أخبار العالمأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

التعبئة الجزئية في روسيا .. تاثيرها على مسار حرب أوكرانيا

ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

إن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية في 21 سبتمبر ينم عن تصعيد خطير في الحرب أثار قلق العالم ويأتي على خلفية الانتكاسات الروسية مؤخراً في الميدان والحاجة الماسة للمزيد من المقاتلين بعدما نضبت مواردهم الأخرى. يشير المراقبون إلى تحديات في التدريب والمعدات، وهي تحديات حقيقية لكنها مع ذلك غير مستعصية. ويقولون إن التعبئة لن تغير مسار الحرب، لكنها قد تسمح لبوتين بتنفيذ استراتيجيته السياسية المتمثلة في الانتصار بالنفس الطويل على الأوروبيين. يبقى الأمر غير المؤكد هو إن كانت المعارضة الشعبية الروسية ضد التعبئة ستعرقل الخطط العسكرية. في جميع الأحوال، أمام أوكرانيا بصيص أمل لتحقيق نجاحات في الميدان قبل أن تصل هذه القوات المعبأة.

ما تفعله روسيا
في كلمته بتاريخ 21 سبتمبر، أعلن بوتين التعبئة الجزئية:
“اليوم قواتنا المسلحة … تحارب على خط تماس يزيد طوله عن 1.000 كيلومتر، لا تحارب ضد وحدات النازيين الجدد فحسب بل في الحقيقة ضد الآلة العسكرية للمعسكر الغربي بأسره. … لهذا أجد من الضروري اعتماد مقترح وزارة الدفاع والأركان العامة بشأن التعبئة الجزئية عبر الاتحاد الروسي للدفاع عن وطننا وسيادته ووحدة ترابه، ولضمان سلامة شعبنا وشعوب المناطق المحررة…. سيُستدعى فقط الاحتياطيين العسكريين، بالأخص هؤلاء الذين خدموا في القوات المسلحة من ذوي تخصصات مهنية عسكرية محددة وخبرة مكافئة. وقبل إرسالهم إلى وحداتهم سيخضع من يُستدعون للخدمة الفعلية لتدريب عسكري إضافي إلزامي يتقرر على أساس متطلبات العملية العسكرية الخاصة.”

يضيف المرسوم التنفيذي للتعبئة الجزئية ما أسماه “إيقاف الخسائر” الذي بمقتضاه سيمكث الأفراد في الخدمة الفعلية إلزامياً لحين انتهاء التعبئة الجزئية. وهذه خطوة مفهومة حين تواجه الجيوش نقصاً في الأفراد وأثناء العمليات العسكرية واسعة النطاق، حيث يلزم الاحتفاظ بالأفراد داخل وحداتهم وتدريبهم. جدير بالذكر أنه سبق للولايات المتحدة استعمال الإجراء المسمى “إيقاف الخسائر” وأثار لغطاً لدى تنفيذه خلال الحربين العراقية والأفغانية، ما دفع بالمنتقدين إلى نعته بصفة “الباب الخلفي للتجنيد.”

بوتن أعلن أن تعبئته ستقتصر على الأفراد العسكريين السابقين ولن توسع التجنيد أو تضع الأمة في حالة حرب، التي تتطلب تعبئة شاملة. كما تضمن إعلان بوتين طفرة صناعية لزيادة الإنتاج من الأسلحة والذخائر. ثم أضاف وزير الدفاع سيرجي شويغو أن التعبئة ستجري على مراحل، وشرح بالتفصيل عملية التدريب. وأكد كل من شويغو وبوتين على إعفاء الطلاب والعاملين في صناعة الدفاع.

هذا الإجراء يمكن وصفه بالمعادل التقريبي للتعبئة الجزئية الأمريكية (10 USC 12302)، حيث لجأت الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الصلاحيات مرات عدة في الماضي فيما يخص عاصفة الصحراء وحربي العراق وأفغانستان، علاوة على عمليات عسكرية أقل حجماً.

ذكرت تقارير إعلامية أنه يجري تفعيل نحو 300.000 مجند، رغم خلو الخطاب الأصلي من الأرقام فضلاً عن أن المرسوم التنفيذي يترك العدد لتقدير وزارة الدفاع. ورغم ادعاء بعض المدونين الروس أن العدد الفعلي قد يصل إلى المليون، تبقى جميع هذه الأرقام مجرد تكهنات، كما تبقى قدرة روسيا على حشد القوات وتدريبها وتجهيزها وتحريكها إلى الجبهة محدودة. لذا يتوقع أن تكون التعبئة أشبه بالقطرات، لا الغيث. كما يتكهن البعض بأن تتسبب هذه التعبئة في إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد الروسي، وهو أمر غير مرجح لأنه حتى في حال تعبئة 300.000 مقاتل، فهذا الرقم لا يمثل سوى 4 بالمئة فقط من القوة العاملة الروسية.

التقارير الأولية تشير إلى سير التعبئة بشكل سيء
يبدو أن المنظومة البيروقراطية غير جاهزة لتلبية متطلبات هذا المجهود المعقد. إذ يتعين عليها تحديد هوية الأفراد وإخطارهم وتقييمهم طبياً وجلبهم إدارياً إلى الخدمة الفعلية، ثم إرسالهم إلى منشأة التدريب. كما يتعين عليها خلال هذه الفترة الإدارية إطعام الأفراد وإسكانهم. لقد عانت الولايات المتحدة من مشاكل في آلياتها التعبوية عام 1991، وهي أول تعبئة كبرى منذ الحرب العالمية الثانية، ولم تنجح في معالجتها إلا بمرور الوقت. وقد يمر الروس بالتجربة نفسها. ومثل العديد من المهام البيروقراطية في روسيا، تجري التعبئة باستخدام نظام الحصص (الكوتا) المفروض على المقاطعات ويلطف من عيوب المركزية ويبسط عملية التنفيذ لكنه في الوقت نفسه يعطي الحافز للسلطات المحلية لكي تعطي الأولوية للمخرجات على حساب التكاليف، وهو ما يؤدي إلى التعسف وسوء استعمال السلطة عبر المقاطعات المختلفة. علاوة على المشاكل البيروقراطية، يبدو أن الأجهزة الأمنية تتوعد المتظاهرين بالتعبئة، في مخالفة للسياسة المعلنة.

روسيا متعثرة في تحويل القدرة المحتملة إلى قدرة فعلية
يردد المحللون منذ بداية الصراع أن عدد سكان روسيا يصل إلى ثلاثة أضعاف سكان أوكرانيا (146 مليون مقابل 41 مليون)، علاوة على قوات مسلحة ضخمة واقتصاد أكبر كثيراً. فمن الناحية النظرية ينبغي أن تسود روسيا في أي حرب استنزاف طويلة. غير أن مشكلة روسيا تكمن في تحويل القدرة المحتملة إلى قدرات فعلية في الميدان. لقد وصف بوتين الصراع بأنه “عملية عسكرية خاصة” وليس حرباً، الذي أدى إلى الحد بشدة من قدراته. على سبيل المثال، لم يستطع الجيش الروسي الاستفادة من مخزون ضخم من المجندين المحتملين، حتى رغم كونهم يشكلون الحصة الأكبر في القوات البرية. وستحاول التعبئة الجزئية الاستفادة من بعض هذه القدرة المحتملة. في المقابل كانت أوكرانيا منذ البداية قادرة على الاستفادة من جميع عناصر قدرتها الوطنية.

روسيا تعبئ لأن مخزونها من الجنود ينفد
لقد تكبد الجيش الروسي خسائر كبيرة (نحو 80.000 تقريباً) من قوة غزو أولية من نحو 190.000 جندي، منها نحو 140.000 من القوات القتالية البرية. ومنذ البدء ذاق الروس الأمرين للحفاظ على قوام القوات، وفي سبيل ذلك اتخذوا عدة إجراءات سميت أحياناً “تعبئة مستترة.” نشروا جنوداً من كل وحدة تقريباً في روسيا، وعبئوا بعض الاحتياطيين، وجلبوا أقليات عرقية (خاصة الشيشانيين)، وعرضوا مكافآت تجنيد سخية على الأفراد الذين سيسجلون أو سيمكثون في الخدمة، واستخدموا المقاول الخاص مجموعة فاغنر، وجندوا حتى من السجون. ورغم أن جودة هؤلاء المجندين البدلاء لم تكن عالية، لكن أعدادهم وجودتهم كانت كافية للمحافظة على قوام القوات الروسية وفاعليتها على أرض المعركة.

كما بَينَّ المحللان الروسيان مايكل كوفمان وروب لي، الجيش الروسي مصمم لغرض الدفاع عن أرض الوطن ضد الغزو، وليس لغزو بلد جار. وهكذا كانت الوحدات في العادة عند حوالي 70 بالمئة من قوة الأفراد وضمت الكثير من المجندين ممن لا يمكن نشرهم خارج الأراضي الروسية. كان استدعاء قوات الاحتياط كاف للدفاع عن أرض الوطن. لكن من أجل عملية عسكرية خاصة، حيث صلاحيات التعبئة محدودة، لم تتوفر القوات الكافية لنشرها ببساطة. هذا جش مختلف تماماً عن الجيش الأمريكي، المصمم لغرض الجهوزية العالية وسرعة الانتشار خارج حدود بلاده.

التوقيت مرده إلى الانتكاسات الروسية مؤخراً في الميدان
قبل يوليو حققت الهجمات الروسية في إقليم الدونباس بعض المكاسب في الأراضي، ولو بتكلفة باهظة. ثم بدأ الهجوم الأوكراني المضاد. في الوقت الراهن يهاجم الأوكرانيون في الجنوب الغربي باتجاه خيرسون ورغم عدم إحراز اختراقات كبيرة، لكنهم يضعون الروس تحت ضغط هائل. وفي المقابل تتخندق القوات الروسية المجهدة بمحاذاة شريط طويل على البر الغربي لنهر دنيبرو. بينما الضربات الدقيقة الأوكرانية تضغط بقوة على خطوط الإمدادات الروسية. ونجح الهجوم الأوكراني المضاد باتجاه الشمال الشرقي في استرداد مساحة كبيرة شرق خاركيف، حتى رغم تباطؤ التقدم حالياً. لذا يرجح أن الجنرالات الروس قالوا لبوتين أنهم لن يستطيعوا المحافظة على مكاسبهم من دون قوات إضافية.

كان أمام بوتين خيارين آخرين: استخدام الأسلحة النووية أو التفاوض على تسوية. لقد تحدث المراقبون بإسهاب حول استخدام الأسلحة النووية، الذي من شأنه المخاطرة بالوجود القومي الروسي ذاته من أجل فتات الأراضي الأوكرانية. وحتى اللحظة تحصر روسيا التهديدات النووية على التدخل المباشر من طرف الناتو أو تحرك أوكراني نحو عمق الأراضي الروسية. وفي الوقت الحالي التسوية عبر التفاوض غير ممكنة بالنظر إلى اتساع الهوة بين الطرفين. إذ لا يستطيع بوتين التخلي عن مكتسباته من دون تعريض نظامه للخطر، بينما تصر أوكرانيا على أن تخلي روسيا كافة الأراضي المحتلة، ومن ضمنها شبه جزيرة القرم.

القوات الروسية ليست بالضخامة المتوقعة
من الأهمية بمكان التذكير بمدى تواضع حجم القوات الروسية حالياً مقارنة بما كانت عليه أثناء الحرب الباردة حين كان الاتحاد السوفيتي يحتفظ بجيش قوامه نحو 3.5 مليون فرد. لقد ولى زمان ذلك الجيش الجرار منذ عقود. أما اليوم، تحتفظ روسيا بجيش من نحو 900.000 فرد، منهم 280.000 جندي في الخدمة النشطة. حتى نضع حجم القوة الروسية في سياق، سنجد أن لدى الولايات المتحدة قوة خدمة نشطة من 1.3 مليون واحتياطيات منظمة ومدربة من 800.000. بذلك تملك الولايات المتحدة الأمريكية حوالي ضعف ما تملكه روسيا من الأفراد العسكريين المدربين والمتوفرين بسهولة. ولمزيد من وضع القوة الروسية في سياق، سنجد أن الولايات المتحدة أرسلت حوالي 540.000 جندي إلى المملكة العربية السعودية عام 1991 لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. وبلغ إجمالي حجم قوات التحالف نحو 750.000. في المقابل، دخلت روسيا هذا الغزو على أطراف أصابعها.

روسيا تفتقر لقوة احتياط قوية
لقد حاولت روسيا إنشاء قوات احتياط مثل الموجودة لدى حلف الناتو، الذي يدرب قواته بانتظام، لكن هذه الجهود لم تكلل بنجاح كبير. وعوضاً عن ذلك تحتفظ روسيا بكشوف الجنود السابقين ممن يمكن استدعائهم إلى الخدمة، وهو أمر شائع في نظام عسكري يستخدم التجنيد الإلزامي لأن هذا النظام ينتج أعداداً ضخمة نسبياً من الأفراد. في الحقيقة يتمتع هؤلاء المجندون المسرحين حديثاً من الخدمة النشطة ببعض المهارات المفيدة، بيد أن نفس تلك المهارات سرعان ما تضمحل وتُنسى. هذا النظام أقل كلفة بكثير، لكنه يتطلب وقتاً وتدريباً بعد التعبئة.

تحتفظ الولايات المتحدة بنظام مماثل يسمى الاحتياطي الفردي الجاهز (IRR) يتألف من الأفراد العسكريين الذين أكملوا التزام خدمتهم النشطة لكنهم لم يكملوا الشرط العسكري بقضاء ثمانية سنوات كاملة في الخدمة. (يقع جميع أفراد القوات المسلحة تحت التزام عسكري لقضاء ثمانية أعوام، وتُكتب عقود التجنيد لتلك المدة الزمنية.) يظل هؤلاء الأفراد على كشوف الجيش تحسباً لتعبئة محتملة. مع ذلك، هذه القوة هي مجرد دعم إضافي لوحدات الاحتياطي النظامية التي تتدرب بانتظام والتي تعتبر هي قوات الاحتياط الحقيقية في نظر معظم الناس. لقد استدعت الولايات المتحدة بعضاً من الاحتياطي الفردي الجاهز للخدمة في أوج الحرب العراقية، لكن هذا الأمر أثار لغطاً كبيراً ومن ثم خُفضت أعدادهم. في الحقيقة، روسيا تستدعي نسختها الخاصة من الاحتياطي الفردي الجاهز.

التدريب لن يكون بالأمر الهين
تحدث بوتين وشويغو عن إعطاء الاحتياطيين تدريب إضافي، أسبوعين على الأرجح. بالمعايير الأمريكية، هذه الفترة لا تكفي. فالولايات المتحدة أعطت الوحدات المعبأة شهوراً من التدريب قبل إرسالهم إلى العراق أو أفغانستان، رغم حصول الأفراد المعبأين كأشخاص على تدريب أقل. أكثر من ذلك، البيروقراطية العسكرية الروسية غير مستعدة لاستقبال هذا العدد الضخم من القوات. فعلى غير المثل من الولايات المتحدة، لا يتوفر لدى الروس مراكز للتدريب الأساسي ويجري معظم التدريب داخل الوحدات القتالية، بينما قد تم إرسال أغلب ذلك الكادر التدريبي إلى أوكرانيا أو أصبح في عداد الضحايا.

على الجانب المقابل، لا يحظى الأوكرانيون بالتدريب الجيد كذلك. في بداية الحرب أنشأت أوكرانيا العديد من الوحدات الجديدة ضمن جيشها المدني ولم تزودهم سوى بالمهارات العسكرية الأساسية فقط. وقد اكتسبت هذه القوات بعض المهارات من ستة أشهر قضتها في القتال، غير أن تلك المهارات منصبة بشكل رئيسي على القدرة على البقاء. جدير بالذكر أن الناتو يدرب الآلاف من القوات الأوكرانية، مع تلقي البعض تدريباً أساسياً في المملكة المتحدة وتلقي أخرون تدريباً متخصصاً داخل قواعد منتشرة عبر أوروبا، لكن كل تلك القوات تظل لا تتخطى حاجز نسبة الأقلية. ولا يزال متوسط مستوى التدريب الأوكراني متدني للغاية. على سبيل المقارنة، سنجد أن سلاح مشاة البحرية الأمريكي يعطي المجندين الجدد 22 أسبوعاً من التدريب قبل إرسالهم للقتال. لكنه لدى كلا الجانبين الروسي والأوكراني دون ذلك المستوى بمسافة بعيدة. هكذا سيكون التدريب الروسي غير ملائم ولا يلبي المعايير الأمريكية، لكن الروس يحاربون قوات أوكرانية أسوأ تدريباً رغم معنوياتهم العالية، ولا يحاربون قوات أمريكية.

المعدات قد لا تشكل تحدياً يُذكر
رغم أن الروس سيواجهون حتماً بعض المشاكل في المعدات، فلا يرجح أن يمثل ذلك مشقة تذكر. بل إن مشكلة القوات الروسية حتى تاريخه تكمن في كثرة المعدات وليس في قلتها. وكما وثق الأكاديميان الروسيان مايكل كوفمان وروب لي، فقد وفر الروس لوحداتهم ترسانة كاملة من المعدات لكن برديف هزيل فقط من الأفراد. وكان ذلك أحد أسباب الخسائر المرتفعة- عدم وجود ما يكفي من قوات المشاة لحماية كل المركبات. فالروس، مثل السوفييت قبلهم، لا يرمون شيء أبداً، ولهذا لديهم الكثير من المعدات المكدسة في المخازن. هذه المعدات قد لا تكون الأحدث من نوعها، لكنهم يواجهون قوات أوكرانية لا تزال مسلحة بشكل أساسي بمعدات من الحقبة السوفيتية. كذلك، إذا ما تمكن أفراد التعبئة من ملء الثغرات داخل الوحدات القائمة، عندئذ ستهون مشاكل المعدات. فهؤلاء الأفراد سينزلون على معدات متوفرة بالفعل لدى تلك الوحدات.

من البداية كانت الإمدادات مشكلة، لكن حدتها قد خفت على ما يبدو. كان الدعم اللوجستي بالغ السوء منذ اليوم الأول، الأمر الذي تسبب في زحف القوات الروسية جوعي وترك مركباتهم مهجورة. فعلى شاكلة جيوش كثيرة، لم يكن الروس مستعدون لسد متطلبات الحرب اللوجستية، التي تختلف كثيراً عما يجري أثناء التمارين وقت السلم. لكن اليوم القوات الروسية كما يبدو لا تمضي جوعى، وتشير حقيقة أن الروس يطلقون آلاف طلقات المدفعية كل يوم إلى نظام لوجستي يعمل بالشكل الملائم.

الغرض من التعبئة سياسي في نهاية المطاف أكثر منه نصر في ميدان المعركة
من غير المرجح أن يصدق الجنرالات الروس أن هذه التعبئة ستقلب زمام المبادرة وتسمح للروس بشن هجمات كبرى. فالقوات الأوكرانية تزداد في القوة بفضل المعدات والتدريبات الأجنبية. بل المرجح أن تتجه الاستراتيجية نحو تثبيت ما قد استولت عليه روسيا بالفعل والدفع بالحرب حتى فصل الشتاء. إذ يهدف بوتين لوضع الشعوب الأوروبية تحت ضغط كاف من البرد والتضخم وأسعار الطاقة المرتفعة لدفعهم إلى المطالبة بوضع حد للحرب. تشير بيانات استقصائية إلى مساندة الشعوب الأوروبية لأوكرانيا في حربها من أجل الديمقراطية لكنهم مترددون حيال تزويدها بالأسلحة وتوريط أنفسهم. (باستثناء دول البلطيق وبولندا لأنهم على الخط الأمامي وهم الأكثر قلقاً حيال النوايا الروسية.) هكذا قد يرغم الأوروبيون حكوماتهم للدفع باتجاه وقف لإطلاق النار وبدء التفاوض.

المعارضة السياسية هي الورقة الرابحة
لاحت المعارضة الداخلية عند بداية الحرب، عبر تظاهرات مناهضة للحرب في عدة مدن. لكن الأجهزة الأمنية الروسية نجحت في قمع تلك التظاهرات. وبسطت وسائل الإعلام المملوكة للحكومة هيمنتها على الفضاء المعلوماتي، وأقنعت أغلب الروس بكون الحرب دفاعية وتستهدف قمع نظام النازيين الجدد في أوكرانيا. إجمالاً، تحظى الحرب على ما يبدو بشعبية لدى المواطن الروسي العادي. في المقابل، تنطوي التعبئة على توريط المزيد من الأسر الروسية في الحرب وأثارت الخوف وسط رجال كثر من إمكانية استدعائهم. هناك على ما يبدو معارضة واسعة الانتشار. لكن سنرى إذا ما كان لتلك المعارضة تأثير ملموس على الحرب أم أنها ستنزوي كما انزوت من قبل الجهود الأولى في مناهضة الحرب.

ما يُرتقب
هناك عدة مؤشرات جديرة بالمراقبة لنرى ما الذي ستسفر عنه هذه التعبئة. أولاً، هل تستطيع المعارضة الداخلية تعطيل جهود التعبئة؟ من وجهة نظر عسكرية، يتمحور السؤال الأساسي حول ما إذا كانت هذه المعارضة تستطيع الانتقاص بشكل ملموس من عديد الأفراد المتوفرين للتعبئة. هل تستطيع القوات الروسية في الميدان الصمود لحين بدء وصول الأفراد المعبأين؟ صحيح أن الخطوط الأمامية تبدو مستقرة حالياً، لكن الوضع الروسي يبقى هشاً وقد يتصدع خلال الأسابيع السابقة فوراً لوصول الأفراد المعبأين. هل تستطيع روسيا تدريب وتجهيز تلك القوات؟ فرغم عدم الحاجة لرفع المعايير لمستوى التوقعات الأمريكية، لكنها بحاجة إلى الحد الأدنى حتى تضمن الفاعلية لهؤلاء الأفراد الجدد. وفي النهاية، هل تصمد المعنويات الروسية عند الحدود الدنيا على الأقل؟ منذ البداية والمعنويات الروسية لم تكن مرتفعة، لكن الروس يواصلون القتال. ويشير ألف سنة من التاريخ إلى أن الروس يستطيعون مواصلة القتال في ظروف قد لا تتحملها أمم أخرى.


ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي:
What Does Russia’s ‘Partial Mobilization’ Mean? | Center for Strategic and International Studies (csis.org)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى