تعاليقثقافة

ما الفواصل الزمنيّة؟

حسن مدن

نظرة إلى التاريخ البشري عامة، وإلى تاريخنا العربي، بما فيه التاريخ الحديث والمعاصر، تحملنا على رؤية أن هذا التاريخ ما هو إلا تعاقب دوري بين حالين: الحرب والسلام، الاستقرار والفوضى، فبين كل حرب وحرب مرحلة من الهدوء وربما الرخاء أيضاً، سرعان ما تتلاشى وتتبدد لتبدأ مرحلة تالية من الحروب، وعدم الاستقرار، سواء كان ذلك بفعل تحديات خارجية كالغزوات الأجنبية والاحتلالات الخارجية، أو بفعل التصدعات الداخلية وتآكل الشرعيات الناجم عن الفساد والاستبداد وكل غوايات السلطة.

لا يدور الحديث هنا عن الدورة الخلدونية، نسبة إلى ابن خلدون، عن صعود الحضارات ثم انحدارها، لتنشأ حضارات أخرى غيرها، وإنما يدور عن هذا التعاقب المحير فعلاً بين الحرب والسلم حتى على صعيد المجتمع الواحد، للدرجة التي تحملنا على السؤال التالي: أتكون الحروب هي فواصل زمنية تبتلى بها المجتمعات كعوارض سرعان ما تزول لتعود حال الاستقرار الممتدة. أم يكون العكس تماماً هو الصحيح؟

بمعنى أن الحروب وحال الفوضى هي الحال الدائمة التي تتخللها فترات، أو فواصل، من السلم والاستقرار، التي تنجم عنها، في بعض الحالات على الأقل، مظاهر الرخاء والنهضة والتقدم، لكن سرعان ما تنتهي بالعودة إلى حال الحرب الدائمة؟

والحرب بكافة صورها، بما فيها الثورات التي تنشأ كضرورات تاريخية حين لا يعود بوسع الناس أن يعيشوا بالطريقة القديمة نفسها، ولا يعود بوسع الحكام أن يديروا الأمور بالطريقة نفسها ليستتب لهم الأمر، تجلب، بالضرورة، أحوالاً من الاضطراب، حين تنقلب الأمور عاليها سافلها، وتظل في حال من الفوران الذي يلزمه وقت كي يهدأ، لتستقر الأمور، ولكن بعد أن تكون ظواهر كثيرة قد تلاشت أو اختفت، ونشأت ظواهر جديدة.

القرن العشرون الآفل شهد حربين عالميتين مدمرتين أتتا على عشرات الملايين من الأرواح، ودمرتا المدن والبلدات ومنجزات حضارية مهمة، كما شهد مئات، وربما آلاف الحروب الداخلية والإقليمية التي نجم عنها من الآثار الشيء الكثير.

ورغم أنه لم يمض عقدان من الزمن مذ دخلنا القرن الجديد، فإن عدد الحروب لم يقل إن لم يكن قد زاد، وما من ضامن أن القرن سيبلغ نهايته دون نشوب حرب عالمية جديدة قد تدمر الكوكب بمن عليه.

حالنا العربية مثال نموذجي. لو أخذنا المائة عام الماضية مثالاً، فكم يبلغ عدد عقود الاستقرار فيها، بالقياس لعقود الفوضى والفتن والقتال والخراب، التي نحن، ومنذ سنوات، نعيش أكثر فصولها بشاعة ودموية؟

ومرة أخرى نكرر السؤال: أتكون الحرب هي الفاصل الزمني بين فترتين ممتدتين، أم أنها هي الحال الدائمة التي تتخللها فواصل من السلم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى