إقتصاددراسات و تحقيقاتفي الواجهة

لهذا من الأفضل عدم ربط الدول نفسها بالبنوك العالمية

أحمد حسن عمر
وكيل وزارة – خبير اقتصادى
إن ظاهرة الاقتراض الخارجي ليست حديثة، حيث ارتبطت بالتبادل الدولي، ولم تكن مشكلة المديونية تتعدى آنذاك حدود الدائن والمدين، وكانت تنتهي بالسداد أو بالاحتلال العسكري، وبعد الحرب العالمية الثانية نال العديد من الدول النامية،استقلالها السياسي، فسارعت حكوماتها إلى تطبيق سياسات تنموية طموحة تطلبت رؤوس أموال كبيرة رغم أن معظم هذه الدول كان يعاني من انخفاض معدلات الادخار المحلي، وعدم كفاية المدخرات المتاحة لتمويل الاستثمارات اللازمة لعملية التنمية. مما شجعها الى اللجوء إلى التمويل الخارجي والاعتماد عليه لتسريع عملية التنمية.
وتتكون “الديون العالمية من قسمين أساسيين أحدهما مرتبط بديون القطاع الخاص والشركات، ومن المتوقع أن يتعثر عديد من الشركات عن السداد في حال تراجع معدلات النمو الاقتصادي، اما الآخر فيرتبط بالديون الحكومية، وعلى الرغم من تداخل المشكلتين ، فإنه يمكن تناول علاج للمشكلتين، لكن يفضل إعطاء الأهمية لإحدى المشكلتين والتركيز عليها بهدف السيطرة عليها وتحجيمها أو التخلص منها”.
ولقد افصح تقرير المعهد الدولي للتمويل إلى أن الدين العالمي سيتجاوز 255 تريليون دولار بنهاية العام الحالي حيث بلغ الدين العالمي 250.9 تريليون دولار في النصف الأول من عام 2019، حيث زاد الدين العالمي 7.5 تريليون دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 2019، ومن المتوقع أن يتجاوز الدين الحكومي 70 تريليون دولار هذا العام.
وتشكل الولايات المتحدة والصين أكثر من 60 % من الزيادة في الدين العالمي، فيما تبلغ ديون الأسواق الناشئة 71.4 تريليون دولار “220 % من الناتج المحلي الإجمالي”، وتعد هذه الأرقام غير مسبوقة للدين العالمي، مما دفع الكثير من الاقتصاديين والمستثمرين إلى التعبير عن قلقهم لدرجة توقع البعض انهيار النظام العالمي تحت وطأة الديون المتزايدة.
في المقابل، لا يبدو محافظو البنوك المركزية قلقين للغاية من تراكم الديون، بحجة أن الزيادة الكبيرة في الدين العالمي خلال العقد الماضي المقدرة بنحو 70 تريليون دولار، كانت مدفوعة بشكل رئيسى بالحكومات وقطاع الشركات غير المالية، وتركز الارتفاع بشكل رئيسى في الدين الحكومي العام في الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور، إذ زاد من 17 تريليون دولار إلى أكثر من 52 تريليون دولار.
تصنيف الديون الخارجية:
تصنف الالتزامات نحو الخارج إلى ثلاثة أنواع:
• القروض الحكومية (الرسمية): القروض التي تمنح من طرف حكومة أجنبية إلى حكومة أخرى.
• القروض المتعددة الأطراف: تمنح من طرف منظمات دولية.
• القروض الخاصة: التي تمنحها بنوك أجنبية خاصة إلى حكومة ما أو إلى مؤسسة عمومية أو خاصة أو إلى البنوك.
تطور الدين الخارجي لمصر
لقد ارتفع إجمالي قيمة الديون الخارجية المستحقة على مصر بنحو 12.5% ليصل إلى نحو 108.7 مليار دولاربنهاية يونية 2019 مقارنة بـ 96.6 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق، وبنحو 210.6% مقارنة بـنحو 35 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2010.
التحليل التاريخي لقضية الديون العالمية
أن مستويات الدين العالمي آخذة في الارتفاع منذ ثمانينيات القرن الماضي، يرجع ذلك في جزء كبير منه إلى مشكلات هيكلية كامنة في الاقتصاد الدولي.
و”رفع يد الدولة عن الاقتصاد منذ سيادة الأفكار الليبرالية على الاقتصاد العالمي، أدى إلى خصخصة قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والإسكان، وباتت تكلفة تلك الخدمات باهظة، بينما ظلت الأجور ثابتة أو لا تنمو بمعدل نمو أسعار تلك الخدمات ، فلم يكن أمام الأفراد سوى الاستدانة، وأصبحت الديون أمرا طبيعيا وجزءا أصيلا لا ينفصل عن النظام الاقتصادي، فمن الطبيعي الآن أن تطلب قرضا من أجل العلاج أو التعليم أو شراء عقار وحتى الجوانب الترفيهية مثل السفر إلى الخارج”، وبهذه الطريقة نمت ثقافة الديون وبات الدين أمرا عاديا ومألوفا لدى الناس.
كما أن “هناك 60 دولة معرضة حاليا لخطر الإفلاس، أي نحو ثلثي دول العالم معرضا للإفلاس، ومع هذا ستظل مستويات الديون مرتفعة لفترة طويلة مقبلة، فالديون كالعنصرية، مهما كنا جميعا مختلطين في المستقبل فستبقى العنصرية، وهكذا مهما بلغ سوء وضع الاقتصاد العالمي فستبقى الديون، لأنه على الرغم من أن الاقتصاد المثقل بالديون الكبيرة يتباطأ نموه، إلا أن الديون أصبحت في كثير من الأحيان الوسيلة الأساسية للخروج من الاختناق الاقتصادي”، كما أدى الاعتماد على السياسات النقدية غير التقليدية بضخ كميات كبيرة من الأموال الرخيصة في المنظومة الاقتصادية إلى تحفيز الانتعاش، وارتفاع الديون إلى مستويات غير مسبوقة.
تطور الدين الخارجي لمصر
لقد ارتفع إجمالي قيمة الديون الخارجية المستحقة على مصر بنحو 12.5% ليصل إلى نحو 108.7 مليار دولاربنهاية يونية 2019 مقارنة بـ 96.6 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق، وبنحو 210.6% مقارنة بـنحو 35 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2010.
التحليل التاريخي لقضية الديون العالمية
أن مستويات الدين العالمي آخذة في الارتفاع منذ ثمانينيات القرن الماضي، يرجع ذلك في جزء كبير منه إلى مشكلات هيكلية كامنة في الاقتصاد الدولي.
و”رفع يد الدولة عن الاقتصاد منذ سيادة الأفكار الليبرالية على الاقتصاد العالمي، أدى إلى خصخصة قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والإسكان، وباتت تكلفة تلك الخدمات باهظة، بينما ظلت الأجور ثابتة أو لا تنمو بمعدل نمو أسعار تلك الخدمات ، فلم يكن أمام الأفراد سوى الاستدانة، وأصبحت الديون أمرا طبيعيا وجزءا أصيلا لا ينفصل عن النظام الاقتصادي، فمن الطبيعي الآن أن تطلب قرضا من أجل العلاج أو التعليم أو شراء عقار وحتى الجوانب الترفيهية مثل السفر إلى الخارج”، وبهذه الطريقة نمت ثقافة الديون وبات الدين أمرا عاديا ومألوفا لدى الناس.
كما أن “هناك 60 دولة معرضة حاليا لخطر الإفلاس، أي نحو ثلثي دول العالم معرضا للإفلاس، ومع هذا ستظل مستويات الديون مرتفعة لفترة طويلة مقبلة، فالديون كالعنصرية، مهما كنا جميعا مختلطين في المستقبل فستبقى العنصرية، وهكذا مهما بلغ سوء وضع الاقتصاد العالمي فستبقى الديون، لأنه على الرغم من أن الاقتصاد المثقل بالديون الكبيرة يتباطأ نموه، إلا أن الديون أصبحت في كثير من الأحيان الوسيلة الأساسية للخروج من الاختناق الاقتصادي”، كما أدى الاعتماد على السياسات النقدية غير التقليدية بضخ كميات كبيرة من الأموال الرخيصة في المنظومة الاقتصادية إلى تحفيز الانتعاش، وارتفاع الديون إلى مستويات غير مسبوقة.
القروض والدول الرأسمالية
أن “الوعود غير الممولة للسياسيين، التي لا يمكن عمليا تمويلها بالموارد المحلية، لن تكون هناك من سبيل أخرى غير اللجوء إلى الديون لتمويلها لإرضاء رغبات الناخبين والمستهلكين”، فعندما أقرضت حكومات الولايات المتحدة والدول الرأسمالية عالية التطور البنوك لإعادة الهيكلة، وأقرضت الشركات المالية لإنقاذها من الإفلاس، أو لجأت إلى خفض أسعار الفائدة لإيجاد حوافز للنمو الاقتصادي عبر زيادة الاقتراض ومن ثم الإنفاق، أو استبدلت الإقراض بمنح تخفيضات ضريبية كبيرة لكبار الرأسماليين، فإن ذلك كله كان يعني باختصار أن حل أزمة ديون القطاع الخاص يأتي على حساب زيادة المديونية العامة.
كما يعد التتافس على أسواق السندات العالمية سببا في ارتفاع الديون العالمية، حيث ارتفعت أسواق السندات العالمية من 87 تريليون دولار عام 2009، إلى أكثر من 115 تريليون منتصف العام الجاري.
وفى حال سداد ديون الشركات ستكون بمثابة رسالة إيجابية إلى المستثمرين بشأن أداء الاقتصاد العالمي، مما يدفعهم إلى الاستثمار في القطاع الخاص، بعيدا عن السندات الحكومية.
أسباب التركيز على قضية ديون الشركات
إذا تم حل مشكلة مديونية الشركات والقطاع الخاص، فسيصبح لدى الدولة وعاء ضريبي أكبر، وأكثر مرونة وتماسكا، بحيث يمكن الاعتماد عليه للتخلص من قضية الدين الحكومي تدريجيا،
وغياب الاستقرار في الأسواق العالمية، والشعور العام بإمكانية عودة سيناريو الأزمة المالية العالمية في عام 2008، يدفع بكثير من المستثمرين إلى الأصول الأكثر أمانا مثل سندات الخزانة الأمريكية.
الآثار الاجتماعية للديون الخارجية
إن الآثار السلبية للديون الخارجية لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط بل تتعداها إلى الأبعاد الاجتماعية.و الأنظمة الإنتاجية والاستثمارات، فالدول التي كانت تتبنى أنظمة اقتصادية تقوم على سيطرة الدولة على ملكية وإدارة الانشطة الاقتصادية، تتحول تحولا جذريا، نتيجة مشاكلها المالية الخانقة تبنيها وتطبيقها لشروط الصندوق النقدي الدولي من خلال تطبيق برامج التثبيت الاقتصادي والإصلاح الهيكلي؛ متخلية بذلك عن جزء كبير من مهمتها الاجتماعية المتمثلة أساسا في حماية أصحاب الدخول المحدودة. وتستند هذه البرامج إلى ضرورة إعطاء قوى السوق الدور البارز في الحياة الاقتصادية وتحرير المعاملات الاقتصادية والمالية مع العالم الخارجي.
ويرجع ذلك لعدة اسباب منها تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي نتيجة لتطبيق سياسات انكماشية تتضمنها هذه البرامج خاصة في المراحل الأولى لها، مما يؤدي إلى خفض الطلب المحلي الذى بدورهيؤدى إلى المزيد من حدة الركود الاقتصادي ، ومن ثم تراجع الطلب على العمل. علاوة على تأثير عمليات خصخصة المؤسسات العامة و تقليص حجم العمالة بها قبل انتقالها إلى الملكية الخاصة، و تراجع الحكومات عن خلق فرص جديدة للعمل بحجة الضغط على الإنفاق العام وتقليص عجز الموازنات العامة، إلى غير ذلك من الإجراءات المرافقة لبرامج الإصلاح الاقتصادي وفقا لشروط الجهات المانحة مقابل إعادة جدولة الديون أو حصولها على قروض جديدة.
كما ظهر اتجاه بين صفوف الدائنين يؤسس نظرته إلى مشكلة الديون في الدول المتعثرة على أنها مشكلة إفلاس ودعا أصحاب هذا الاتجاه إلى مقايضة حقوق الملكية في المشاريع التي تملكها الدولة في هذه البلدان بالديون، كما أن هذه الأموال والمنظمات الكبرى المحركة لها قادرة على التأثير على سيادة الدول المدينة، كونها تلعب دور الشرطي الذي يلزم الدول المدينة بتوجهات معينة في سياساتها العامة ، مما يضعف السيادة الوطنية لهذه الدول.
الخلاصة
تتوقف آثار الديون في عملية التنمية على طريقة استخدام القروض الخارجية وفعالية هذا الاستخدام. فإذا ما استخدمت هذه القروض في استيراد السلع الاستهلاكية أو في تمويل مشاريع غير إنتاجية، فسيؤدي ذلك إلى إهدار قيمة القرض وزيادة العبء على ميزان المدفوعات. أما إذا استخدمت القروض الخارجية في تمويل المشاريع الإنتاجية ذات العائد السريع، فإن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة الدخل القومي.
ومع هذا، يؤكد بعض الخبراء أن قضية الديون على الرغم من خطورتها وتفاقمها، إلا أنه من المستبعد أن تنفجر جميع مكوناتها في وقت واحد، ويعد هذا الأمر من وجهة نظر البعض إيجابيا بعض الشيء، ويمنح الاقتصاد العالمي الفرصة لتفكيك المشكلة جزئيا بحيث يمكن أن يتعامل معها. ومن ثم يجب الأهتمام والتركيز على حل قضية ديون القطاع الخاص، دون تحويل ديون القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي أو دافعي الضرائب، إنما من خلال خطة طويلة الأمد من إعادة الهيكلة، وخفض النفقات، والتخلص من بعض الشركات الفاشلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى