبادئ الرياضيات وهندسة الكومبيوتر المتقدمة التي تجعل من المستحيل نظريا تقريبا كسرها والتي اعتمد عليها مبرمجوا العملات الرقمية من خلال انظمة تكويد معقدة للغاية تقوم بتشفير عمليات نقل البيانات لتأمين وحدات التبادل الخاص بها , اضافة الى قدرتها على اخفاء هوية المتعاملين فيها مما يجعل التعاملات والتحويلات وتدفقات الأموال مجهولة المصدر بما يحقق مبدأ الخصوصية الذي كان المسعى منذ البداية . في الفترة الأخيرة شهدنا تركيزا كبيرا على ما يجري في سوق العملات الرقمية المشفرة حيث شهدت عملات مثل : بيتكوين والايثريوم و Dogecion اقبالا كبيرا من المستثمرين وكل من يبحث عن الثراء , مما جعل عملة بيتكوين تصلب الى اعلى مستوى لها اذ بلغت اكثر من 60 ألف دولار بينما كانت تحوم عند اقل من عشرة آلاف دولار قبل عام واحد فقط . هذا الاقبال الكثيف للتداول في هذه العملات طرح سؤالا هاما للغاية وهو : ماهي اسباب هذا الازدهار المفاجئ ؟ وهل ستكون في هذا المسار التصاعدي ام انها مجرد فقاعة اخرى قصيرة الأجل وعلى وشك الانفجار ؟
لقد اثبتت عملة بيتكوين والعملات الاخرى قدرتها على الصمود, وعلى الرغم من انخفاض قيمة عملة بيتكوين بشكل حاد في شهر نوفمبر 2019 الا انها ظلت تشهد نموا كبيرا خلال العام الماضي والحالي . وقد ادت الثقة العامة والدعم الكامل من الشركات الكبرى لعملة بيتكوين والعملات الرقمية المشفرة الاخرى تصاعد كبير في ظهورها وبداية الاعتقاد بأنها الطريقة الجديدة للبيع والشراء , كما سمحت بعض الشركات باستخدام العملات الرقمية المشفرة كوسيلة للدفع عند شراء المنتجات والخدمات عبر الانترنت.
في العراق هناك من يؤيد استخدام العملات الرقمية المشفرة , وهناك من يعارضها, وبهذا الصدد قال البنك المركزي العراقي عبر موقعه الرسمي : ان التعامل بالعملات الافتراضية ( البيتكوين ) ينطوي على مخاطر عدة لا سيما ما يتعلق بالقرصنة الالكترونية والاحتيال ويؤيد البنك المركزي العراقي اصدار التعميم بعدم استخدامها واخضاع المتعاملين بها لأحكام قانون غسل الأموال رقم 39 لسنة 2015 والقوانين ذات العلاقة بهذا الخصوص , وقد انضم البنك المركزي العراقي الى قائمة البنوك المركزية التي تفرض قيودا على التعامل بالعملات الرقمية المشفرة بيتكوين واخواتها , واصدر البنك المركزي العراقي بيانا حذر فيه من التعامل بالعملات الرقمية والمشفرة والافتراضية لعدم خضوعها لأية ضوابط او تشريعات قانونية او رقابية او فنية في العراق , ولم يمنح البنك المركزي العراقي رخصة لأية عملة رقمية مشفرة حاليا . كما اعتبر البنك المركزي الصيني ان كل التعاملات المالية التي تجري بالعملات الرقمية غير قانونية , وقال بنك الشعب الصيني في بيان على موقعه الالكتروني ان ” النشاطات التجارية المرتبطة بالعملات الافتراضية هي نشاطات مالية غير قانونية ” وانها ” تهدد بشكل خطير ضمانة اصول الاشخاص ” ويحضر البنك كل النشاطات المالية ذات الصلة التي تنطوي على العملات الرقمية على غرار تداول عملات مشفرة وبيع رموز والتعاملات التي تنطوي على مشتقات العملات الافتراضية و ” جمع اموال بطريقة غير قانونية ” .
وفي روسيا التي تخوض حربا مع اوكرانيا وتتعرض الى عقوبات كبيرة من امريكا واوروبا لجأت الى تحويل روبلات ضخمة الى اصول مشفرة . وبهذا الصدد اعربت رئيسة البنك المركزي الاوروبي ( كريستين لا غارد ) عن قلقها من استخدام العملات المشفرة للالتفاف على العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في اوكرانيا وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية , وقالت لا غارد : ” ان اكثر ما يقلقني هي كمية الروبلات الكبيرة التي يتم تحويلها الى اصول مشفرة منذ ان تعرضت روسيا لسلسلة عقوبات مالية عقب غزوها اوكرانيا ” وشملت العقوبات الغربية فصل بعض المصارف الروسية عن نظام ” سويفت ” ما جعلها معزولة عن النظام المصرفي العالمي , ونتيجة لذلك تهافت الروس على شراء العملات المشفرة مثل ( بيتكوين ) و ( تاذر ) التي يتم التداول بها خارج النظام المصرفي الرسمي, ودفع هذا الأمر بالاتحاد الاوروبي الى اصدار بيان في وقت سابق اكد فيه ان الاصول المشفرة مدرجة ايضا في العقوبات .
المصادر :
1) صحيفة مال .
2) المتداول العربي .
3) الجزيرة .
4) العين .
5) مجلة البيان الاقتصادية اللبنانية / العدد604 آذار 2022 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى