أحوال عربية

مابعد الرئيس ابو مازن .. أزمة تجاوزها ضرورة.

تمارا حداد .


لا يبدو أن هناك مؤشرات على الساحة الفلسطينية في المرحلة المقبلة تشي بإمكانية تحقيق المصالحة للخروج من مأزق انعدام الأفق السياسي أو الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة تؤمن التداول السلمي للفلسطينيين.
واقعيًا، النظام السياسي الفلسطيني منقسم وخلافة الرئيس الفلسطيني ستشهد صراعًا بين عدد من السياسيين بل الصراع بدأ الآن بالفعل وازداد الصراع على خلافة أبو مازن مؤخرًا، بسبب عدم وجود آلية واضحة لتوريث السلطة، خصوصاً وأن تطبيق ما ينص عليه القانون أمر غير ممكن بعد حل المجلس التشريعي كونه يفرض تسليم السلطة إلى رئيس المجلس التشريعي مدة ستون يوماً إلى حين إجراء الانتخابات، الحالة الفلسطينية تعيش يوماً بعد يوم تشرذماً فكيف بمرحلة ما بعد “أبو مازن”، بالذات نعيش مرحلة من أعقد المراحل من الناحية السياسية والجغرافية ولا يوجد حالة وطنية تُعيد النظر للحالة الفلسطينية.
إن اختيار خليفة أبو مازن لن يكون سهلاً بل أكثر تعقيداً مما يتخيله البعض، لأن المنافسة تدور على خلافته في ثلاثة مواقع وهي رئاسة فتح والسلطة ومنظمة التحرير، ما بعد “ابو مازن” هو الموضوع البارز الذي يحتاج إلى وقفة، كون فترة ما بعد “أبو مازن” غير مخطط لها ولا يوجد حتى الآن وصفة للتداول السلمي للسلطة تتمثل بالانتخابات والتي هي الوسيلة الوحيدة لأن يختار الشعب مجلسهم النيابي ورئيسهم المستقبلي.
التعقيدات تسود المشهد وسط حالة من الإنقسام السياسي والإداري والجغرافي وتتجه بشكل متسارع نحو حالة من الانفصال الجغرافي، وربما يتبعه فصل القانوني والسياسي بفعل الانقسام بين غزة والضفة الغربية، أو بالأصح بين حركتي (فتح وحماس). تعقيدات كبرى ترافق المشهد السياسي في ظل ما يدور في الإقليم من حروب وصراعات داخلية تؤثر في الوضع الفلسطيني، خاصة مع البدء في صياغة التحالفات والمحاور الإقليمية (محور المقاومة ومحور الناتو الامريكي العربي) ووسط حالة من الاستبعاد الدولي للاهتمام الكافي بالقضية الفلسطينية كقضية محورية من قضايا السلم والأمن الدوليين، ربما أحد أهم أسباب هذه التعقيدات أنّ هناك حالة من الجدل ليس فقط سياسياً، ولكن امتدت إلى الصراع على مشروعية التمثيل وشرعية القيادة.
الحال ما بعد الرئيس “أبو مازن”:
قد تشهد الحالة ما بعد “الرئيس الفلسطيني” عدة سيناريوهات:
• بقاء الوضع القائم كما هو سيطرة حركة فتح في مناطق الضفة الغربية وبقاء حماس في قطاع غزة وهذا يعني استمرار حالة الجدل السياسي والاقتصادي والإداري والجغرافي وانعكاسه ديُمغرافياً فلسطينياً.
• حدوث تصادمات بين بعض أعضاء اللجنة المركزية وهذا الأمر إن لم تحدث انتخابات داخلية لحركة فتح لاختيار البديل بوجود الرئيس الفلسطيني فإن الضفة لن تعيش بسلام.
• قد تجتمع القيادات السياسية لاختيار شخصية واحدة تكون رئيساً للسلطة الفلسطينية وهذا يعني رئيساً بالتزكية ولا داعي للانتخابات وهذا حل غير مرضي للجميع لأن العديد من القيادات تأمل باستلام الرئاسة وهذا حق للجميع دون تفرد أو تعيين قد يُضر بالحالة الفلسطينية نحو مزيد من التشرذم.
• انتخابات بحيث يقرر الشعب مصيره من خلال صناديق الاقتراع السري، وبالتالي تصبح فكرة “إرادة الشعب” واقعية وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في القدس حيثما أمكن إما بأداة الاقتراع الالكتروني أو وضع الصناديق داخل موقع المقدسات الإسلامية والمسيحية بالتنسيق مع الأردن كون الوصاية لهم.
• ترسيخ مبادئ العمل المؤسسي وإرساء تداول السلطة السلمية وتغليب قوة المنطق بدل منطق القوة، حيث ان السيناريو المتوقع ان لم تحصل الانتخابات هو تغليب منطق القوة على التداول السلمي، بعض الذين يتنافسون على قيادة حركة فتح لديهم عناصر مسلحة، التوقع السائد هو أن صراعاً عنيفاً سينشب حالما يصبح الرئيس غير قادر على الحكم أو يتوفى، والخطوة المتوقعة هي محاولة للسيطرة بقوة السلاح على مؤسسات السلطة في رام الله، مثل موقع المقاطعة والتشريعي والتلفزيون، ستقوم اسرائيل بدفع العناصر المسلحة في اتجاه الكانتونات العائلية و العشائرية بهدف ضمان الهدوء و الاستقرار و منع نشوء اي كيان متماسك في الضفة الغربية لصالح الخطة المستقبلية والتي ستنقل السلطة الى جهة يتم التوافق عليها عربياً و دولياً لقيادة مشروع (الاقتصاد الاقليمي) والذي بدوره لن يتجاوز إنشاء كيان بلا حدود و بلا قدس و بلا لاجئين و بلا سيادة.
• يحوّل منصب رئيس السلطة إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، يتولى أمين سر منظمة التحرير رئاسة السلطة ويبقى رئيس الحكومة، حيث تقوم الحكومة بمهامها حتى إجراء الانتخابات، وفي هذه الحالة قد تكون الانتخابات فقط في الضفة الغربية، لأن غزة وحركة حماس سترفض إجراءها بهذا الشكل.

الخروج من المأزق:-
دعوة كافة الفصائل السياسية للبدء في حوار حقيقي جدي حول حال الواقع الفلسطيني ما بعد الرئيس ووضع الآليات المناسبة للتغلب على الانقسام وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة 2017 لجهة إجراء انتخابات رئاسية تشريعية قبل غياب أبو مازن.
في حال بقيت الامور دون مصالحة فهذا سيدفع غزة الى الانفصال وتشكيل الدولة هناك، اما في الضفة الغربية فالفوضى العارمة التي ستحدث فيها ستساعد إسرائيل في التهام مزيد من الأراضي وبناء مزيد من المستوطنات، وفي الوقت نفسه تؤدي إلى انفصال قطاع غزة بشكل كامل، وربما إنشاء نظام سياسي منفصل وأيضاً تقسيم الضفة الغربية إلى كنتونات مُنفصلة وربما إدارة سلطات محلية تشبه روابط القرى القديمة.
إن الواقع الفلسطيني مرير وتجاوز الأزمة ضرورة وليست ترفاً وهذا يتطلب عمل الجميع بمسؤولية للخروج من المأزق وهذا يحتاج إلى حراك في الشارع وحراك في مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية والشعبية والنقابات والاتحادات لوضع حد لهذا الانهيار لأن المستفيد الأول هو الاحتلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى