في الواجهة

مارتن لوثر كينغ و الديمقراطية الأمريكية

مارتن لوثر كينغ طالب بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية .. فاغتيل

سعيد مضيه

في مقالة ساخرة يعود جيمز روتنبيرغ ، عضو منظمة قدامى المحاربين بالولايات المتحدة، والمقيم بنيويورك، الى بدايات تشكيل الدستور الأميركي لتفسير واقع غياب العدالة والسلم في النهج السياسي. ينقل رسالة مارتن لوثر كينغ، عبر عنها في خطبة بمدينة واشنطون، يربط بها سياسة الولايات المتحدة الداخلية بسياستها الخارجية : ” مارتن لوثر كينغ. قال إن أردتم فهم ماذا يجري داخل الولايات المتحدة أمعنوا النظر لأجل ذلك في ماذا تعمل الولايات المتحدة عبر البحار. فالعنف العسكري الذي نبذره بالخارج مرآة تعكس العنف تجاه المضطَهَدين بالداخل”. بجرأة طالب كينغ بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية.
يكتب روتنبيرغ:

امر واحد يتعلق بقدماء المحاربين: تضم عضوية كبيرة . لكن ماذا يتمخض عن هذا اللحشد في الحقيقة؟ كيف صارت لدينا منظمة قدامى المحاربين؟ وماذا يترتب على وجودها؟
فيدرالية قدماء المحاربين في العالم شبكة دولية تتكون من 172 منظمة لقدماء المحاربين، ينتمون ل121 بلدا/ يشكلون حوالي 60 مليون محارب قديم في أرجاء العالم. تنشط الفيدرالية كهيئة عمل إنساني تعمل من أجل السلم والعدالة ، لا تحصر دعوتها في خدمة أعضائها إنما تنشط من أجل ضحايا الحروب. من بين ال 121 بلدا تضم 60 مليون محارب قديم، يلد واحد، هو الولايات المتحدة يضم 19 مليونا – حوالي 30 بالمائة- من المحاربين القدامى كافة!
لماذا هذا العدد الكبير؟ الولايات المتحدة لا تمثل سوى 4.25 بالمائة من سكان المعمورة؛ وهذا التمثيل الكبير نسبيا، إذ نتفوق الولايات المتحدة بصورة درامية على البلدان الأخرى في إنتاج المحاربين القدامى، يتكرر التفوق في سجوننا ، حيث يقبع في سجون الولايات المتحدة 20 بالمائة من نزلاء السجون بالعالم؛ وتتكرر أيضا في عدد البنادق المملوكة لأفراد، حيث نمتلك 42 بالمائة من عدد قطع الأسلحة بأيدي الأفراد في العالم كله.
محاربون قدامى من أجل السلام ( منظمة أميركية عضو في الفيدرالية العالمية لقدامى المحاربين) تشكلت عام 1985 . الشذود في الأمر انك لا تسمع بها أبدا، تعاني من تدني الاعتراف بها ، خاصة بين أعضاء الكونغرس الأميركي، وبالذات لأنها تعارض الحروب العدوانية التي تشنها الولايات المتحدة ( العراق عام 2003، كما شخصها أمين عام المنظمة الدولية الأسبق ، كوفي عنان).
من غير المعقول تكريم قدامى المحاربين وتصنعهم في نفس الوقت. حوالي 99 بالمائة من قدامى المحاربين الأحياء بالولايات المتحدة لم ينخرطوا في حروب دفاعية! وهو أمر مهم حين يجري صنع قدامى المحاربين في الحروب من أجل مصلحة وطنية غير محددة( أو زائفة). ليست هذه نقطة قليلة الأهمية .
السياسات الخارجية بقعة عمياء بالنسبة للأميركيين؛ باتت هذه الحقيقة جزءًا من رسالة مارتن لوثر كينغ. قال إن أردتم فهم ماذا يجري داخل الولايات المتحدة دققوا النظر لأجل ذلك في ماذا تعمل الولايات المتحدة عبر البحار. فالعنف العسكري الذي نبذره بالخارج مرآة تعكس العنف تجاه المضطَهَدين بالداخل.[ يرتبط بهذا : ازدراء الليبراليين لمارتن لوثر كينغ في سنته الأخيرة – قبل ان يغتال بمؤامرة دبرتها الأجهزة السرية الأميركية] .
