الجزائر من الداخلدراسات و تحقيقات

وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب

مالك ابوعليا

تأليف: ياكوف لفوفيتش كولومينسكي*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)… هي من عمل المُترجم

من الأهمية بمكان أن يتم جعل الصف مجموعةً متناسقة، ولا بُدَّ من معرفة العلاقات المُتعددة الجوانب التي تنشأ بين أعضاء نفس الصف من أجل التعليم المُلائم للتلاميذ. يُمكن مُلاحظة نظامين أساسيين من هذه العلاقات.
بادئ ذي بدئ، هناك العلاقات التي أطلَقَ عليها أنطون سيمينوفيتش مكارينكو “الاعتماد المسؤول”: فهي تنشأ بين التلاميذ كأعضاء في مجموعة، بحيث يَشغَلونَ مواقعَ مُختلفةً فيها. هذه العلاقات، هي علاقات بين الطلاب المتوسطين أو “العاديين” وبين الأعضاء النَشطين، وما الى ذلك. تمت دراسة هذا النظام من العلاقات على نطاقٍ واسعٍ في مجال التعليم وعلم النفس في بلادنا، ولا تزال الدراسة حوله قائمة.
يتكون نظام آخر من العلاقات المُتبادلة، من العلاقات الشخصية المُتنوعة للتلاميذ بين بعضهم البعض: العاطفة المُتبادلة وأُحادية الجانب، الانجذاب المُستقر وغير المُستقر، ومن ناحيةٍ أُخرى، العلاقة السلبية بين تلميذٍ وآخر. لم تُدرَس هذه العلاقات بشكلٍ كافٍ بعد، وهذا ما دفعنا الى جعلها موضوعاً لدراسةٍ خاصة.
لقد درسنا نظام العلاقات الشخصية في الصفين الثالث والسادس في المدارس الداخلية(أ). تُعتَبَر هذه العلاقات في ظل ظروف المدارس الداخلية أكثر أهميةً من المدارس من النوع العادي، لأن عدد معارف كل تلميذ محدودةً. هُنا، لا يُمكن تعويض المواقف غير السعيدة في العلاقات المُتبادلة مع زُملاء الدراسة من خلال العلاقات مع جيران الشقة السكنية أو فناء المُجمّع السكني، كما يحدث في المدرسة العامة. بالاضافة الى ذلك، يقضي الأطفال الذين ينشأون في المدارس الداخلية وقتاً أطولَ بكثير معاً من أطفال المدارس الأُخرى. لا يُمكن لأي شخص أن يُصحح أخطاء تنشئة المدارس الداخلية.
لا توجد العلاقات الشخصية وعلاقات “الاعتماد المسؤول” بمعزلٍ عن بعضها البعض. انهما يتفاعلان بطريقة مُحددة ويؤثران على بعضهما البعض. يصعُب على المُعلّم، بدون معرفة العلاقات الشخصية بين التلاميذ، تطوير علاقات تعاونية بينهم. من المُستحيل، بدون النظر في هذه العلاقات، والمهمة للغاية من الناحية الذاتية للطفل بسبب شدتها العاطفية، من المُستحيل معرفة كيفية تشكّل شخصياتهم في المجموعة.
ومع ذلك، فإن التغلغل في جوهر العلاقات الشخصية في الصف ليس بالأمر السهل. تُشير الحقائق الى أن المناهج الشائعة مثل المُلاحظة ووضع طالبين مُعيّنين أو أكثر مع بعضهم، والمُقابلات مع الطلاب تُنتِج بيانات غير كافية على الاطلاق من أجل المعرفة الموضوعية لهذه العلاقات. النُقطة المُهمة هي أن، العلاقات الشخصية، في المقام الأول، لا تتمظهر خارجياً في بعض الأحيان، وبالتالي لن يكون معرفتها مُتاحاً من خلال المُلاحظة المُباشرة أو وضع طلاب مُحددين مع بعضهم. ثانياً، لا يكون التلاميذ دائماً على درايةٍ واضحةٍ بعلاقاتهم الشخصية، وبالتالي، حتى لو كانوا يرغبون بذلك بالفعل، الا أنه لا يُمكنهم وصفها بدقة في مُقابلة-ناهيك عن حقيقة أنهم في كثيرٍ من الأحيان لا يرغبون في قبول شخصٍ غريب في عالم مشاعرهم الحميمة الخاصة. هذا يضطر المرء الى البحث عن وسائل غير مُباشرة لدراسة العلاقات الشخصية.
نحن نعلم أن التلميذ الذي يشعر باعجابٍ تجاه زميلٍ آخر، يُحاول أن يُرافقه عن قُرب: القيام بأشياء متنوعة معاً، والعمل معاً، واللعب معاً، وما الى ذلك، وبالتالي، ان نجحنا في تحديد أي زميلٍ يُحاول الطالب أن يُرافق، فاننا سنكون قادرين على استخلاص استنتاج فيما يتعلق بإعجاب الأول بالثاني. ان سؤال “أي طالبٍ تُريد أن تشارك في دُرجك أو مقعدك؟” هو سؤال مهم لكل تلميذ، لأن الجلوس معاً يعني الدراسة معاً، ومُناقشة الأحداث المُختلفة في الحياة المدرسية (أحياناً حتى أثناء الدرس!)، الخ.
ان سؤال “مع من تريد الجلوس في المقعد؟” يؤلّف العالم بأكمله بالنسبة للطالب، كما عبّرتَ عن ذلك س. ت. سميلوفسكايا.
استخدمنا، والحالة هذه، الاجراء التالي: طلبنا من التلاميذ أن يختاروا من بين زُملائهم في الصف، اولئك الذين يرغبون أن يُشاركوهم مقاعدهم(1)(ب).
تقول المُعلّمة أو مُربية احدى الصفوف للأطفال: “أيها الأطفال، خلال الثلاثة شهور القادمة سأجعلكم تجلسون في المقعد مع من ترغبون. أكتبوا اسم أكثر شخص تفضلون الجلوس معه، واسم الشخص الذين تفضلونه في المرتبة الثانية ان لم يكن بالامكان الجلوس مع الشخص الأول، وأخيراً اسم التلميذ الذي تفضلونه في المرتبة الثالثة في حال عدم تمكنكم من الجلوس مع أول اثنين”.
أتاحت لنا نتيجة هذه التجربة الخروج ببياناتٍ تصف العديد من جوانب العلاقات الشخصية بين التلاميذ: (من المُهم جداً في هذا الصدد عدم طرح أي اسئلة مُباشرة حول حول العلاقات المتبادلة بين الطلبة. لم يكن الطلاب يعرفون أنه سيتم توظيف اجاباتهم بهذه الطريقة).
عرفنا، في المقام الأول، أيٌّ من الزُملاء يُكنّ الطالب مودّةً له، بعد ذلك، حصلنا على بيانات تُشخّص حالة كُل تلميذ في منظومة العلاقات الشخصية بين التلاميذ. كان عدد الطلاب الذين أعربوا عن رغبتهم في الجلوس مع تلميذٍ مُعيّن هو مؤشر على هذه الحالة. نظراً لاختيار كل طالب ثلاثة زملاء له من الصف، فكان من المُتوقّع أن يقوم ثلاثة باختياره ليجلس بجانبهم (في المتوسط). لو حَصَلَ جميع التلاميذ على حالةٍ مُطابقةٍ وان تلقوا نفس هذه المودة من زُملائهم في الصف لكان الجميع تقريباً قد تلقّوا نفس العدد من “الاختيارات”، ولكن لم يكن هذا هو الحال في واقع الأمر. لذلك، قُمنا بتقسيم التلاميذ بشكلٍ تعسّفي الى 4 مجموعات على أساس عدد زُملائهم الذين اختاروهم.
في المجموعة رقم (1)، أعلى مجموعة، هناك أطفال تم اختيارهم من قِبَل 6 زملاء أو أكثر (أي ضعف المتوسط وأكثر).
في المجموعة رقم (2)، الأطفال الذين أُختيروا من قِبَل 3-5 زُملاء في الفصل. وهكذا، تلقّى تلاميذ المجموعتين الأولى والثانية على مُتوسّط العدد أو أكثر من الاختيارات، وبالتالي فهم يقعون في وضع التفضيل في نظام العلاقات الشخصية.
في المجموعة رقم (3)، الأطفال الذين رَغِبَ زميل أو زميلين فقط الجلوس معهم.
أخيراً، في المجموعة رقم (4) يوجد تلاميذ لا يرغب أحدٌ في الجلوس معهم.
أطفال هاتين المجموعتين، لا سيما المجموعة الرابعة في وضعٍ غير مواتٍ. اما انهم لا يتمتعون بأي عاطفة من جانب زملائهم في الصف على الاطلاق، أو العواطف تجاههم قليلة.
ان اجرائنا يُتيح المجال لتحديد تبادلية الاعجاب والمودّة. يُمكن الحُكم على ذلك من خلال تبادلية الاختيار: هل يرغب زميلٌ ما، تم اختياره من قِبَل أحد الأطفال أن يجلس مع الأول؟
يُمكن أيضاً الحصول على بياناتٍ حول استقرار العلاقات المُتبادلة بين الطلاب في حال قُمنا بتكرار التجربة على فترات زمنية مُحددة (كما فعلنا ذلك).
بالاضافة الى الاجراء الموضّح، والذي سَبقَ استخدامه في الدراسات السيكولوجية في الخارج، قُمنا بتطوير تجربة خاصة عبّرَ فيها التلاميذ عن مُوافقة تجاه زميلٍ في الصف، ليس بالكلمات، ولكن من خلال أفعالٍ مُحددة، من خلال السلوك. أُعطِيَ كل تلميذ في الصف، ثلاثة أشياء (صور مُلوّنة في الصف الثالث، ومُلصقات فنية في الصف السادس) والتي أعطاها لثلاثة من زُملائه المُفضّلين.
أُجرِيَت هذه التجربة بطريقةٍ جَعَلَت التلاميذ واثقين من سرية اختيارهم. اولئك الذين وضعوا أشيائهم بالفعل على مقاعد الذين أُختيروا، وهؤلاء الأخيرين الذين لم يقوموا بالمثل لمن اختاروهم، لم يعرفوا عن ذلك حتى نهاية التجربة.
مكنتنا مُقارنة النتائج التي تم الحصول عليها من خلال هذين الاجرائين، مع تلك النتائج الحاصلة من طُرِقٍ أُخرى (المُلاحظة، المُقابلة، خلط الطلاب ووضعهم مع بعضهم)، من الحصول على مادة لوصف العلاقات الشخصية بين التلاميذ.
هل الأمر يستحق؟ هل يُمكن للمُعلّم المُتمرس الذي عَمِلَ مع الصف لفترةٍ طويلة أن يكون لديه معرفة كافية بمنظومة العلاقات الشخصية بين الأطفال دون مثل هذه التجارب؟ من أجل تحديد ذلك، قبل القيام بعملنا مع التلاميذ، طلبنا من مُعلميهم ومربيات الصفوف أن يكتبوا مُقابل اسم كل تلميذ اسماء الثلاثة الذين في رأيهم سيختارهم ذلك التلميذ ليجلس معهم. أظهَرَت مُقارنة هذه البيانات بنتائج المسح الذي تم اجراؤه في نفس اليوم، أنه حتى المُعلمين الجيدين الذين عملوا في الصف لعددٍ من السنوات ارتكبوا عدداً كبيراً من الأخطاء في أحكامهم على العلاقات الشخصية بين الطُلاب. كان 60-80% من اجابات المُعلمين خاطئة. حتى أنهم ارتكبوا أخطاء مُتكررة في أحكامهم بشأن الزميل الذين يُحبّه التلميذ، وكذلك فيما يتعلق بوضع تلميذٍ مُعيّن في نظام العلاقات الشخصية. في عددٍ من الحالات، وضعوا في أعلى مجموعة اولئك الطلاب للذين لم يتمتعوا بأي مودّة من جانب زُملائهم في الصف، وقاموا بالعكس أيضاً
وُجِدَ أيضاً أن أحكام المُعلمين غالباً ما تكون ذاتيةً للغاية. أعطى مُعلمان يعملان مع صفٍّ واحد في بعض الأحيان أراءاً مُتباينة للغاية فيما يتعلق بالعلاقات الشخصية بين التلاميذ، وقدّموا تحديداتٍ مُختلفة لموضوعات المودة الشخصية لتلميذٍ مُعيّن، وغالباً ما قدموا أحكاماً مُعاكسة فيما يتعلق بوضعه في نظام العلاقات الشخصية للأطفال.
وبالتالي، فإن أحكام المُعلمين على العلاقات الشخصية بين أطفال المدارس، بناءاً على المُلاحظة، لا يُمكن أن تحل محل الدراسة الخاصة لها.
دعونا الآن، ننتقل الى استعراض لبعض نتائج دراستنا، ودعونا نوضّح، في نفس الوقت، ما هي أهميتها للنشاط التعليمي العملي.
ان العلاقات الشخصية المُتبادلة بين التلاميذ انتقائية. ان لدى التلاميذ عاطفة تجاه أحد الزُملاء، وعاطفة أقل تجاه أحدم الآخر، وغير مبالٍ تجاه الثالث، وشعور سلبي تجاه زميلٍ رابع. نتيجةً لذلك، يوجد تلاميذ في جميع الصفوف يحتلون مكانةً مُختلفةً في نظام العلاقات الشخصية. حوالي نصف التلاميذ في كل صفٍّ من الصفوف المدروسة، يعتلون أعلى المواقع التفضيلية. يتكون النصف الآخر من اولئك الذين يحوزون على عواطف أقل من نصف زملائهم في الفصل، أو لا يحوزون على عاطفة أحد على الاطلاق. من المُهم جداً أن يعرف المُعلّم أو مربية الصف حالة كُل تلميذ في نظام العلاقات الشخصية. يعتمد تشكيل شخصية الطالب، الى حدٍ كبير، على هذه الوضعية. وهكذا، عندما يكون الطفل في وضعٍ مُفضّل، تتشكل خصائص مثل التواصلية الاجتماعية، وحُسن النية والحس الجماعي. هذا التلميذ في وضعٍ عاطفيٍّ جيد في الصف. يتطور عند هذا الطفل في هذه الحالة، ما أطلَقَ عليه أنطون مكارينكو “الشعور بالحماية”.
كل هذا يُمكن أن يكون له تأثير ايجابي على علامات الطفل وانضباطه. من ناحيةٍ أُخرى، ان فَشِلَ التلميذ بتحصيل عاطفة زملائه في الصف، وان لم يُحبّوه، فقد يجد نفسه في وضعٍ فريدٍ من العُزلة النفسية. هذا قد يُعزز ظهور سمات في شخصيته، مثل الكآبة، التكتّم، الشكية، والميل الى الوحدة، وما الى ذلك. يُنمّي هذا الطفل احساساً بالوحدة والانعزال عن طُلّاب صفه، وهذا ما قد يدفعه بعيداً عن الصف والمدرسة.
كما رأينا، يُحاول هؤلاء الأطفال غالباً العثور على زُملاء خارج المدرسة، وهذا يكون له في بعض الأحيان عواقب وخيمة. وهكذا، وجدنا أن أحد التلاميذ، والذي وفقاً لبيانات تجربتنا كان في موقعٍ عاطفي غير مواتٍ (لم يختره أحد على الاطلاق)، قد انجرَّ لاحقاً الى عصابةٍ من اللصوص.
يجب على المُعلّم الذي يجد مثل هؤلاء الأطفال في صفه أن يُحاول تقويم علاقتهم مع زُملائهم في الصف، ومساعدتهم في الحصول على مكانة مواتية. ولكن للقيام بذلك، يجب على المرء أن يعرف ما الذي يجعل هذا الطفل يحصل على هذا الموقع بالذات في نظام العلاقات الشخصية. تشهد بياناتنا على حقيقة أن هذا يعتمد، من ناحية، على علاماته وخصائصه الشخصية، ومن ناحيةٍ أُخرى، على المعايير الذي يضعه صف مُعيّن فيما يتعلق بشخصيات الأطفال فيه. وُجِدَ عادةً أن الأطفال الذين يقفون في موقعٍ مُفضّل اولئك الذين يوسمون بأنهم جيدين، والقادرين، ودودين وهادئين في مواقفهم تجاه زملائهم. من ناحيةٍ أُخرى، فإن الخصائص المُتعلقة بالتطور العام المُنخفض واللااجتماعية والعناد والمُشاكسة والشجار تُقلل من موقع الطفل في نظام العلاقات الشخصية. تجدر الاشارة بشكلٍ خاص الى أن التلاميذ، في ظل ظروف المدارس الداخلية، يُقيّمون عالياً بعض الخصائص التي تلعب دوراً أقل بكثير في المدارس العادية، وهذا ينطبق أولاً على أناقة الطفل وعاداته ومُمارساته من ناحية النظافة. تُسبب عادات الطفل المُهملة وغير السارة وغير الجميلة الى رفض زملائه له. وبالتالي، يبدو أن ظروف العيش معاً في المدرسة الداخلية، الموضوعية، بالذات، تجعل هذه الخصائص تلعب دوراً خاصاً في العلاقات المُتبادلة بين سكانها. هنا، يجد المرء مبداً عاماً: لكي يعترف التلاميذ بأي سمةٍ شخصيةٍ على أنها مُهمة وضرورية، يجب أن تبدو في أذهانهم كمَطلَب تطرحه ظروف الحياة نفسها.
يُمكن مُلاحظة بعض الاختلافات في هذه المطالب عند الصفين الثالث والسادس. بالنسبة للأطفال الأصغر سناً، تُعتَبَر العلامات التي يحصل عليها زميل الدراسة ذات أهمية أكبر مما يعتبره المُراهقون. من بين هؤلاء الأخيرون، تلعب صفات الزميل الأخلاقية دوراً أكبر في اختيار الصديق.
وبالتالي، من أجل مُساعدة الطفل على تحقيق مكانة مُفضّلة في الصف، يجب علينا أولاً تحديد سبب موقعه غير الموات. هل كان لهذا التلميذ صفات سلبية حقاً أم ان زملاؤه في الصف حكموا عليه عن غير وجه حق؟ أحياناً، ينبع الموقف السلبي تجاه زميلٍ في الصف بسبب موقفٍ غير لبقٍ يتخذه المُعلّم تجاهه. يتسبب بعض المُعلمين، بدون أن يقصدوا ذلك، من خلال التقييمات غير الصحيحة والمُلاحظات والتعليقات غير الحسنة التي يوجهونها للطالب، الى حدوثٍ موقفٍ سلبي تجاهه من جانب زملائه في الصف. قد تكون المُلاحظات النقدية والثناء المُفرط ضاراً في هذا الصدد.
قد يحدث، أن يحتل التلميذ، الذي يرى المُعلّم بأنه لا يستحق ذلك، مكانةً عاليةً في نظام العلاقات الشخصية التي تتشكل في الصف. يشهد هذا اما على أن معايير التلاميذ تجاه بعضهم البعض ليست حازمة أو مُتطلبة، تجاه بعضهم، أو قد يكون المُعلّم مُخطئاً في تقييمه لهذا التلميذ. وهكذا، وفقاً لبيانات تجاربنا، أثبتَ طالب الصف الثالث ساشا بأنه في موقعٍ مُفضّل في الصف. ومع ذلك، أعطاه المُدرسون تقييماً سلبياً. وُجِدَ أن هذا الفتى الذكي، الذي يمتلك روح المُبادرة، يهدر طاقاته وخياله على صنع مقالب مُختلفة. عندما تم اختيار هذا التلميذ لاحقاً رئيساً لمجموعة الرواد في صفه، أي عندما شَغِلَ في صفه الموقع الذي يشغله بالفعل في نظام العلاقات الشخصية، صارَ مُساعداً حقيقياً للمُعلّم.
يقودنا هذا، الى مسألة العلااقة بين بُنية المجموعة وبُنية العلاقات الشخصية في الصف. كلما كان تنظيم العمل في الصف أفضل، كلما كان نشاط التلاميذ المُشترَك مُنظماً بشكلٍ أفضل، وكلما كانت هاتين البُنيتين متوافقتين مع بعضهما بشكلٍ أفضل. تظهر، في الصفوف الدراسية المُنظمة جيداً، علاقات شخصية مواتية أوسع وأكثر استقراراً بين الأطفال. هُنا، يتوافق الموقع الرسمي للطفل في الجموعة مع موقعه الحقيقي في نظام العلاقات الشخصية. وهكذا، يتمتع أعضاء الفِرَق والرواد والمُراقبين باعجاب العديد من زملائهم في الصف. هذا بالطبع، يُساعدهم على أن يُصبحوا قادةً حقيقيين في المجموعة.
من ناحيةٍ أُخرى، يُلاحظ المرء أحياناً في الصفوف الدراسية سيئة التنظيم، وجود عدم توافق بين موقع التلميذ في المجموعة ونظام العلاقات الشخصية. على سبيل المثال، قد يكون التلميذ قائد فريقٍ أو رئيس الرواد، لكن زملائه في الصف لا يُحبّونه ونادراً ما يُعبّرون عن رغبتهم في التواصل معه. ان الموقع الرسمي لمثل هذا التلميذ يفترق عن وضعه الحقيقي.
لمنع حدوث ذلك، من المُهم، عند ترشيح أعضاء مجموعة من الرواد، أن يؤخَذَ في الاعتبار الموقع الحقيقي لأعضائها في نظام العلاقات الششخصية التي تنشأ في الصف. ومع ذلك، لا يجب أن يغيب عن البال، أن التلميذ الذي يتمتع باعجاب العديد من زملائه في الصف لا يكون دائماً قادراً على أن يكون قائداً جيداً أو مراقباً. على سبيل المثال، قد لا يمتلك القُدرات التنظيمية اللازمة لذلك.
من ناحيةٍ أُخرى، ليس جميع الطلاب الذين يفتقرون الى اعجاب ومودة العديد من زملائهم في الصف غير مؤهلين لعضوية الرواد. قد لا يكون مثل هذا الشخص محبوباً لأن مبادئه صارمة ومُتطلّب. هذا مُمكن بشكلٍ خاص في الصفوف التي لم يُصقَل فيها الرأي العام بطريقة مُثابرة. يجب ايجاد حل فردي لكل حالة مُعطاة. لكن الشرط الأساسي للحل الصحيح هو معرفة العلاقات الشخصية المُتبادلة بين الطلاب.
ان بُنية العلاقات الشخصية في الصف، لا تعتمد فقط على موقع كُل تلميذ في نظام هذه العلاقات، ولكن على العاطفة المُتبادلة التي تربط زُملاء الدراسة. يتم تفضيل الروابط الشخصية بين الطُلاب من خلال وجود مجموعة من الطلاب في الصف غير مُسجّلة رسمياً، والتي قد توجد جنباً الى جنب مع وحدات بُنيوية أُخرى مثل الفريق. يُمكن الكشف عن مثل هذه المجموعات بدقة شديدة من خلال التقنية الموصوفة أعلاه: قسم مُعيّن من الطلاب في الصف يختارون بعضهم البعض بشكلٍ مُتبادل ونادراً ما يختارون تلاميذ آخرن. قد تلعب مثل هذه “المجموعات التعاونية الميكروية) دوراً ايجابياً في حياة الصف وفي تكوين شخصية الطُلّاب.
قد يحدث أن تؤسس مثل هذه المجموعة معاييرها وأخلاقها الخاصة في مواجهة مطالب الصف والمُعلمين. ينشأ في مثل هذه الحالات، “حاجز عاطفي” بين التلاميذ والمُعلّم، مما يمنع التلميذ من قبول مطالب المُعلّم بشكلٍ صحيح. يوضّح هذا مدى أهمية الاكتشاف الفوري لوجود مثل هذه المجموعات وتشكّلها وتحديد الأطفال الذين ليسوا بعد أعضاءاً فيها ولكنهم يتجهون نحوها. هذا سيُساعد بالتأكيد في ايجاد طُرُق اما لتفكيك مثل هذه المجموعة، وكشف اعضائها للصف بأكمله، أو توجيه نشاطها لصالح الجموع، من خلال تعيين واجبات أو أعمال مُثيرة للاهتمام لأعضاء المجموعة.
ومع ذلك، في نظامنا المدرسي، هذا النوع من المجموعات ليس وحدةً أساسية في بُنية العلاقات الشخصية، كما هو الحال في مدارس الدول الرأسمالية. بالاضافة الى ذلك، لا توجد مثل هذه المجموعات بأي حالٍ من الأحوال في جميع الصفوف، وينتمي اليها، في حال وُجِدَت، قلة قليلة من التلاميذ.
من المُهم أيضاً التأكيد على حقيقة أن المجموعات تلعب دوراً ايجابياً في الصف. هذا يعتمد، نُكرر، على مستوى العمل في الصف. الوحدة الأساسية في بُنية العلاقات الشخصية بين التلاميذ في الصف، كما كشفت دراستنا، هي ما يُسمّى بدوائر الرفقة في الصف. يوجد في كُل دائرة رفقة تخص التلميذ، زُملاء الدراسة الذين يشعر تجاههم بالعاطفة والاعجاب والذين يختارهم من بين التلاميذ الآخرين في الصف. في دائرة الرفقة الأولى والأكثر أهميةً للطفل، عادةً ما يكون هناك ثلاثة أو أربعة من زملائه يشعر تجاههم بمودّةٍ قوية ومُستقرة. يُعبّر عن ذلك في حقيقة أنه يختار هؤلاء الزُملاء في جميع التجارب التي أُجرِيَت في الصف.
هذه الدائرة الأولى من الرفقة، بدورها، هي جُزء من دائرةٍ ثانيةٍ أوسع، تشمل جميع زُملاء الدراسة الذين يشعر التلميذ أنه مُهتم بهم. أظهَرَت دراستنا أن هذه الدائرة تضم عادةً سبعة أو ثمانية تلاميذ.
بالطبع، دوائر الرفقة هذه ليست جامدة. انها تتفاعل مع بعضها البعض. قد ينتقل الطفل من دائرة الى أُخرى، والعكس صحيح. يتغير تكوين هذه الدوائر باستمرار في شكل قبول التلاميذ لأولئك الآخرين الذين لم يكونوا من قب جُزءاً من الدائرة.
أهمية معرفة المُعلّم لكلا دائرتي الرِفقة لكل تلميذ واضحة تماماً. يُمكن للمُعلّم أو مربية الصف ان عرفاها، تحديد زميل الدراسة الذي ينجذب كُل طِفلٍ اليه، من يُقلّد، ومن يتمتع بأكبر تأثيرٍ عليه، وعلى من هو يؤثر. من خلال معرفة بُنية العلاقات الشخصية بين تلاميذ المدرسة، يكون المُعلّم في وضعٍ يُمكنه من تغييرها الى الأفضل. يُفضّل، على سبيل المثال، أن يؤلّف فريق من الرواد مجموعةً من الطُلّاب الذين يُشكلون دائرة رفقة ثانية لبعضهم البعض، أي أن يحوزوا على مودة وعاطفة تجاه بعضهم. هذا بالطبع، يُطوّر من أداءه وتُطيل فترة وجوده.
كيف يُمكن انشاء مثل هذا الوضع؟ في المقام الأول، من خلال معرفة أي من زُملاء الصف ينتمون الى دائرة الرفقة الثانية لكل طفلٍ في المدرسة، يستطيع المُعلّم على هذا الأساس انشاء عضوية كُل فريق بشكلٍ صحيح. في المقام الثاني، من الأهمية بمكان، أن يكون عمل الفريق مُنظماً بحيث يصير التعاطف والانجذاب بين الأطفال أكبر وتصير علاقتهم أقوى ويصيروا أصدقاء، لأنه، في النهاية، تعتمد العلاقات الشخصية بين الأطفال، على الرغم من مُباشرتها وقيامها على الانجذاب العاطفي، في التحليل النهائي، على نوع تنظيم نشاط الأفعال المُشتَرَك. ليس من قبيل الصُدفة أن تكون العلاقات الشخصية في صفٍّ جيد التنظيم، أكثر استقراراً وشموليةً من الصفوف ضعيفة التنظيم.
لقد كشفنا هُنا عن فقط عن بعض المسائل المُتضمنة في دراسة العلاقات الشخصية بين زُملاء الدراسة. ولكن، حتى ما قيل هُنا، يكفي، برأينا، للقول، بأن استنتاجات هذه الدراسة، والنظر في نتائجها، مهمة في بناء شخصيات الأطفال والعمل التعليمي الناجح في الصف.
قد تكون هذه الاجراءات التحقيقية التي وصفناها في الأعلى ذات قيمة خاصة للمعُلّم الذي بدأ العمل مع صفٍّ لا يعرفه. يُمكن من خلال هذا الاستبيان البسيط (على سبيل المثال، اختر شريكك في المقعد) أن يحصل على مجموعةٍ واسعةٍ من المعلومات المفيدة حول العلاقات الشخصية بين تلاميذه، وقد تُمكّن مثل هذه الدراسة المُعلّم من أن يرى مجموعته الصفّية كما لو أنه عمِلَ معها لسنواتٍ عديدة، مما يجعله أكثر نجاحاً في حل مسائل التنشئة الشيوعية للأجيال الصاعدة، التي يطرحها الحزب الشيوعي السوفييتي.

  • ياكوف لفوفيتش كولومينسكي 1934-2019 عالم نفس وتربوي ماركسي. تخرّجَ من المعهد التربوي الحكومي في مينسك بيلاروسيا الذي حَمَلَ اسم ماكسيم غورغي. درّسَ التربية والسيكولوجيا في كُليّة نوفوغرودوك التربوية من 1955-1958. دافَعَ عام 1963 عند رسالته للدكتوراة بعنوان: (الخبرة في دراسة سيكولوجيا العلاقات بين طلاب صفوف المدرسة)، وفي عام 1980 دافَعَ عن اطروحة الدكتوراة بعنوان (سيكولوجيا العلاقات الشخصية في مجموعات الزُملاء-خصائص العمر العامة). ترأسَ قسم الطفل والسيكولوجيا العامة في جامعة بيلاروسيا الحكومية من عام 1978-2006.
    ألّفَ أكثر من 400 ورقة علمية وتعليمية، منها 30 مؤلّف أجنبي بـ16 لغة.
    من دراساته:
    (سيكولوجيا العلاقات الشخصية في مجموعات الأطفال) 1969، (انسانٌ بين الناس) 1970، (نقاشات حول أسرارا النفسية) 1976، (سيكولوجيا مجموعات الأطفال-نظام العلاقات الشخصية) 1984، (المسائل النشوئية في السيكولوجيا الاجتماعية) 1985

أ- المدارس الداخلية السوفييتية، هي جُزء من النظام التعليمي العام السوفييتي ظهَرَ بشكلٍ مُكثّف بعد عام 1958. توجد أنواع مُختلفة من المدارس السوفييتية منذ فترةٍ طويلة في إطار النظام التعليمي، مثل دور الأيتام، ومدارس ذوي الاحتياجات الخاصة، والموهوبين فنياً وعلمياً والأكاديميات العسكرية والبحرية، على سبيل المثال لا الحصر. لقد صُمِّمَت المدارس الداخلية في الضواحي والأرياف ومناطق الاتحاد السوفييتي الشجرية المُنعزلة لتُقدّم فُرَص الرعاية والاشراف المُستمرين للأطفال، بحيث تؤمّن لهم الطعام والملابس والكُتب المدرسية وحتى الأحذية، والتعليم المتفوق للغاية، وكذلك من أجل تحفيز النساء السوفييتيات العاملات على أن ينفصلن عن أطفالهن لفترات أطول من الزمن.
1- وظّفنا في هذا تقنيةً تُستخدم على نطاقٍ واسعٍ في علم النفس في الخارج، بما في ذلك في الديمقراطيات الشعبية. أُنظر:
Studies of the mutual relations of school children by means of sociometric methods, Ia L KOLOMINSKII, A I ROZOV] [Article in Russian]ب- لم أستطع أن أعرف محتويات هذه المقالة أعلاه. ولكن بعد بحثٍ قليل، ربما استطعت أن أعرف جوهر هذه التقنية. تُسمّى هذه التقنية بالمنهجية السوسيومترية. تنطبق المنهجية على الجماعات الصغرى كالقسم أو العائلة أو مجموعة صغيرة مكلفة بقيام بعمل معين. من سمات هذه الجماعات أن هناك تعارف شخصي بين أفرادها، وأن مدة التعارف فيما بينهم تكون طويلة ولها تأثير عليهم.
يقوم المُعلّم في الصف، بعرض مجموعة من المواقف التواصلية والعلاقات على كل تلميذ، ويطلب منه تدوين أيٍّ من زُملاؤه يفضل أن يعمل معهم فيها. (مثلاً، أي من زُملائك تحب أن يزرع معك شجرة؟) و(أي من زملائك تشعر أنه يُمكنك أن تذهب معه رحلةً استكشافيةً طويلة؟) الخ.

ترجمة لمقالة:
Ia. L. Kolominskii (1963) Means of Investigating and Shaping Personal Relationships Among Pupils in Class, Soviet Psychology and Psychiatry, 2:1, 13-18

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى