رأي

تجوع يا سمك البحر

عمار أسامة جبر
كاتب

لعله الواقع السيء، لعله ذاك الشعور لدى العربي من المحيط الى الخليج بأنه يملك كل خيرات العالم ولا يستطيع أن يسعد نفسه، ولا يملك من قوت يومه الى ما يسد به رمقه، لعله الحنق على ما وصلنا اليه من وضع معيشي سيء ووضع اقتصادي يتحكم به من عصبة برجوازية في كل دولة، تلقي بالفتات إلينا وتأخذ الحصة الكبرى، لتنعم هي وأسرها برغد المعيشة، ولا نجد إلا أن ننسلخ على واقعنا لنعيش في أحلام اليقظة، تلك الاحلام التي نخلق عبرها عوالم جديدة، بعيدة عن البؤس والمعاناة وضنك العيش.

كانت العبارة الأشهر في اعلامنا العربي إبان النكسة “تجوع يا سمك البحر، سنلقي بالصهاينة في البحر”، رحل معها صاحبها الإعلامي أحمد سعيد، الذي لم يعلم بأن ما كان ينقل له من بيانات مغلوطة لا تمت للواقع على الأرض بصلة، ولم نرمي الصهاينة في البحر، بل رمينا خيبتنا وانكسارنا وضعف الحال وستة أيام من الهزائم، وانتظرنا خمسة عقود بعدها لنطبق هذه المقولة، ولكن هذه المرة لنرمي أبنائنا وفلذات قلوبنا في نفس البحر الذي وعدونا بأنهم سيرمون به العدو الصهيوني، لتخوض الأسر العربية كل بحار العالم لتهرب من واقعها المعيشي الردئ، ولتصبح هذه البحار مقابر بدون شواهد لأسر وأفراد، منهم من لم يتحمل البحر حزنه فالقى به إلى الشواطئ ومنهم ما زال يحتضنه الى حين.

لسنا جهلة! أو غير متعلمين!، بل لدينا في عالمنا العربي أعلى نسب تعليم وتحصيل علمي، لدينا العقول والكفاءات ما يغنينا عن طلب المعونة من -مستشار أجنبي-، لكننا نعيش في عوالم البيروقراطية وندور في فلك البطالة المقنعة، والواسطة والمحسوبية وكل أشكال الترهل الإداري، التي تحطم الكفاءات وتدفعهم الى الهرب غرباً حيث التقدير والمستوى المعيشي اللائق، حيث يمكن له أن يفكر بحرية بدون الخوف من رقيب يثقل أوزاره بعمل إضافي لا ضرورة له بوقت غير مناسب.

يا ترى الى متى سنستخدم “تجوع يا سمك البحر”، ونلقي بأبنائنا الى حضن الغرب، الى متى الاستخفاف والاستهتار اللامتناهي من إمكانياتهم وقدراتهم على الابداع، الى متى الاستمرار في التنمر من أي اختراع عربي او كاتب عربي وتفضيل اللاعربي في شتى المجالات، فلننفض عن أنفسنا قليلاً من الجمود ونحاول ادخال الشباب الكفء إلى العمل وندعمه ونشجعه، وتفتح له الأبواب المغلقة في وجهه ليثبت في مواجهة كل الاغراءات التي تشجعه على الهروب من هذا الواقع المرير، فلنبدأ ببث قصص النجاح من داخل أوطاننا، فلنقم ولينهض المارد العربي من قمقمه، ونعيد امجاد العروبة وفكرها وعلمها وما وصلت اليه من الرقي والحضارة وفنون الادارة والسياسة وغيرها مما برعنا فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى