من أصيب في أرضه وأهله وحرماته ويرى الموت والدمار من حوله على مدار الساعة لا يسأل ماذا يفعل؟ هو لا ينتظر أن يملي عليه أحد ما يفعل، وهذا شأن المسلم الواعي مع غزة، والبداية مع النخبة…لا يجوز للخطباء والمدرسين والنشطاء في مواقع التواصل أن يشغلوا الناس بغير الجهاد في غزة و حتى لا يعتادوا مشاهد التقتيل والتشريد، لا يجوز – شرعا – أن يهوّنوا ما يحدث من فظائع بالسكوت عنها والاشتغال بأمور ثانوية، لا يجوز أن ينسوا أنه جهاد وأنهم مسلمون وأنها حرب دينية تستهدف الأرض والعقيدة والمقدسات…هذا زمان تنزيل الحديث النبوي ” كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد”، وعلى المسلم أن يخجل من نفسه عندما يرى غزة تباد وهو يتخلى عنها شيئا فشيئا لأنه رأى الكثير انصرفوا عن القضية وشغلتهم الكرة والروتين اليومي، لماذا لا يبصر – في المقابل – أولئك المؤمنين الذين يقف كل واحد منهم على ثغر، هذا يوثق جرائم الصهاينة، وهذا ينشر الصور التي تبثها المقاومة، وهذا ينزل المنشورات والفيديوهات لتبقى القضية حية في القلوب والعقول، وهذا يدفع ماله، وهذا يقاطع بضائع الدول المساندة للكيان الصهيوني، وهذا يفضح المنافقين، وهذا يردّ على المخذّلين، وهذا يُفحم المرجفين…رضي أن يكون مع الخوالف ينحصر همّه في انتظار الراتب ونتائج المباريات وأخبار جرائم القتل والسرقة والمخدرات؟ لا، على هذا المسلم أن ينفض عنه غبار الغفلة ويقوم بشيء ما ينفع به دينه المستهدف وأرض الإسلام المستباحة وإخوانه المظلومين الذين تكالب عليهم العالم كله لتمسكهم بالمرجعية الإسلامية ولرفضهم الانصياع لخطط التطبيع والتهويد والتصهين…هم يدفعون ثمن ثباتهم، ويقاتلون نيابة عن الأمة فهل يعقل أن تتخلى عنهم هذه الأمة؟ لا يجوز للمسلم الذي يفهم دينه ويتقي ربه ويحمل همّ أمته أن يبرح جبل الرماة الذي أُمر بملازمته ولو انفض الناس من حوله وبقي وحده على الجبل، أفيعصي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذا توقف غيرُه لا يتوقف، إذا فتروا لا يفتر، يبقى يكتب عن غزة ويتحدث عنها وينشر ويبذل المال كأنه هو الوحيد الذي بقي في الساحة، يوثق دماء أهلها وبطولاتهم، يبكيهم كالنائحة الثكلى…باختصار يُري الله تعالى عذره لأن أي مسلم لم يبذل في سبيل غزة وسعه وجهده فقد خذلها، وهذا نحن نرى أعداء الأمة يتربصون بالمسلم ليضلوه عن السبيل، يشغلونه بما لا ينفعه في الدنيا والآخرة، يكثرون له من المسلسلات الماجنة والمشاهد الفاسقة ليفسدوا عنه دينه وأخلاقه وقلبه وعقله وسعيه كله، وقد بدأت ثمار مكرهم تظهر جليا، فهذه الأعداد الغفيرة من الغافلين لو سكن الدين قلوبهم كما سكنتها كرة القدم لحكم الإسلام العالم، ولو ناصروا قضايا الأمة كما يناصرون فريقهم الرياضي لما حدث لغزة ما حدث، ولو دافعوا عن عقيدتهم كما يدافعون عن اللعب لسادوا الدنيا، ولو فهموا الإسلام حق الفهم لبكوا على نفوسهم و لاحتقروها…وهؤلاء الذين يواصلون مسيرة حياتهم الخاوية من المعاني السامية والانجازات الميدانية وعادوا إلى نشر أخبار اللهو وصور المزاح عبر كل الوسائط هل فهموا مقتضيات انتسابهم للإسلام وحقوق الأمة عليهم؟ لو فهم الواحد منهم لما كان عديم المروءة و لاستخدمه الله لنصرة إخوانه بشكل أو بآخر، أفلا يتراجع هؤلاء عمّا هم فيه من الغفلة؟ فأهلنا في غزة ما جفّت دِماؤهم …أيخافون على أنفسهم ودنياهم؟ ألا يعلمون أن الثبات على المبادئ قد يؤدي إلى بعض الخسائر في المدى القريب لكنه أكبر باب للفوز والربح على المدى البعيد؟ والعاقبة للتقوى…
وعجبا للمسلمين الذين خذلوا غزة…ألا يعلمون أن المناصب ستزول، وأن الكراسي ستتكسر، وأن العروش ستتحطم، وأن التيجان ستتكسر، وأن القبور تنتظرهم، وهناك يحاسبون على خذلانهم لإخوانهم المظلومين، ومثْلهم كل من بخل عليهم بما وسعه أن يفعل، ولو كان دينارا أو مشاركة في مسيرة أو تعبيرا عن حبه للمجاهدين وبغضه لأعدائهم…إننا نخجل أن نفرح حتى لا نخون حزن إخواننا في غزة، ونخجل أن نشبع وهم جائعون فنكاد من فرط عجزنا أن تعتذر لهم على بقائنا على قيد الحياة.
وما أجمل وأصدق ما قاله الشيخ البشير الإبراهيمي: “أيها العرب إن قضية فلسطين محنة امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم وإنما هي للعرب كلهم ، وليست حقوق العرب فيها تُنال بأنها حق في نفسها، وليست تٌنال بالهوينا والضعف، وليست تُنال بالشعريات والخطابيات، وإنما تنال بالتصميم والحزم والاتحاد والقوة “.
ودعاؤنا أن يضيّق الله على من ضيَّق على أهل غزة ويخذل من خذلها ويرفع ستر عن من خانها وأن يعجل فرج اهلها بنصر مؤزر.
عبد العزيز كحيل