لم يقتصر حلم مارتن لوثر كينغ على مول واشنطون[ متنزه في قاع مدينة واشنطون العاصمة قال كينغ-فيما يبدو- المقتطف أعلاه في خطبة القاها امام جمهوره الحاشد ]؛ لو اقتصر الأمر على ذلك ، لما غدا كينغ عدو الدولة. فقد طالب بجرأة بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية في بلاده.
دون أن تعي الدولة ما عناه مارتن لوثر كينغ من إطراء عظيم لكارل ماركس والشيوعية في خطبته بالمول فقد اعتبرته الدولة شيوعيا لمجرد أن طالب بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية. أيهما الأكثر راديكالية؟ المطالبة بها ام رفضها.
مضى أكثر من نصف قرن قرن على اغتيال كينغ، استشهد وهو في التاسعة والثلاثين من عمره. في كل عام نكرم ذكراه بعطلة وطنية تحمل اسمه؛ غير أننا لم نتحرك بوصة واحدة نقترب بها من تغيير نموذج وطننا على المسرح العالمي كي يماثل ما يمكن أن يكون عليه في الداخل. ومالم ندافع حقا عن وطننا – ولا ندافع عما يدعى المصلحة القومية التي تمثل المصالح الطبقية للواحد بالمائة –فإن أفضل طريقة لتكريم قدامى المحاربين ليس من خلال [مكافأة خدمة بنسبة] عشرة بالمائة وشكرا على خدماتكم، بل بنهج سلام وليس الحرب هو الطريقة التي نكرم بها تضحيات قدامي محاربينا. وهذا هو الموضوع المركزي لشعار قدامى المحاربين من أجل السلام.
من أجل تغيير ممكن يجب المطالبة ؛ لكن من هو الذي يطالب واشنطون ؟ اعلى واحد بالمائة يملكون 32.3 بالمائة من ثروات البلاد، مقابلهم أدنى خمسين بالمائة يملكون فقط 2.6 بالمائة. نصف سكان البلد لا يملكون شيئا من الناحية العملية.
لو اخذنا مجموع ال 90 بالمائة في أسفل الترتيب الاجتماعي فإنهم يملكون 32.2 بالمائة، أي ما يقارب ثروات الواحد بالمائة. بالطبع ليس لهذا تأثير على توازن القوى؛ الشريحة الادني، أل 90 بالمائة منقسمون بصورة تدعو للرثاء؛ وحتى لو لم يكونوا منقسمين فهم لا يديرون شيئا بالبلا، وكذلك الشريحة التي تضم ما بين 90و91 بالمائة لا يديرون أي شيء كذلك؛ الواحد بالمائة بالقمة – رغم أنهم غير متفقين بالضرورة- يديرون البلاد.
والمحكمة العليا ، بقدر ما يتعلق الأمر بالجمهور العام فإن إالثقة بها تتدنى لحد القنوط. فالكثير من تاريخها ينحاز الى الجانب الخطأ من الشعب؛ وكل ما يقال عنها غير ذلك فإن محكمتنا المحافظة حاليا مخلصة لجذورها.
مثلا ، القوانين الموحدة للمواطنين، تخول الواحد بالمائة ( شركات كبرى ، بيروقراطية الحكم، والوول ستريت) إنفاق مبالغ غير محدودة على الانتخابات. هناك خط مستقيم يربط هؤلاء بالأباء المؤسسين، الذين شرّعوا في دستورنا حق الملكية ( أرض، رأسمال، بطريركية، عبيد)؛ فذلك ما أرادوه.
جون غاي – الأب المؤسس ، شارك في كتابة الأوراق الفيدرالية، وشغل منصب اول رئيس العدالة (وزارة ام محكمة؟) بالبلاد – عبر عن المبدا بوضوح شديد:”من يملكون البلاد مخولون بأن يحكموا البلد”. بصدد الخدمة التافهة التي تقدمها للديمقراطية للديمقراطية، فهذه هي الطريقة التي صممت بها ، وتلك هي الطريقة التي مضت بها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى